مقالاتومضات

الكلمة الممنوعة

لميس خديجة عسلي- عاملة اجتماعية (جمعية سند لصلاح الأسرة وبناء المجتمع)

كانت سعيدة تعيش في قرية صغيرة على ضفة النهر، يناديها أهل قريتها “الأميرة” لأنها تساعد كل من حولها، تساعدهم بأي شيء وفي أي وقت، تكون أول الحضور في أي عزاء أو فرح أو أي دعوة لأية مناسبة، تكون حاضرة في أية مشكلة لتساعد في حلها، يعرفها الكبير والصغير، ابتسامتها لا تفارق وجهها، ولكن عندما تدخل سعيدة الى بيتها وتغلق الباب تبكي وتبكي حتى تجف دموعها. ولكن لماذا؟ لأن سعيدة ليست سعيدة. لماذا؟ وكل من حولها يؤكد أن السعادة في العطاء ومساعدة الآخرين. كيف لا تكون سعيدة؟ والجميع يحبها. كيف لا؟ ليس بسبب الهرمونات وتقلب مزاج النساء. ولكن، لأن سعيدة منذ طفولتها تربت على عدم قول الكلمة الممنوعة (لا) ممنوع أن تقولها لأهلها أو لأصدقائها، لأن هذه الكلمة تدلّ على التمرد وعلى الأنانية، لذلك يجب أن تخرجها من قاموسها. وهذا ما فعلته، ألغت الكلمة الممنوعة من قاموسها. استبدلتها بكلمة (نعم) نعم لكل شيء ولكل أحد. نعم لزوجها لأطفالها لجيرانها، نعم لأصدقائها، نعم لكل أحد في أي وقت، أينما كانت ومهما كان برنامجها كانت تقول لمن يطلبها أو يدعوها أو يريد أي شيء منها نعم. تقولها لتكون محبوبة كي لا يتركها أصدقاؤها وأهلها، تقولها كي لا تكون انانية، وطبعا سؤالكم ما المشكلة؟

المشكلة عندما نقول (نعم) ونحن نود قول (لا) عندها يتغلغل إحساس بالقهر وعدم السيطرة على حياتنا لأعماقنا لخلايا جسدنا. شعورك بأن وقتك استغل بشيء لا تريده.

قول (نعم) وأنت تريد قول (لا) يخزن مشاعر القهر والغضب داخلك، وسرعان ما تجد هذه المشاعر طريقها للخروج. وهناك طريقتان لخروجها: الأولى من خلال أعضاء جسدك بالمرض بالاكتئاب والشعور بالوحدة والتوتر، والثانية: بركان من الغضب يدمر كل العلاقات التي حولك. عادة نَصُبّ هذا الغضب على أضعف حلقة في حياتنا وعادة يكونون أولادنا وتصرفاتنا تظهر متوترة ممزوجة بالغضب وبكلام بصوت عال.

عدم قول (لا) يجعلنا بدون مساحة شخصية لأنفسنا، نكون إمّعة لمن حولنا، يضعون لنا البرنامج ويسيروننا حسبما يريدون. عندما لا نقول (لا) نكون هم ولسنا نحن. نستنفد طاقتنا لإرضاء من حولنا وتلبية طلباتهم. بطاريتنا تنفذ حتى لو بقي لدينا وقت لا يمكننا القيام بمسؤولياتنا لأن طاقاتنا استنفدت. مخزون البطارية يقترب من الصفر ولا يوجد شاحن ليشحنها لأننا لا نقول (لا) بل سيستمر ويستمر استنفاد الطاقة حتى ننفجر في وجه كل من حولنا أو ننغلق على أنفسنا.

إليكم فوائد قول كلمة (لا):

  1. الحفاظ على طاقتك لتستعملها في القيام بمسؤولياتك الأساسية.
  2. تكون صادقا مع ذاتك.
  3. قول (لا) لأشياء يفسح لك قول (نعم) لأشياء أخرى أنت بحاجة إليها.
  4. منح السلطة لذاتك.
  5. توفر وقتك.
  6. يحترم الآخرون وقتك ومهامك ويفكرون كثيرا قبل أن يطلبوا منك شيئا.

لذلك عنما يطلب منك أي شيء عليك أن تجيب على الأسئلة التالية:

  • هل أريد حقا القيام بذلك؟
  • ماذا سأربح إذا قمت بهذه المهمة؟
  • ماذا أفعل في وقتي إذا لم أفعل ذلك؟
  • ماذا فعل بي هذا الشخص مؤخرا؟

بعد الإجابة على هذه الاسئلة تعرف إذا كان عليك أن تجيب ب (نعم) أم (لا)، وإذا أردت أن تقول لا، قلها دون أن تشعر بالذنب. من يتركك لقول (لا) إذا لا يستحقك ولا يفهمك. ربما يتضايق بداية، ولكنه سيفهمك.

لكن كيف نقولها دون أن نؤذي الآخرين؟

علينا أن نقول: نعم، سأفكر بالموضوع أو بطلبك، بعدها تفحص، وإذا قررت قول (لا) بين له أنه مهم بالنسبة لك ولكن وقتك وبرامجك لا تسمح بذلك واعتذر له، لا تشعر بالذنب بتاتا لأنك تحمي نفسك لتستمر.

علينا أيضا أن نعلم أطفالنا قول كلمة (لا) ولا نجبرهم على ما لا يريدون فعله، فكلمة (لا) من قوة الشخصية. اذا استطاعوا قول كلمة (لا) نحميهم من التحرش، من العنف ومن السير وراء رفقاء السوء. فمن يعرف كيف يقول (لا) عندما يرى تصرفا سيئا من أصدقائه، يقول: لا، لن أشارككم وسيبتعد، ومن يتعود أن يقول نعم سيقولها لكل أحد.

محور آخر لكلمة (لا ) هو كلمة لا للذات، عندما أستطيع قولها لنفسي ولا أتبعها شهواتها، أحمي نفسي من السمنة، من المعاصي ومن أمور أخرى كثيرة تضيع وقتي وربما حياتي.

لنتعلم قول (لا) منذ الصغر كي نحمي أنفسنا في الكبر.

وأيضا محور آخر لكلمة (لا) نقولها أيضا لأنفسنا لكبت شهواتنا للاهتمام بصحتنا وللاستثمار لآخرتنا.

وسعيدة إذا تعلمت قول (لا) ستمضي وقتها بأشياء تهمها ولن تتوقف عن مساعدة الآخرين، بل ستساعدهم حسب وقتها وبرنامجها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى