أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

أغلى هدية لأغلى حبيب في ذكرى مولده

يوم الثلاثاء القريب 12 ربيع الأول 1443 وفق 19/10/2021 ستهلّ علينا نسائم وأنوار وعبق ذكرى مولد الحبيب الهادي سيدنا محمد ﷺ

الشيخ كمال خطيب

يوم الثلاثاء القريب 12 ربيع الأول 1443 وفق 19/10/2021 ستهلّ علينا نسائم وأنوار وعبق ذكرى مولد الحبيب الهادي سيدنا محمد ﷺ. هذه الذكرى وهذا المولد فيه نزيد الحب ونجدد العهد على أن نظل أوفياء لدين محمد وكتاب محمد ونهج محمد ﷺ، لا نقيل ولا نسقيل حتى يكون الملتقى بإذن الله تعالى على حوض محمد ﷺ.

 

الربيع يهلّ في الخريف

لم يكن وصفًا أبلغ لحال العرب قبل مولد رسول الله ﷺ مما قاله جعفر ابن أبي طالب -رضي الله عنه- للنجاشي: “أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الاصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء للجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته…”. وإذا كان هذا الوصف يشخّص الحالة الاجتماعية للعرب بما كانت عليه فإن الحالة السياسية كانت أشد سوءًا، حيث العرب يومها وقد وقعت أغلب أرضهم تحت الاحتلال الفارسي والروماني والحبشي. كان العرب يومها يتطلعون بانتظار من يخلصهم من هذا الحال ويرفعهم من القاع والحضيض الذي كانوا عليه حتى بعث الله فيهم رسوله ومصطفاه محمد الله ﷺ، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} آية 2 سورة الجمعة. فكان أن هداهم من ضلالة وعلّمهم من جهالة ووحّدهم بعد فُرقة وأعزّهم بعد ذلّة فأصبحوا قادة البشر بعد أن كانوا عُبّاد الحجر، ويمكننا القول أن العرب يومها كانوا في خريف زمانهم تعصف عليهم العواصف السياسية والاجتماعية والعقائدية الفاسدة من كل جانب حتى جاءهم في أوج ذلك الخريف مولد الهادي محمد ﷺ في شهر الربيع، وما أدقّ وصف الشاعر لمّا شخّص ووصف حالة خريف العرب قبل مولد الهادي محمد صلى الله عليه وسلم لما قال:

 

هو الرسول فكن في الشعر حسانا     وصغ من القلب في ذكراه ألحانا

هو النبي الذي أحيا الهدى       وكسا بالعلم والنور شعبًا كان عريان

أطلَّ فجر هداه والدجى عممُ      نام الجميع وكان الكل عميانا

هذا يصور تمثالاً ويعبده     وذاك يعبد أحبارًا وكهَّانا

فدولة الروم حوتٌ فاغرٌ فمه     يطغى على تلكُم الأسماك طغيانا

ودولة الفرس حوتٌ مثله كشرت     أنيابه للورى بغيًا وعدوانا

الليل طال ألا فجر يبدده؟    ربَّاه أرسل لنا فلكًا وربانا

هناك لاح سنا المختار مؤتلقًا     يهدي إلى الله أعجامًا وعربانا

 

وكما كان العرب يومها في خريف زمانهم فأرسل الله إليهم من حوّل خريفهم إلى ربيع بمحمد ﷺ وكان مولده في شهر ربيع الأول، إنه وكما أمة العرب والإسلام اليوم بما هي عليه من ذل وهوان وفقر وجهل وظلم وتسلط الأعداء وخيانة الزعماء، إنها بما هي عليه من استعباد أمريكا وروسيا وإسرائيل وبما هي عليه من ذل وخنوع يمارسه أتباع أبي رغال وأحفاده من حكام المسلمين اليوم ويصل الحال إلى حدّ استهداف المسجد الأقصى وتدنيسه والتخطيط لهدمه من أبرهة الاسرائيليّ بتواطؤ أبي رغال العربي والفلسطيني، فإنه لا خلاص للأمة ولا أمل بأن يتغيّر خريفها السياسي والاجتماعي إلى ربيع إلا على يد من يجددون العهد بالسير الصادق على طريق ونهج محمد ﷺ، وإنني على تفاؤل يصل إلى حد اليقين أننا على على أبواب وبين يديّ أن ينادي في الأمة حفيد محمد ﷺ، إنه الإمام محمد بن عبدالله المهدي ليلتفّ حوله أخيار الأمة وكرامها ونجباؤها يتحقق به وبهم حديث رسول الله ﷺ: “لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلمًا وعدوانًا ثم يخرج رجل من عشيرتي أو من آل بيتي يملؤها قسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا”. ومثلما أهلك الله سبحانه الفيلة ومن عليها من الطواغيت فإننا على موعد بإذن الله بقرب هلاك فيلة ودببة وضباع هذا الزمان من الغرب والشرق وعملائهم من أحفاد أبي رغال من العرب والمسلمين والفلسطينيين.

 

تعرفنا ونعرفك، تحبنا ونحبك

ليس أن حسن الاقتداء بصاحب الذكرى ﷺ هو ضمان وعزّ الدنيا، وإنما هو كذلك، بل وهو الأهم، فإنه فلاح وفوز الآخرة، وهل فوز أعظم من صحبة وشفاعة سيدنا محمد يوم القيامة؟

إن حسن الاقتداء والتأسي برسول الله في الدنيا هي وسيلة، بل هي شيفرة القلوب، بها يعرفنا ﷺ يوم القيامة وبها نعرفه، وكيف لا يكون الحال كذلك وهو الذي قال ﷺ وقد خرج يومًا لزيارة المقبرة: “السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَار قَومٍ مُؤْمِنينِ وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لاحِقُونَ، ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا” قَالُوا: “أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟” قَالَ: “أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد” قالوا: كيف تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: “أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بيْنَ ظهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بِهْمٍ، أَلا يعْرِفُ خَيْلَهُ؟” قَالُوا: بلَى يَا رسولُ اللَّهِ، قَالَ: “فَإِنَّهُمْ يأْتُونَ غُرًّا مَحجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأَنَا فرَطُهُمْ على الحوْضِ فَليُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ أَلاَ هَلُمَّ أَلاَ هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا”.‏

إنه الحبيب محمد ﷺ يحبّنا فيتمنى أن يلقانا فيعرفنا من أثر الوضوء والسجود على وجوهنا ونعرفه وهو ينادينا “ألا هلمّ ألا هلمّ”، بل إننا نعرفه وهو يبكي تحت العرش كمان ورد في الحديث الآخر يقول: “يا ربّ أمتي يا ربّ أمتي”. إنها فرصتنا في ذكرى مولد الحبيب أن نجدد العهد معه والسير على هديه ونصرة دينه لضمان أن تحقق فينا كل المواصفات لأن يعرفنا ونعرفه، لا أن نكون -لا سمح الله- من الذين يُقال عنهم إنهم قد بدّلوا بعدك، فبدل أن يقول لنا “هلمّ” فإنه سيقول لنا “سحقًا”.

 

محمديون وبكل فخر

ما أغباهم وما أسخفهم أعادؤنا والحاقدون علينا وهم يوجهون إلينا سهام حقدهم وكيدهم، ليس فقط عبر وصفنا بأننا متطرفون وأصوليون، بل إنهم -ويا لغبائهم- يصفوننا بأننا قرآنيون -نسبة إلى القرآن- ومحمديون -نسبة إلى الفرج أقرب سيدنا محمد-، حيث يعتبرون هذا النسب شتيمة ونقيصة، ونحن نعتبره شرفًا وفخرًا أن نكون من أمة القرآن ومن أمة المصطفى العدنان. كيف لا نفخر بهذا النسب الشريف وهو سبب عزنا وشرفنا كما قال الشاعر محمد إقبال رحمه الله: “إن قلب المسلم عامر بحب المصطفى ﷺ، وهو أصل شرفنا ومصدر فخرنا في هذا العالم. إن هذا السيد الذي داست أمته تاج كسرى كان ينام هو على الحصير، إنه الذي فتح أبواب الدنيا بمفتاح الدين، بأبي هو وأمي لم تلد مثله أمّ ولم تنجب مثله الإنسانية. لماذا لا أحبه ولا أحن إليه وأنا إنسان، وقد بكى لفراقه الجذع وحنّت إليه سارية المسجد؟ إن تربة المدينة أحبّ إلي من العالم كله، أنعِم بمدينة فيها الحبيب”

وكيف لا نفخر بالمصطفى وقد قال فيه الشاعر:

ومما زادني شرفًا وتيهًا     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي    وأن صيّرت أحمد لي نبيًا

وكيف لا نفخر بنبينا وهو الذي قال عنه ربه في الحديث القدسي: “وعزتي وجلالي لو استفتح الناس عليّ كل باب، ولو سلكوا إليّ كل سبيل، ما دخلوا جنتي حتى يأتوا خلفك يا محمد”.

 

لن نخزيك في مسراك يا رسول الله

إذا كان الله جل جلاله يقول يوم القيامة لرسوله ﷺ وهو ينادي: “أمتي أمتي”، فإنه سبحانه يقول له: “إنا لن نخزيك في أمتك يا رسول الله”.

فإننا نحن أبناء أمة الاسلام اليوم عمومًا وأبناء الشعب الفلسطيني خصوصًا من أكرمنا الله بأن نعيش في رحاب الأرض المباركة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فإننا لن نخزيك في مسراك يا رسول الله، وسنظل السدنة الأوفياء، إليه نشد الرحال، نؤنس وحشته وننسيه وحدته، نواسيه بأن ليل الاحتلال الإسرائيلي البهيم إلى زوال قريب إن شاء الله تعالى.

إنه العهد منا والقسم يا صاحب الذكرى العطرة أن نظل على عهدنا بمسراك مهما اشتد الخطب ومهما كان الأذى والبلاء الذي ينزل بنا، فوحق الذي أسرى بك ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أننا أهل وجيران وأحباب المسجد الاقصى سنظل على العهد حتى نلقاك على الحوض.

 

أغلى هدية لأغلى حبيب

اعتاد بعض الناس أن يهدي بعضهم بعضًا هدايا في ذكرى مولدهم في إشارة رمزية إلى مشاعر الحب والمودة اتجاه بعضهم البعض، فبين أن تكون باقة ورد أو زجاجة عطر أو علبة حلوى أو غيرها. أما أنت أيها الحبيب ويا أغلى من كل حبيب في ذكرى مولدك الشريف فإننا أحبابك من أبناء الشعب الفلسطيني الصابر المرابط على أرض مسراك، فإن هديتنا إليك هي بشارتنا لك أن أكثر اسم يحمله مواليدنا في كل عام -وهذا يتكرر منذ سنوات- فإنه اسمك “محمد”، ولتعلم فداك أبي وأمي ونفسي أن أسماء المواليد الذين تسموا باسمك قد فاق كل الأسماء عربًا ويهودًا. ورغم أننا نحن أبناء الداخل الفلسطيني نساوي ما يقرب 20 بالمئة من مجمل السكان عربًا ويهودًا، إلا أن تقرير دائرة الاحصاء الرسمية الاسرائيلية للعام 2020 قد أشار إلى أن عدد من تسمّوا بإسم محمد كانوا 2598 مولودًا، بينما كان الاسم الأكثر شهرة بين المواليد اليهود فإنه “دافيد” أو داهود وقد حمله 1488 مولود، فكيف لو أضفنا إلى اسم محمد من تسمّوا باسم أحمد وهو في الترتيب الثاني بين المواليد بين المسلمين -بعد محمد- ويليه يوسف وآدم وعمر وعلي. إننا نتسامى بتسمية أبنائنا باسمك حبّا وشوقًا لك يا رسول الله، آملين أن يسيروا على نهجك ويهتدوا بهديك كما قال أحمد شوقي في بيتيّ شعره اللذين أوصى أن يكتبا على قبره:

يا أحمد الخير لي جاهٌ بتسميتي    وكيف لا يتسامى بالرسول سَمي

إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ    في الله يجعلني في خير معتصم

إنهم أبناؤنا أغلى ما نملك، نسميهم باسم أغلى من نحب، لتكون هذه هدايانا اليك في ذكرى مولدك صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك الطيبين الطاهرين. إن أطفالنا وأبناءنا هؤلاء ستسمع عنهم ما يسرك، وهم الذين تمنيت لقياهم من الذين آمنوا بك ولم يروك، إنهم الذي سيظلون على العهد وحسن الاقتداء. وإذا كان الله سبحانه لن يخزيك في أمتك، فإن أبناءنا لن يخزوك في قبلتك الأولى ومسراك، على أمل أن يرِدوا حوضك ويسقوا من يدك شربة لا يظمأوا بعدها أبدا.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى