أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حميدان ليس وحده في الميدان

ساهر غزاوي

تصريحات ومواقف النائب عن القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي وليد طه التي قال فيها: “إن تصريحات رئيس الوزراء نفتالي بينيت عن احتمالية شن حرب على قطاع غزة، لن تنهي الائتلاف”، هي ليست الأولى التي تثير الجدل وتضج بها وسائل الإعلام المحلية ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي والتي فجّرت حالة من الغضب العارم لدى أوساط عدة على الصعيد الفلسطيني في الداخل، فضلا عن الغضب والاستنكار الشديد على الصعيد الفلسطيني في الضفة وغزة كما جاء في بيانات حركات المقاومة الإسلامية على وجه الخصوص. فسقطات القائمة الموحدة الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية والمشاركة في ائتلاف حكومي صهيوني بقيادة زعيم الحزب اليميني الديني المتشدد، نفتالي بينيت، هذه السقطات “اللاوطنية”، أصبحت نهجًا عمليًا وعلنيًا من فوق الطاولة وما غير ذلك صار يعتبر شاذاً عن القاعدة.

بيدَ أن أكثر ما يثير الانتباه بعد كل موجة غاضبة من الانتقادات الساخطة على سلوك ونهج وتصريحات ومواقف القائمة الموحدة، هي حالة الاستنفار في صفوف الحركة الجنوبية التي تنبثق عنها القائمة الموحدة، من قمة الهرم إلى أسفله، وانتشار مجموعات التبرير والتفسير لحقيقة هذه التصريحات التي دائمًا وأبدًا تُحرف عن مسارها الصحيح وتخرج من سياقها وتجتزأ كلماتها وجُمَلِها من قبل “حاقدون” و “مناكفون” لا همّ لهم إلا تصيد الأخطاء والوقوف عند العثرات، كما يزعمون. لا وأيضا يقولون إنهم يتجاهلون عمدًا المشاريع والأعمال الخيرية العملاقة التي لا يقوم بها في ميادين الداخل الفلسطيني والضفة والقطاع والخارج إلا هم وحدهم فقط!! حتى وصل بهم الحال أن يمنّوا على غزة بسبب انتقاد حركاتها المقاومة لتصريح وليد طه كما جاء في مقال لأحد قياداتهم الذي قال فيه: “هذا التصريح غير الموفق ليس تزييفًا فقط لما قال النائب وليد طه، لكنه تطاول على نائب يمثل القائمة العربية الموحدة الذراع السياسية للحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني التي سخّرت حياتها كلها في خدمة فلسطين وطنًا وشعبًا ومقدسات عمومًا، وقطاع غزة خصوصًا من خلال مشاريعها الاغاثية التي لا تتوقف على مدار العام”.

حقيقة أسأل: ما العلاقة بين هذه وتلك؟ وهل هذه الانتقادات الحادّة لوليد طه ومن قبله ومن بعده على المواقف والتصريحات التي تمثل سقوطًا وطنيًا وقيميًا وانسلاخًا عن الهوية الفلسطينية والعربية؟ أم على التقصير في الأعمال الخيرية والمشاريع الإنسانية حتى تقوموا بالمنّ عليهم؟ وإن كانت هذه الحركة تقدم خدمات ومساعدات إغاثية لغزة فهل هذا يعطيها الحق أن تمنع غزة أن تستنكر وتشجب من يصرّح علنًا أنه سيبقى شريكًا في ائتلاف الحكومة الإسرائيلية، حتى لو شنّت حربًا دموية عليها؟! غير أن هذا الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقائمة المشاريع الخيرية والإغاثية وحافلات شدّ الرّحال إلى المسجد الأقصى وتقديم منح للطلاب وغيرها، جاهزة ليُشهرها قيادات وجمهور “الموحدة” في وجه كل من ينتقد ويرفض مواقفهم وتصريحاتهم وسلوكياتهم السياسية. وكأن هذه الأعمال والمشاريع وغيرها باتت تنحصر عليهم فقط، حتى بات يتكرر على أسماعنا من يقول: “ما نقوم به لا يقوم به أحد غيرنا ولا تزايدوا علينا”.

لا يخفى على أحد أن هذه الحركة تعاظم اسمها إعلاميًا على المستوى المحلي فقط بعد حظر الحركة الإسلامية في تشرين الثاني من العام 2015، وباتت تُسوق نفسها على أنها الراعية الوحيدة للأعمال الخيرية والإغاثية ومشاريع شد الرحال إلى الأقصى في الداخل الفلسطيني، مستغلة بذلك الاسم والغطاء التنظيمي. لكن السؤال: ما هي الأعمال والمشاريع التي تقوم بها وحدها دون غيرها حتى تخاطب منتقديها بهذا الخطاب والأسلوب؟ أم أن هذه الأعمال لا تشكّل إلا الجزء اليسير من الكل الكبير؟

إذا أردنا أن نتحدث على صعيد الأعمال الإغاثية في الضفة وغزة وفي مخيمات اللجوء في سوريا وتركيا فهي ليست الوحيدة، فهناك أجسام أخرى فاعلة وناشطة وتقوم بهذا الواجب الإنساني وزيادة. على صعيد تسيير حافلات شد الرحال إلى المسجد الأقصى، هي (الحركة الجنوبية) ليست وحدها في هذا الميدان، بل هناك حافلات يومية تُسيّر من جميع البلدات العربية في الداخل الفلسطيني وما نصيب حافلاتهم إلا القليل من الكل الكبير. ولنزيدكم من الشعر بيتا، فإنه في اليوم الذي احتجاهم المسجد الأقصى للنفير والاعتكاف (28 رمضان)، لم يكلفوا خاطرهم بدعوة الناس لشد الرحال والاعتكاف والرباط في الأقصى، بل إن قياداتهم تواروا عن الأنظار ولم يظهر منهم في الساحة إلا البعض القليل من الشباب المخلص في حبه للأقصى، هذا عدا عن بياناتهم التي تصدر على استحياء ولا تُحمل الاحتلال المسؤولية!! في المقابل هناك غيرهم من دعا ولبى النداء واعتكف ورابط ووقف مع الأقصى في محنته في ذاك اليوم العصيب.

على صعيد تقديم منح مالية لدعم طلاب الجامعات، فهذا العمل لا يقتصر عليهم وحدهم فقط، مع أن صندوقهم أنشئ حديثا ولم يمرّ عليه عام واحد ووزع على نحو 500 طالب جامعي منحًا مالية. وما هذا الصندوق إلا القليل من الكل الكبير. وإذا أردنا أن نتحدث فقط عن صندوق التعليم العالي القُطري على اسم المرحومين أحمد شريم ومريم سليمان في أم الفحم، فهو وحده يوزّع سنويا، منذ أكثر من 15 عامًا مئات المنح الدراسية على الطلاب الجامعيين، هذا عدا عن الجمعيات ولجان الزكاة المحلية في كل بلد وبلد ولجان الطلاب والمبادرات الفردية هنا وهناك.

على صعيد الأعمال التطوعية في المقابر والمقدسات الإسلامية، فمن منّا لا يعلم أن هناك معسكرات ضخمة تنفذ في السنة مرتين على الأقل في المقابر والمقدسات والقرى المهجرة وإلى جانبها مبادرات مجموعات شبابية هنا وهناك، لذلك لا تستطيع هذه الحركة أن تسوّق نفسها الراعية الوحيدة للحفاظ على المقدسات وهي ليست وحدها في هذا الميدان إنما هي جزء قليل من الكل الكبير.

ختامًا، لا أقلل أبدًا من جهود هذه الأعمال والمشاريع وغيرها التي تدعم وتمكن المجتمع وتنصر القضايا والمقدسات، بل هو ميدان للتنافس والخير، محمود ومطلوب، أما أن تُستغل هذه الأعمال كمسار للهروب من مواجهة الانتقادات والتغطية على السقطات والانزلاقات التي ما عاد أحد يتحملها من جهة، ومن جهة أخرى لتسويق هذه الأعمال وكأنها فريدة من نوعها ولا يقوم بها أحد دونهم وهم الوحيدون في الميدان، فهذا مذموم ومرفوض ومغاير للحقيقة والواقع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى