أخبار عاجلةمقالاتومضات

يا صاحب الضوء

أسماء كريم

يتقلد كل داعٍ إلى الله مهمة الدلالة لخلق الله على طريق الهداية، وتنوير السبيل المدلهم بالعتمات بنور القرآن وسنا السنة الشريفة وضياء اجتهادات أهل العلم وسلسبيل علومهم وأفهامهم، ولذلك ينظر الناس إلى الدعاة إلى الله بأنهم قوم ربانيون باذلون للخير، أيديهم بالعطاء ممتدة وألسنتهم بالصدق والهدى والرشاد متوددة، فيا أصحاب الضوء هل أنتم على قدر المهمة المتوقدة أم خفت نوركم وانطفأت شمعتكم وتلاشت همتكم؟

لفت نظري مشهد يهز أوتار القلوب ويهدم سدود المدامع القاحلة، حين تشهد أقوام تتلظى في حناياهم مشاعر الحساب والعقاب والمسؤولية أمام الله، ومسؤولية انقاذ أرواح الأطفال الأبرياء، لتتعالى هذه المشاعر على الوظيفة المهنية، والصحافة التلفزيونية، والبث المباشر، إنهما صحفي ومصور في أرض الشام، الصحفي الذي تنصل من كتابة مقال إخباري أو بث تقرير مصور ليهب هبوب ريح السحر الحانية المحملة بالروحانية والصدق والنسمات الصادقة، حينما يرى هذا الصحفي الشجاع الأطفال يستصرخون الضمائر المتكدسة على وسائد الموت وموائد القصور وأرائك الراحة، أطفال وسط انفجار ودخان ونار، لا يحجبهم عن النجاة إلا يد حانية وقلب رقيق وهبة ملهوف ينتفض على سطو الحيتان على صغار السمك، فتراه يعدو باكيا صارخا منقذا، يعارك الدخان والنار وينتشل طفلين بين ذراعيه وحينما يعزم على الخروج من لهيب الحريق تطرف عينه لطفل ثالث ماد ذراعه يرجو السلامة، فيحمله. نعم يحمل الطفل الثالث بجوانح روح باكية مخلصة ويخرج بهم ثلاثتهم معًا إلى بر الأمان، ثم ما هي الى ثوان معدودات فإذ بالمصور ينتفض هو أيضا بين أعمدة الدخان وآلة التصوير على كتفه، فينقذ طفلين آخرين. ولعلك تدرك ما ستلتقطه عدسة الكاميرا في مشهد كهذا، لن تشهد له عدسته… لكن الله يشهد.

أيها الدعاة، يا أصحاب الضوء، يا من قعدت بكم الأيام وبتم من أصحاب العقول المستريحة والهمم النائمة، ألم يحرك فيكم ذلك المشهد ساكنًا؟ ألم يحن وقت اليقظة فقد طال السبات، ألم تتحرق جوارحكم وجوانحكم للعمل وإنقاذ أنفسكم وأهليكم وجيرانكم وأبناء مجتمعكم من نار السعير؟ فمن لهم إن تقاعستم عن أداء واجبكم وثبطت عزيمتكم وشلت منكم القوى؟!

هل تنتظرون قائدًا يحرككم؟ فنعم القائد القرآن فيه سيرة من قبلكم من أصحاب الرسالات ودعاة الإسلام ورجل من أقصى المدينة يسعى ينادي قومه: “يا قوم اتبعوا المرسلين” يدعوهم ويبكي عليهم ويرجوهم ويرجو نجاتهم، ما خدعته الأماني ولا خاف المنون، ولا غرّته الغواني ولا أقعده العجز والبنون، بل هو نداء الواجب وصراخ النذير العريان.

أيتها الداعيات الفاضلات، ألم تحرككن همة أسماء الصديق في حملها جنينا بين حشاياها، تخطو وعورة الجبال ووخز الأشواك لتحمي ما تبقى من بنيان الإسلام؟ ألم تنهضكن همة خديجة تسقي محمدًا عليه الصلاة والسلام شراب الأمان والاطمئنان وتدثره بغطاء العزيمة والإقدام؟ ألم تحيي أم حرام بنت ملحان فيكن شجاعة لتذبن عن حمى الإسلام كما وقفت هي درعًا يتلقى سهامًا كانت مصوبة لأذية النبي صلى الله عليه وسلم؟ اقرأن سيرة الداعيات من لدن آدم ومن منبع النبوة، ومن تاريخ الإسلام قديمًا وحديثًا وانظرن هل تعثرت إحداهن بحجج واهيات كمثل أعذارنا الواهية، وفلسفتنا الفارغة (سد الذرائع على المخاطر وقفل الأبواب على المفاتن).

أنتم أنتم أيها الدعاة، وأنت أنت أيتها الداعية، من ترتجي منكم الخلائق عبرة تحي قلبًا، وهديا ينقذ ضالًا وضوءً ينور طريق من سدر في الظلمات غيًا. أنتم من خولكم الله دون غيركم هذه المسؤولية، فماذا أنتم لله قائلون يوم يسألكم ماذا عملتم فيما علمتم؟ أشعلوا في قلوبكم منارة المودودي التي أطلقها مدوية عبر السنين وسماها: “(حماسة القلب وتعلقه بالغاية). إن من الواجب أن تكون في قلوبكم نار متقدة تكون في ضرامها على الأقل مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابنًا له مريضًا ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب أو عندما لا يجد في بيته شيئًا يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه وتضطره إلى بذل الجهد والسعي. ينبغي أن تكون في صدوركم عاطفة صادقة تشغلكم في كل حين من أحايينكم في سبيل غايتكم. (من كتاب عجز الثقات لمحمد موسى الشريف)”. فيا صاحب الضوء، أشعل فتيلك وأر الله من نفسك قوة، وعزمًا، وصدقًا، والله يتولاك ويرعاك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى