مقالات

معركة الثوابت (19)…. ثوابتنا بين الإنتصار لها وبها أو الدمار

الشيخ رائد صلاح

إنتصارا لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ومتابعة لما كتبته في الحلقات السابقة أواصل وأقول: سلفا سأورد هذه القصة التي تُروى على لسان الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه، وأنا لست مقتنعا بحقيقة نسبتها إليه والمسألة تحتاج الى تحقيق علمي راشد ، ومع ذلك أورد هذه القصة لأهمية المدلول الذي تحمله ولقوة انطباقها على الواقع الإسلامي العربي الفلسطيني المعاصر ، ونص هذه القصة هو أنه روي عن أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه أنه قال إنما مثلي ومثل عثمان رضي الله عنه كمثل ثلاثة أثوار، كانت في أجمة (الشجر الكثيف الملتف والجمع أجم وآجام): أبيض ، وأسود وأحمر، ومعها فيها أسد ، فكان لا يقدر منها على شيء لاجتماعها عليه ، فقال الأسد للثور الأسود والأحمر : إنه لا يدل علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله خلت لكما الأجمة وصفت، فقالا: دونك وإياه فكله، فأكله ومضت مدة على ذلك، ثم إن الأسد قال للثور الأحمر: لوني على لونك ، فدعني آكل الثور الأسود، فقال له: شأنك به، فأكله، ثم بعد أيام قال الأسد للثور الأحمر: إني آكلك لا محال ، فقال: دعني أنادي ثلاثة أصوات ، فقال : إفعل ، فنادى: إنما أكلت يوم أُكل الثور الأبيض ، قالها ثلاثا، ثم قال علي رضي الله عنه: إنما هنت يوم قتل عثمان رضي الله عنه ، ثم رفع بها صوته ، فهي قصة تؤكد بمدلولها لكل حر عاقل أن التفرق في مواجهة الباطل ، أو رضا البعض منا بالوقوف من الباطل موقف المتفرج، أو شرعنة البعض الآخر منا لنفسه التزلف من الباطل الى حد الإنبطاح ، إن كل هذه الأحوال المَرَضِيَة وما يدور في فلكها ستتيح للباطل أن يتمدد بلا مقاوم ، وأن يلتهم من وقف في وجهه أو من تفرج عليه أو من أظهر الرضا عنه ، أو من شرعن لنفسه التزلف من الباطل سواء بسواء، وعندها لن ينفع الندم، ولن ينفع أن يقول أحدنا : أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، والمطلوب هو مواجهة الباطل صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وعندها سيهزم الباطل وسيولي الدبر وهو يجر أذيال هزيمته …ولن يكون الصف صفا واحدا ثابتنا وشامخا كالبنيان المرصوص إلا إذا قام على ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية ، وكل صف لا يقوم على هذه الثوابت هو ليس صفا في حقيقة الأمر ، بل هو مجرد تجمع أفراد التقوا وعقولهم شتى وقلوبهم شتي وراياتهم شتى، فهم إلتقوا متفرقين أصلا، فهيهات أن يقوم عليهم صف واحد، وهيهات لهم أن يقفوا في وجه الباطل وهم في خطر لا ريب فيه أن يلتهمهم الباطل الواحد تلو الآخر حتى لا يبقي منهم أحدا، وهو حقيقة الواقع الإسلامي العروبي الفلسطيني المفكك الذي نعيشه، فهو واقع مجرد من الثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية ، بل إن بعض أقطاب هذا الواقع الإسلامي العروبي الفلسطيني يحارب هذه الثوابت ويجرمها ، ويحارب ويجرم كل من يتمسك بها ويدعو إلى الإلتقاء عليها ، فأنى لنا ما دمنا كذلك أن نجني من تفرقنا وحدة ، أو أن نحصد من وهننا وهواننا عزة وكرامة ، والذي يجب أن نعترف به وإن كان الإعتراف مرا، أن الكثير من الأنظمة المسلمة والعربية والكثير من حكامها والكثير من أحزابها وقادة أحزابها وقادة الرأي والإعلام فيها وقفوا من أعداء الثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية الذين ما انفكوا عن إعلان الحرب عليها كما وقف الثور الأحمر من الأسد عندما أكل الثور الأبيض ، ثم عندما أكل الثور الأسود، حتى باتوا على خطر أن يلتهمهم أعداء هذه الثوابت كما التهم الأسد في نهاية المطاف الثور الأحمر ، وواقع العقود الماضية يؤكد ذلك، فقد تجرأ على سبيل المثال رؤساء المعسكر (الصهيوني الصليبي- الوثني- الباطني) على الإسلام وعلى قيمه وشعائره وأركانه وأتباعه وظل هؤلاء الكثير منا صامتين صمت القبور ولا وزن لهم مع كثرة عددهم وعتادهم إلا كزبد البحر، حتى استباح هذه المعسكر الشرير لنفسه أن يوقع علينا آلاف المجازر، وأن يحتل أوطاننا وأن يشرد منا الملايين، وها هو هذا المعسكر الشرير يهدد بالإجهاز على هؤلاء الكثير الذين ظلوا صامتين كأن الأمر لا يعنيهم وفيهم الرؤساء والوزراء والعلماء والمفتون ومن نعتوا أنفسهم بالقاب الثوريين والتقدميين وقوى المقاومة والممانعة والمتنورين والليبراليين واليساريين ، بل إن البعض منهم مع شديد الأسف كان يصفق لدهاقنة المعسكر الشرير، ويلتمس لهم الأعذار، ويبحث لهم عن المبررات وهم يمعنون في غيهم ويواصلون إعلان حربهم على الإسلام وأهله في كل مكان وعلى سائر ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية ، فهم دهاقنة المعسكر الشرير الذين كانوا ولا يزالون يعلنون هذه الحرب والتي شهدت ما يلي : ،وفق مجمل الممارسات العدوانية التي أوقعها هؤلاء الدهاقنة على الإسلام وأهله على الصعيد الإسلامي والعربي والفلسطيني ، وعلى صعيد الجاليات الإسلامية والعربية والفلسطينية في الكثير من بلاد المهجر:
1. تجريم الإسلام ونعته بالإرهاب بعد أن أوهمونا في البداية أنهم يقصدون تجريم الحركات المتطرفة من المسلمين.
2. تجريم القرآن ونعته بالإرهاب.
3. شن هجوم متواصل لم يتوقف حتى الآن على الرسول صلى الله عليه وسلم .
4. تشريع قوانين لمنع بناء المساجد أو لمنع رفع الأذان
5. مواصلة الإعتداء على المساجد وعلى المصلين والمصليات فيها إلى جانب مواصلة إلقاء رؤوس خنازير بين الحين والآخر عليها.
6.إغلاق الكثير من المدارس الأهلية الإسلامية أو العربية.
7. إستغلال عالم السينما والأفلام لشن حرب مضللة على الإسلام وأهله وعلى العالم العربي والشعب الفلسطيني ، والنماذج على ذلك كثير ومن أشدها قبحا فلم” فتنة : الهولندي الإباحي الذي حاول الإساءة الى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
8. مواصلة ارتكاب المجازر وقتل وتشريد الملايين من الأمة المسلمة والعالم العربي حتى الآن في كثير من مواقع الوطن الإسلامي والعربي ، لدرجة أن من ارتكب بعض هذه المجازر تباهى وقال: إن قتل المسلم أو العربي كسحق النملة.
9. إستباحة اغتصاب النساء خلال ارتكاب هذه المجازر وهو أمر موثق لا يمكن الطعن فيه ، ولكن المجرم المغتصب ما زال طليقا .
10. خطف عدد لا يحصى من المسلمين والعرب والزج بهم في سجون سرية والتكتم على مصيرهم حتى هذه اللحظات.
11. التهديد أكثر من مرة بقصف مكة المكرمة والمدينة المنورة.
12. تشريع قانون منع النقاب أو الحجاب ، وطرد الكثير من العاملات أو الطالبات من مواقع عملهن أو تعليمهن بسبب ارتداء كل واحدة منهن النقاب أو الحجاب.
13. تحقير مشاعر المسلمين والعرب لدرجة أن البعض استباح رسم الرسومات المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدرجة أن بعض جيوش هذا المعسكر الشرير تدربت على كيفية تدمير المساجد أو على كيفية قتل المسلم أو العربي أو الفلسطيني.
14. إعلان حرب لم تتوقف حتى الآن على الأسرة وعلى القيم الإسلامية العروبية الفلسطينية ، والسعي المحموم الى تفكيك بناء الأسرة المسلمة العربية الفلسطينية ، ودفعها لخلع قيمها.
15. مواصلة إعلان الحرب المسعورة على الشعوب التي حاولت أن تتنفس أنفاس الحرية من خلال الربيع العربي ، ثم تم تدمير الأوطان التي طلع فيها نجم الربيع العربي ، وكأن لسان حال دهاقنة هذا المعسكر الشرير لا يزال يقول : هذا مصير من يحاول التحرر من قيود عبوديتنا طامعا بأنفاس الحرية الصادقة والصافية.
16. مواصلة إعلان الحرب المسعورة على المشروع الإسلامي الوسطي بخاصة.
17. إعلان حظر الكثير من الفضائيات الإسلامية والعربية التي لا تزال صامدة ولم تركع لتهديدات هذا المعسكر الشرير.
18. مواصلة التغلغل الإستعماري في عمق الوطن الإسلامي العربي الكبير تحت مسمى التبشير أو المساعدات الإنسانية.
19. مواصلة إعلان الحرب على مناهج التعليم في العالم الإسلامي والعربي بهدف تغريب رسالة المناهج وأسرلتها.
وفي المقابل ظل رد فعل الكثير من بني جلدتنا الإسلامية العربية الفلسطينية الذين تحدثت عنهم في فقرات هذه المقالة السابقة على كل هذه الممارسات الإرهابية الدموية التي قام بها هذ المعسكر الشرير كرد فعل الثور الأحمر عندما قام الأسد بأكل الثور الأبيض ثم الثور الأسود، حتى بات يلوح في الأفق وفق القرائن الآنية التي باتت تزداد لكل حر عاقل أن هذا المعسكر الشرير وكأنه يهم بالإنقضاض على هؤلاء الكثير من بني جلدتنا الذين صمتوا عن جرائمه أو صفقوا لها أو التمسوا لها الأعذار ، كما قام الأسد في نهاية المطاف بأكل الثور الأحمر ، ولن تفاجيء هذه النتيجة إلا كل غبي أو غافل منا ، لماذا ؟! لأن ما كان يرشح من نفوس هذا المعسكر الشرير خلال العقود الماضية كان يشير إلى أنهم يطمعون بتفتيت الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني كما تفت البعرة وعلى سبيل المثال نشر موقع العربية بتاريخ 23/أغسطس/ 2006 قراءة تحليلية لمشروع طرحه العسكري الأمريكي المتقاعد رائف بيترز بعنوان “حدود الدم” في عام 2006 دعا فيه الى إعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط مشفوعا بخارطة تقسيم عدد كبير من بلدان المنطقة ، لدرجة ان هذه الخارطة التي أعدها بيترز لمشروعه المجنون “حدود الدم” تكاد لا تبقي على دولة واحدة موحده في المنطقة ، وعلى سبيل المثال العراق وإيران وسوريا والسعودية تقسمها هذه الخارطة لدول ، فيما ستنشأ دول جديدة في المنطقة مثل كردستان ، ودولة شيعية في مناطق جنوب العراق وأخرى سنية وسط العراق، وسيتوسع الأردن ليضم أجزاء من السعودية ، ووفق هذه الخارطة فإن دولة كردستان التي يدعو لإقامتها هذا الجنرال الأمريكي ستشمل كردستان العراق وأجزاء من تركيا وإيران وسوريا وأرمينيا وأذربيجان مدعيا أنها ستكون أكثر دولة موالية للغرب ولأمريكا ، وإن الدولة الشيعية العربية ستمتد من جنوب العراق الى الجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الغربية من إيران وأما السعودية، فيدعو هذا الجنرال الأمريكي لتقسيمها الى دولتين : دولة الأماكن المقدسة ودولة أخرى سياسية، وما هذا المشروع الذي يقترحه هذا الجنرال الأمريكي إلا غيض من فيض ،ولذلك فإننا نحن الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني في لحظة مصيرية يجب أن نختار فيها بين الإنتصار لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية وهذا يعني تلقائيا الإنتصار بها أو الدمار .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى