أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

“طالبان”.. نسخة مُستحدثة أم عهد قديم؟

ساهر غزاوي

استلام حركة طالبان الإسلامية لمقاليد الحكم مجددًا في أفغانستان بعد ما يقرب من 20 عامًا على الإطاحة بها من قبل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تزامن مع تلاشي القوات الحكومية وتزامن مع انسحاب آخر ما تبقى من القوات الأميركية وقوات “حلف الناتو” من البلاد، أثار حفيظة تيارات علمانية، إن كان ذلك على صعيدنا المحلي أو على صعيد عالمنا العربي والإسلامي، لا سيّما التيارات الشيوعية الماركسية التي لم تخفِ أبدًا انزعاجها وقلقها مما آلت إليه الأمور في أفغانستان. لذلك رأينا كيف سارع الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة بتعميم بيان حمل عنوان “مع الشعب الأفغاني ضد الاحتلال الأمريكي وضد ظلامية طالبان” أبدى فيه تخوفه من “ظلامية طالبان”، بحسب وصفه، التي “تتستر بالدين لفرض نظام ظلامي ينتهك حقوق الناس عمومًا والنساء خصوصًا، ويؤجّج الخلافات العرقية والقبلية والمذهبية في البلاد”، على حد تعبيرهم.

هذه التيارات، إلا ما ندر منها، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة ليسوا متخوفين من “ظلامية طالبان” إنما مشكلتهم الحقيقية مع الإسلام وتخوفهم من كل ما هو إسلامي يصل للحكم، لذلك رأيناهم كيف أيّدوا الانقلابات العسكرية على التجربة الإسلامية في دول عربية وإسلامية، وخاصة في مصر، ونراهم ما يزالون إلى اليوم يؤيدون أنظمة الاستبداد العربي ويُسبحون بحمدها ويدعمون قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين في سوريا وغيرها ويجدون لهذه الأنظمة المبررات إن كان المقابل قمع الإسلامي ومنع وصوله للحكم، إن كان إسلامي “ظلامي” أو “إرهابي” إلى غير ذلك، بحسب تصنيفاتهم المتحايلة على حقيقة بُغضهم للإسلام كدين وشريعة سماوية صالحة للحكم في كل زمان ومكان.

بعيدًا عمّا ذُكر وبحق، فإن عودة سيطرة حركة “طالبان” على مقاليد الحكم في أفغانستان تضع الجميع وسط ترقب لملامح المشروع السياسي لحركة طالبان الإسلامية وما سيترتب عليه من أحداث وتداعيات إقليمية وعالمية ويفتح المجال أمامنا للكثير من الأسئلة الكبيرة التي بحاجة لأجوبة واضحة ومؤكدة. منها ما يحتاج إلى أجوبة فورية ومنها ما يحتاج لوقت كافٍ والمزيد من الزمن حتى تتضح هذه الملامح التي تتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية شيئًا فشيئًا. إلا أن السؤال الأهم يبقى: هل “طالبان” عادت للحكم بنسختها القديمة أم بنسخة مُستحدثة؟

من المهم التأكيد أولًا، أنه لم ولن يحدث أي تغير ملحوظ في لب مشروع حركة “طالبان”، المتمثل في التمسك باستقلالية وإسلامية أفغانستان، فطالبان التي أعلنت عن أهدافها عام 1996 التي تتلخص في إقامة الحكومة الإسلامية وأسلمة القوانين والاقتصاد والتعليم وكافة النواحي، هي نفسها “طالبان” التي جاء في بيانها عام 2019 أن الهدف من قتال ومفاوضة أمريكا يتلخص في إنهاء الاحتلال وإقامة النظام الإسلامي في هذا البلد. وهي نفسها “طالبان” في عام 2021 التي أعلنت بعد سيطرتها الكاملة على أفغانستان أنها ستعلن “إمارة أفغانستان الإسلامية” من القصر الرئاسي في العاصمة كابُل، وقد أعلنت.

إذن، النسخة المُستحدثة لحركة طالبان تتمثل برسائل الطمأنة التي بثتها أمام وسائل الإعلام ولعلها تتلخص بما قاله المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، في أول ظهور علني له: “دولتنا إسلامية سواء قبل 20 عامًا أم الآن لكن هناك اختلافًا هائلًا بين ما نحن عليه الآن وما كنا عليه قبل 20 عامًا”. وهذا ما يدل على أن اطّلاع الحركة ازداد على الواقع السياسي الإقليمي والعالمي، وطوّرت أداءها وأدواتها في التعامل معه، والتغير الذي طرأ على سياسة الحركة كان جله في النواحي الاجتماعية والإعلامية التي كان الأصل فيها التشديد والمنع كإلزام الرجال باللحى والنساء بالنقاب وعدم خروجهن إلا بمحرم وتحريم التصوير وحظر التلفاز الخ… وأعلنت “طالبان” أنها ملتزمة بالحفاظ على حقوق المرأة في إطار الشريعة وقالت إنها ستحترم المعتقدات الدينية والقيم الروحية لجميع الأفغان.

حركة “طالبان” التي جاءت من رحم تيار الملالي، وفي عمق مناطق قبائل البشتون التي تمثل غالبية داخل الغالبية السنية (90%) (التي تضم الطاجيك والأوزبك وغيرهم)، حيث يمثل مشروعها غالبية الغالبية الثقافية والعرقية في أفغانستان، لم تقدم على إعدام أحد أو سفك دماء ودخلت المدن وحرصت على حفظ الأمن والممتلكات وبادرت إلى فتح السجون والمعتقلات، التي كانت مقابر للأحياء. ولم تشهد البلاد فوضى ولا حالات سلب ونهب ولا حالات اغتصاب مما يقع في دول أخرى إذا ما اختلت الأمور. بل إن “طالبان” سارعت للإعلان عن انتهاء العداء مع كل من وقف ضدهم في أفغانستان وأصدرت عفوًا عن كل من وقف ضدهم وقالت إنها لا تريد تصفية الحسابات مع أي أحد في أفغانستان. كما وتعهدت لجميع دول العالم بأنها لن تكون مصدر تهديد من أفغانستان لأي دولة. وهذا يبشر بعهد جديد لحركة طالبان التي عادت بنسخة مُستحدثة.

خلاصة القول، إن كان لحركة “طالبان” بعض أخطاء سابقة في التعامل مع مكونات الشعب الأفغاني، لكن الذي يظهر في نسختها المُستحدثة أنها تغيرت وأظهرت مرونة واسعة وانفتاحًا على جيرانها وعلى المجتمع الدولي والعالم. لذلك لن ترفض “طالبان” تركيا التي مدّت يدها لدعم الاستقرار والسلام في أفغانستان وتنميتها الاقتصادية، ولن ترفض دعوة الشيخ أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى بناء مؤسسات حديثة صلبة تقوم على تمثيل الشعب الأفغاني دون إقصاء أو استثناء في ظل الشريعة الإسلامية، والذي أبدى أيضا (الريسوني) استعداد الاتحاد للتعاون مع العهد الجديد لاستقبال علماء أفغانستان وإلى الذهاب إليهم والتحاور معهم حول قضايا الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية بأفضل ما يمكن.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى