أخبار عاجلةتكنولوجياومضات

ساعتان من اللعب أفضل من 6 أشهر من التعليم لمحاربة السجائر الإلكترونية

حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، يوجد انخفاض طفيف -ولكنه ثابت ومستمر- في عدد مدخني السجائر التقليدية في العالم، حيث يبلغ عددهم نحو مليار شخص في شتى أرجاء العالم، ولكن الأمر يختلف تماما عند الحديث عن مدمني السجائر الإلكترونية حيث ترتفع الأرقام بسرعة الصاروخ، وبالذات بين المراهقين من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما.

تم اختراع أول سيجارة إلكترونية عام 2007، ومنذ ذلك الوقت بدأ تدخين السجائر الإلكترونية ينتشر بكثافة في مختلف دول العالم، كما أخذت أعداد مدخني هذه السجائر في ازدياد مستمر وبلا توقف، وذكر تقرير خاص نشرته منصة “بي بي سي” (BBC) أن عدد مدخني السجائر الإلكترونية في العالم عام 2011 بلغ 7 ملايين شخص، ووصل عام 2018 إلى 41 مليون شخص، ويتوقع أن يصل الرقم مع نهاية العام الجاري إلى أكثر من 55 مليون إنسان حول العالم، والأرقام تواصل الارتفاع كل يوم.

والخطورة تكمن في أن معظم مدمني هذا النوع من السجائر هم من المراهقين، من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، إذ تناول هذا النوع من السجائر واحد من بين كل 5 طلاب في المدارس الثانوية عام 2020، علما بأن الكثيرين منهم لم يكونوا قد مارسوا التدخين قبل ذلك.

وقد جرب نصف المراهقين في الولايات المتحدة -الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاما- تدخين السجائر الإلكترونية مرة واحدة على الأقل، وهناك حوالي 10٪ من المراهقين في أميركا يدخنون السجائر الإلكترونية بانتظام.

 

تأثيرات مدمرة على الصحة

وتقول منظمة الصحة العالمية إن هناك أدلة واضحة تؤكد أن هذه السجائر تسبب الإدمان ومضرة بالصحة، وتعرض المستخدمين لمواد كيميائية سامة مماثلة لتلك الموجودة في دخان السجائر التقليدية، التي يمكن أن يتسبب كثير منها في الإصابة بالسرطان، كما يزيد استخدام السجائر الإلكترونية من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات الرئة، وتزداد مخاطر هذه السجائر عند المراهقين وصغار السن بشكل خاص، لأن التعرض لمادة شديدة الإدمان -مثل النيكوتين- قد تكون له آثار طويلة الأمد ومدمرة على نمو الدماغ.

 

ليست مجرد بخار

لمحاربة هذه الآفة بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، طور باحثون من كلية الطب في جامعة ييل الأميركية (Yale University) لعبة فيديو مصممة باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي لمساعدة المراهقين على التعرف على مخاطر السجائر الإلكترونية، وتعليمهم إستراتيجيات تدريب خاصة تضمن عدم تجريبها أو إدمانها.

تقول الدكتورة فيرونيكا ويسر -من قسم طب الأطفال بجامعة ييل والمشاركة الرئيسية في البحث- “عندما يفكر المراهقون في تدخين السجائر الإلكترونية، فإنهم يعتقدون أنها مجرد بخار غير ضار يستنشقونه، ويتباهون بإخراجه من أنوفهم وأفواههم أمام رفاقهم في المدرسة، ولكنهم لا يربطون هذا البخار بالنيكوتين والطبيعة الضارة التي تؤدي إلى الإدمان والتي تسببها السجائر الإلكترونية بالفعل”.

أحضر العلماء المشاركون في البحث 5 حقائب كبيرة ممتلئة بسماعات رأس تستخدم تقنية الواقع الافتراضي إلى 3 مدارس إعدادية بمدينة ميلفورد في ولاية كونتيكت الأميركية، حيث خضع جميع الطلاب في هذه المدارس، والبالغ عددهم 285 طالبا إلى اختبار أولي مصمم لفهم مدى معرفة الطلاب بمخاطر السجائر الإلكترونية، وأفكارهم بشأن طرق الوقاية منها، إضافة إلى التصورات الاجتماعية في بيئتهم المدرسية عن تدخين هذه السجائر، ومدى علمهم بتسببها للإدمان.

 

لعبة إلكترونية تحاكي الواقع

وصمم الباحثون لعبة خاصة اعتمادا على تقنيات الواقع الافتراضي ثم قاموا بتقسيم الطلاب إلى مجموعتين: المجموعة الأولى “المجموعة المرجعية”، هي التي واصلت دراستها بشكل طبيعي من غير أن تشارك في اللعبة الافتراضية التي صممها الباحثون، أما المجموعة الثانية فهي “المجوعة التجريبية”، وهي التي اشتركت باللعبة حيث خضع الطلاب المشاركون فيها إلى 3 جلسات لعب كل جلسة مكونة من ساعتين، وهم يمارسون اللعبة.

تابع الباحثون هذه المجموعة لمدة 6 أشهر، قاموا خلالها بتقييم مدى التقدم المعرفي لدى الطلاب حول أضرار ومخاطر السجائر الإلكترونية على فترتين زمنيتين: الأولى بعد 3 أشهر، والثانية بعد 6 أشهر من ممارستهم للعبة الافتراضية.

لعبة الواقع الافتراضي المسماة “إنفايت أونلي في أر” (Invite Only VR) تنقل الطلاب إلى الصف التاسع في مدرسة ثانوية افتراضية، حيث يحاطون بمجموعة من الطلاب المهووسيين بالتدخين، والهدف الذي تم وضعه أمام الطلاب المشاركين في اللعبة هو مصادقة أحد الطلاب المشهورين في المدرسة كي يقوم بدعوتهم إلى حفلة التخرج الخاصة به.

خلال هذه العملية يتعرض اللاعبون إلى مختلف الضغوط والإغراءات من الطلاب الآخرين في المدرسة من أجل تجريب تدخين السجائر الإلكترونية، وفي نفس الوقت يتعلمون مع أصدقائهم الافتراضيين مخاطر هذه السجائر على صحتهم العامة.

ومن خلال تقنية تمييز ومحاكاة الأصوات، تسعى اللعبة أيضا إلى مساعدة الطلاب على كيفية مقاومة الضغوط التي يواجهونها في المدرسة لتعلم التدخين الإلكتروني على أمل أن يصبح الطلاب أكثر استعدادا لمواجهة سيناريوهات العالم الحقيقي.

تقول الدكتورة ويسر “مع تقدم اللعبة، يتعلم الطلاب المزيد والمزيد من الإستراتيجيات لرفض تدخين السجائر الإلكترونية مع الحفاظ على “رباطة جأشهم” وعدم خضوعهم للإغراءات والضغوط، سعيا لتحقيق الهدف الظاهري من اللعبة وهو تأمين الدعوة إلى الحفلة.. الأمر كله يتعلق بالتفاعلات الاجتماعية في البيئة المدرسية المتعلقة بتدخين السجائر الإلكترونية”.

لتقييم ما إذا كان المشاركون قد احتفظوا واستفادوا من المعلومات والمعارف التي اكتسبوها من اللعبة، أجرى الباحثون تقييما فوريا بعد انتهاء المراهقين من اللعب. ثم كرروا التقييم على مرتين بعد 3 أشهر و6 أشهر.

وجد الباحثون أن المراهقين الذين شاركوا في اللعبة قد أصبح لديهم فهم ووعي أكبر بمخاطر السجائر الإلكترونية، وأضرار التدخين على صحتهم العامة مقارنة بالمجموعة المرجعية التي لم تشارك في اللعبة.

كما لاحظوا أيضا تغيرا كبيرا في التصورات الاجتماعية للمجموعة التجريبية التي شاركت في اللعبة، حيث تخلص هؤلاء الطلاب من وهم أن تدخين هذه السجائر شيء مثير يعطيهم ميزة عن غير المدخنين، وهذه مؤشرات مهمة لتحسين طرق الوقاية من هذه السجائر في المستقبل.

علاوة على ذلك، قال الطلاب المشاركون في اللعبة إنهم استمتعوا باللعب، إذ أكمل اللعبة نحو 80% منهم، وهذا مؤشر آخر مهم على أهمية استخدام ألعاب الواقع الافتراضي والألعاب الإلكترونية عموما لأهداف توعوية وتثقيفية.

 

ساعتان من اللعب أفضل من 6 أشهر تعليم

وتوضح الدكتورة ويسر “نعتقد في فريق البحث أن هذه النتائج مثيرة حقا؛ لأن ساعتين من لعب لعبة فيديو يمكن أن يكون مفيدا أكثر من 6 أشهر من التعلم عن أضرار السجائر الإلكترونية في المدرسة بالطرق التقليدية”.

ويقول الدكتور كيمبرلي هيفتجي -الأستاذ في قسم طب الأطفال في الجامعة والمشارك في البحث- “لقد شعرنا بمدى أهمية اللعبة، لم نأت إلى هذه المدارس بوصفنا مجرد باحثين يوزعون استبيانا ثم يغادرون بعد تعبئة الاستبيان، لقد جئنا بطريقة مختلفة لجمع المعلومات الصحيحة بأسلوب يفهمه الطلاب ويستفيدون منه في المستقبل”.

ويبقى الهدف طويل المدى للعبة هو منع المراهقين في المدارس الإعدادية من تجربة السجائر الإلكترونية، وتغيير التصور بأن جميع أقرانهم من الطلاب يفعلون ذلك، حيث تبلغ النسبة المئوية للمراهقين الذين جربوا تدخين هذه السجائر في المدارس الإعدادية 5.7٪، وتقفز إلى 50.1٪ في المدارس الثانوية، ولهذا كان تنفيذ هذا البرنامج في المدارس الإعدادية أمرا مهما للغاية بالنسبة للطلاب قبل انتقالهم للمدارس الثانوية.

وفي هذا السياق، يؤكد هيفتجي “هدفنا هو التركيز على الوقاية، للوصول إلى المراهقين قبل أن يصبحوا مدمنين”.

المصدر: الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى