أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

رسالة إلى أخي…

منى طباجة- مربية ومدربة (جمعية سند لصلاح الأسرة وبناء المجتمع)

متى نكون على موعد جديد؟ نلتقي ونتصافح وتعطيني قبلة سريعة وتحتضنني في عينيك، في كل زيارة إلى بيت أمي وأحيانا تجلس لنستعيد بعض الذكريات، أتذكر حين عدت في أحد الأيام من المدرسة؟ وعلى محياك الحزن وفي حركاتك الغضب؟ وكان أبي رحمه الله قد عاد لتوه من عمله سيرا على الأقدام، لأن محطة الباص كانت بعيدة عن بيتنا، فكان ينزل فيها ويكمل طريق العودة إلى البيت مترجلا.

وكنّا في أحد أيام الصيف الحارة، حين دخل أبي يمسح قطرات العرق عن وجنتيه المتعبتين ويلتقط أنفاسه بصعوبة وجهد، وأمي تقف لترحب به وابتسامة عريضة على وجهها، ويدخل أبي ليتوضأ ليلحق صلاة الظهر قبل أن تفوته. ويلحظ عصبيتك ولكنه يكمل الصلاة ويجلس ليتناول الغذاء الذي أعدته أمي بصمت، وأنت تشكو له وتقول إن أصدقاءك يأتون إلى المدرسة كل بسيارة والده وأنت تأتي إلى المدرسة سيرا على الأقدام! وووو..

وينهي أبي رحمه الله طعامه وقد كان زاهدا في الأكل ويقوم ليأخذ له قيلولة ولا يعلق على تذمراتك وشكواك، بل ينظر إليك بصمت. وينهض بعد قليل من نومه ويدعوك لتجلس معه، فشكواك لم يتجاهلها كما ظننت! وكنت أنت على ذات الحال! فيقول لك: اسمع يا بني لقد سمعت شكواك وأنت تظن نفسك أكثر الناس حزنا لأنك لا تملك ثيابا جديدة ولا مالا تصرفه على أصدقائك، ولا سيارة تقودها، ولكني سأخبرك بأمر عظيم: سأخبرك بالأشياء العظيمة التي تملكها، ليس سيارات ولا أموالا ولا عقارات ولا ذهبا، بل تملك شيئا آخر هو كل ما أملكه في هذه الحياة، تركت لك ولإخوتك التربية والأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة والسمعة الطيبة، فإن شئت قبلته وإن لم تشأ فأنت حر! ونعم الإرث الذي تركته لنا يا أبي!

وتمرّ الأيام ونتزوج وكل يذهب إلى بيته، ويرحل أبي ورحلنا من قبل رحيله عن بعض! اليوم سأصرخ بك وأعاتبك وأضرب صدرك وأتحدى صمتي وأقول: عندما تعصف بنا الخطوب فلا يهمني من بجانبي إن لم تكن أنت موجودا! عُد بي إلى ربوعنا وتلالنا، دعنا نعيد تصور حماقتنا وهفواتنا! وأن نكسر ونربط ونفصل ما نشاء، تعال إلى بيتي لتزورني وأبنائي، أجبر بخاطري ولو مرة في العام بزيارة تطيب بها خاطري، كفانا بعدا. دعني أشاركك لحظات حياتك بفرحها وحزنها، لا أن نلتقي كالغرباء في المناسبات فقط. نلتقي بسرعة ونسير كل إلى دربه ومشاغله وحياته وكأننا لا نعني لبعضنا أي شيء. أنا رحمك يا أخي والله أمرنا بصلة الرحم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى