أخبار عاجلةمقالاتومضات

حين يجف مداد الأقلام

أسماء علي كريم

تستعصي الأقلام على حامليها أحيانًا ويتوقف مداد عطائها عن الانسياب مع فكر الراغبين بالكتابة، وكأنما تتظاهر بنفاد المداد أو تعقّ صاحبها فتعاند شهوته لنسج مقال أو تأليف حكاية، عندها يحار الفكر ويخرس اللسان، وتشل الأنامل عن حمل القلم وعن حياكة السطور.

عندما تفتر منك العزائم وتهدأ منك الخواطر وتنام الفكرة، وتظنّ أن لا سبيل بعد اليوم لتسويد الصفحات وبذر براعم الأسرار، وانطلاق مكامن القلوب والعقول، فاعلم أن بعد الفترة لا بد من شرّة، وبعد انطفاء السراج لا بد من زيت جديد يوقد فتيل عزمك، فلا يتسربنَّ إليك اليأس ولا ينفدنَّ صبرك، فوراء كل مضيقٍ فسحة من الفرج جميلة، وكوةٌ من اليسر قريبة، ينساب معها نسيمٌ عليل، يفتح مغاليق الروح، ويوقد سراج الأفكار وينشر في المدى أزهى الأنوار.

إن تسلحك بالإيجابية وتنحية السوداوية، أمرٌ جميل، وأجمل منه، أن تكون على يقين أن العمل الدؤوب، والروح الصافية وادخار النوايا الفاعلة للخير الساعية في صنع المعروف، وإسداء الجميل، هو الذي سيطلق عنان روحك من جديد…إن تهيئة النفس وتسليحها بعتاد من العطاء، ويدٍ من السخاء، ورفق بالضعفاء هو هو الذي سيجدد لك الحياة، ويظهر لك الجمال في الكون والفضاء والإنسان، سترى كل شيء بعينٍ أخرى، وسيتربع الصفاء على قلبك والسكينة ستقعد في أريكة روحك، وسيزورك طيف جديد من مداد الأقلام، وتزدحم عليك الأفكار فلا تدري من أين تبدأ ولا كيف تختم!

لن يفارقك السرور حين تقنع أن صنعة الكتابة هي منحة ربانية، تأتي برهة بعد فتور وكسل وانقطاع، ومهما أبديت مواهبك وتفلسفت منك القدرات العقلية، وتضخمت في ذاتك الألقاب العلمية، لا لن تفلح كلها في إعانتك على كتابة سطر واحد، ما لم تركن إلى ركن شديد، وتلوذ بالحكيم الحميد، وتحسن الظن بمدد المعيّة الربانية، فيأتيك التوفيق على أطباق من نور تنشر في حياتك الهدوء والحمد والسرور. فلتكفر الآن بكل قوة ولتزدري كل نبوغ ينسيك الخلاق العليم، الذي يجبر كسر الأقلام ويجري فُلك الخواطر والأفكار، فتصطنع اللفتات الجميلة على عينه، وتتربى فسائل الأدب واللغة برعايته، وتنمو براعم الأزهار فتصنع سطوراً من النور. وما مداد العلماء الصادقين الباقي بعدهم وقد رحلوا منذ دهور، وعمروا بيوت القبور، ومدادهم حيٌ بعدهم، فليس عنك هذا الأمر ببعيد ولا هو بغريب!

نظرت إلى الأقلام التي نفد مدادها في سراديب الأيام، فتذكرت أن هناك مداداً لا يفتر عزمه عن الكتابة، حيٌ فاعلٌ ما دمت حيّاً ترزق، لا يفارقك وما هو عنك بمرتحل ما دمت تتحرك في دروب الحياة، إنه مداد الكرام الكاتبين الذين يعلمون ما تفعلون، فهل نفاد مداد قلمك، أو تجديده يبعث فيك الذكرى- إن نسيت- أن معك من يكتب أقوالك وأفعالك ويحصي عليك أعمالك، في كل برهة من الزمن، لا يفتر عزمهم وإن فترت ولا تغمض عينهم غفلة أو سهواً أو نسياناً وإن أخلدت للنوم أو سهوت، هلا أيقظك هذا المداد الكريم من نوم سعيك إلى الجنان وفتور عزمك عن الوقوف بين يدي العظيم المنان، هلا أسكت منك الغيبة والبهتان، وأسدل ستائر الإثم والعصيان منك، وانشر عبير الذكر والعزم لطاعة الرحمن؟

فكرّ بالكرام الكاتبين، سيتغير منوال سيرك في الحياة وسترتقي إلى عالم من الطُهر ومصنع من الشكر، ومعمل من البِّر، والله اسأل أن يصنعك على عينه ويربي فيك الصدق ولا يجف فيك مداد الإخلاص والإحسان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى