أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

أيلول الأحمر وتشرين الأزهر

ساهر غزاوي

يعجُّ شهر أيلول/ سبتمبر بالأحداث الدموية والمفصلية بين مرحلة وأخرى، إن كان ذلك على الصعيد العالمي أو على صعيد مسيرة التاريخ الفلسطيني المعاصر والحديث على المستوى السياسي والجماهيري الشعبي. شهر أيلول الذي بات يعرف بـ “أيلول الأسود” نسبة لأحداث اندلعت فيه عام 1970 بين القوات المسلحة الأردنية ومسلحين فلسطينيين في الأردن، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى، وتواصل الصراع حتى يوليو/تموز عام 1971. غير أن هذا السواد الذي يُنسب لشهر أيلول لهذا الحدث الدامي ولغيره من الأحداث التي تسببت بجروح أدمت وجدان العرب والمسلمين على مجازر ارتكبت بحق إخوانهم الفلسطينيين، هذا السواد في حقيقته هو لون أحمر قاني، هو لون الدماء من شدة حُمرتها التي صارت تبدو وكأنها سوداء.

نستطيع أن نُطلق على شهر أيلول بـ “أيلول الأحمر” من كثرة الدماء الزكية الفلسطينية الحمراء القانية التي أهرقت في هذا الشهر ضمن قائمة طويلة، هي أكثر من أن تحصى في هذه المقالة القصيرة، من سلسة أحداث دموية في مسيرة شعبنا الفلسطيني في هبّاته وانتفاضاته دفاعًا عن الأرض والمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك. نعم هي الدماء الحمراء القانية التي سالت في ساحات المسجد الأقصى وفي شوارع وأزقة مدينة القدس المحتلة وفي ساحات وميادين المدن والبلدات الفلسطينية في غزة والضفة والداخل الفلسطيني على مدار عقود طويلة خلال أيام وساعات شهر أيلول.

“أيلول الأحمر”، إن كان هذا شهر يعجُّ بصفحات دامية تُضفي عليه اللون الأحمر القاني، فإن تشرين الأول/أكتوبر هو “تشرين الأزهَرُ”، (الأزهَرُ: كلّ لون أبيضَ صَافٍ مشرق مضيء) لما يحمله من صفحات زاهرة ومضيئة مشرقة في مسيرة شعبنا الفلسطيني في دفاعه عن الأرض والمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، ولإحداثه نشاطات وفعاليات نظرية وعملية كان لها الأثر الكبير في رفع الوعي تجاه قضية القدس والمسجد الأقصى وتجاه حاضرنا ومستقبلنا على هذه الأرض.

وإن كان شهر أيلول الأحمر يوم الخامس والعشرين من العام 1996 عندما اندلعت الهبّة الشعبية الفلسطينية التي أُطلق عليها “هبّة النفق” احتجاجًا على حفر وافتتاح سلطات الاحتلال للنفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس. وبلغ عدد الشهداء الذين ارتقوا في هذه الهبّة التي استمرت لثلاثة أيام، 63 شهيدًا، وأصيب نحو 1600 آخرين بجراح متفاوتة في عموم الأراضي الفلسطينية. فإن شهر تشرين الأول من العام نفسه كان زاهرًا ومشرقًا وصفحاته مضيئة يوم أطلقت الحركة الإسلامية مهرجان “الأقصى في خطر” في نسخته الأولى في 11/10/1996 واستمر لعقدين متتاليين في استاد السلام في مدينة أم الفحم. هذا المهرجان الذي كان بمثابة النداء المبكر والمدرك لحقيقة واقع القدس والأقصى تحت الاحتلال الإسرائيلي، واستنهاضًا جامعًا ناجحًا ويقوي العزائم، ويشحذ الهمم، وتظاهرة سنوية تدق ناقوس الخطر تدعو لحماية المسجد الأقصى في ظل ما يتهدده من مخاطر سياسة التهويد والحفريات أو المؤامرات التي تعدها وتنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي وجماعات استيطانية تسعى لهدم الأقصى وإقامة ما يسمى “الهيكل”.

كذلك الأمر، وإن كان شهر أيلول الأحمر القاني يوم الثامن والعشرين من العام 2000 يوم دنس شارون المسجد الأقصى بحراسة عسكرية مشددة وتجول في ساحاته وأعلن أن المسجد منطقة إسرائيلية، وهو ما أثار استفزاز الفلسطينيين الذين ردّوا خلال هذا الاقتحام وهاجموه، ليرتقي على إثر المحاولة 7 شهداء ويصاب 250 بجروح فضلًا عن إصابات في صفوف قوات الاحتلال. فإن شهر تشرين الأول من العام نفسه كان زاهرًا ومشرقًا وصفحاته مضيئة يوم انطلقت في 1/10/2000 الشرارات الأولى لانتفاضة الأقصى التي شملت في أيامها الأولى كافة أرجاء الوطن من البحر إلى النهر وأسفرت عن استشهاد 4412 فلسطينيًا وإصابة 48322 آخرين، وقدّم الداخل الفلسطيني 13 شهيدًا ومئات الجرحى والمعتقلين. هذه الانتفاضة التي بدأت كاحتجاجات شعبية، وصفها رئيس لجنة “أور”، القاضي ثيودور في تقريره، بأنها “زلزال ضرب البلاد كلها” دفاعًا عن القدس والأقصى.

خلاصة القول، فإن قائمة “أيلول الأحمر” تطول وتعجُّ فيها الأحداث الدموية، تمامًا مثلما أن قائمة “تشرين الأزهر” تعجُّ أيضًا بصفحات زاهرة ومضيئة مشرقة في مسيرة شعبنا الفلسطيني في دفاعه القدس والمسجد الأقصى. وبالرغم من أن شهر أيلول المنصرم كان الأكثر انتهاكًا واستباحة للمسجد الأقصى وتم تحويله إلى “ثكنة عسكرية” طوال الشهر لتأمين اقتحامات المستوطنين الذي أدوا طقوسًا تلمودية في باحاته على مسمع ومرأى من الجميع (بحجة الأعياد اليهودية)، لا بل حتى وصلت هذه الانتهاكات إلى إقدام مستوطن على رفع علم الكيان الإسرائيلي في باحات المسجد، وقد وثق ذلك بالصوت والصورة، فإننا على يقين أن شهر تشرين الأول ستكون صفحاته مضيئة ومشرقة وأيامه زاهرة ومزهرة لما يحمله من أحداث مفصلية متوقعة لأن المسجد الأقصى دخل مرحلةً مفصلية من تصفية هويته بِفرض الطقوس التوراتية فيه وهذا ما لا يرضى فيه الفلسطينيون أصحاب الهبّات الخمس المباركة التي ألجمت المحتل حدَّه في كل مرة وقادرة على أن تلجمه حدّه هذه المرة وكل مرة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى