أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

“السلطة”.. نجحت في قمع الفلسطينيين وفشلت في حمايتهم 

ساهر غزاوي

إن إقدام أجهزة “سلطة أوسلو” الأمنية على ارتكاب جريمة تصفية واغتيال نزار بنات بهدف كتم الصوت والقمع وإحداث حالة من الخوف في صفوف من ينتقد السلطة، يضعنا بين يدي جوهر وحقيقة دور السلطة الذي يتم أساسًا لحمايتها وحماية المصالح الضيقة التي تمثلها، هذا الدور المُظلل تحت عباءة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن المغدور بنات اختُطف في منطقة غير خاضعة أمنيًا للسلطة، ويمنع دخول الأجهزة الأمنية إليها إلّا بإذن وتنسيق مع الاحتلال. وبطبيعة الحال هو “نتيجة الأخوة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية”، بحسب وصف “عميرة هاس”، الكاتبة في صحيفة “هآرتس”. 

ما يحدث اليوم في الضفة الغربية من قمع الأجهزة الأمنية التابعة لـ “سلطة أوسلو” للنشطاء والإعلاميين والمطالبين بكشف قتلة الناشط نزار بنات، يؤكد على استمرارية النهج البوليسي الذي لا يجيد سوى القمع والقتل وتصفية واغتيال المعارضين، تماما كما هو حال أنظمة الاستبداد العربي الوظيفية التي لا تجيد إلا قمع شعوبها وتتفنن في الاعتقالات التعسفية والتعذيب وسفك دماء المواطن المسحوق والدوس على كرامته. 

“سلطة أوسلو” كشفت وجهها البوليسي وكما يقول المثل: (لبست قبعها ولحقت ربعها) في تصرفاتها وأعمالها وممارستها القمعية المشابهة لأنظمة الاستبداد العربي ولا تريد أي صوت معارض لسياستها، وتريد إثبات أن يد الأمن هي العليا فقط. ليس هذا فحسب.. إنما (أجت تطل سبقت الكل). فقد توجّهت، مؤخرًا، إلى الاحتلال الإسرائيلي بطلب الحصول على معدّات ووسائل لأجهزتها الأمنية لفضّ التظاهرات، بحسب ما نقل موقع “واينت” الإسرائيلي، عن مصادر فلسطينية، بعد نفاذ جزء من مخزون السلطة من هذه المعدات جرّاء التظاهرات في رام الله، واستخدامها للأسلحة بكثافة خلال قمعها التظاهرات التي انطلقت رفضًا لجريمة قتل الناشط نزار بنات، بعد اعتقاله من قوات الأمن الفلسطيني. وبحسب “واينت” فإن السلطة معنيّة بزيادة مخزونها من أسلحة القمع لنقلها إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، تحسبًا من انطلاق تظاهرات أخرى!!

في العودة إلى حقيقة دور “سلطة أوسلو”، فإن مقتل نزار بنات على يد أجهزة الأمن الفلسطينية لم يكن الأول من نوعه ولا ما يحدث اليوم في الضفة الغربية من قمع لحرية الرأي والاستبداد هو استثناء من دور السلطة التاريخي منذ تأسيسها. فقيام أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقال الفلسطينيين الذين صنّفوا كـ “مطلوبين” لدى سلطات الاحتلال الاسرائيلية، وقمع الاحتجاجات الفلسطينية ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، يعود إلى اتفاقات أوسلو لعام 1993 التي بموجبها أُنشئت قوات الأمن الفلسطينية لمهمة دعم مشروع قيام “الدولة”.

 

لمحة تاريخية

بعد عام واحد على هذه الاتفاقيات، ولكي تثبت “سلطة أوسلو” بقيادة الراحل ياسر عرفات مصداقيتها بالتزاماتها الأمنية مع الاحتلال الإسرائيلي، ارتكبت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في 18/11/1994 مذبحة مسجد فلسطين أحد أكبر مساجد مدينة غزة، وكان المكان المقرر لانطلاق مسيرة منه بعد خطبة وصلاة الجمعة، وكما تذكر المصادر، فإن خطبة الجمعة ألقيت وأديت الصلاة بشكل طبيعي، وأثناء الصلاة طوق رجال الأمن المصلين حول المسجد، وما أن انتهت الصلاة وبعيد التسليمة الثانية بدأ إطلاق النار من قبل الأجهزة الأمنية وأكثر المصلين لم يصلوا ركعتي السنة بعد، استشهد 17 من المصلين وأصيب العشرات بجراح مختلفة، واكتظت مستشفيات القطاع بهم، وامتدت المواجهات بعدها لمناطق أخرى لكن أغلب الشهداء والجرحى وقعوا في المسجد. 

وفي شهر كانون الأول من العام 2001، فرضت السلطة الفلسطينية الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة “حماس” وكان الجيش الإسرائيلي أعلن تعليق عملياته ضد السلطة الفلسطينية لمساعدة عرفات على كبح المقاومة. وتزامن الإعلان مع دعوة وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز الرئيس الفلسطيني إلى اعتقال المطلوبين في غضون 12 ساعة. 

وفي عام 2003 استطاع الاحتلال الإسرائيلي بموجب “مبادرة سلام الشرق الأوسط” التي اقترحتها اللجنة الرباعية، والمعروفة باسم “خارطة الطريق”، بتحويل السلطة إلى كيان مسلح يحفظ أمنها في المقام الأول، في إطار ما أُطلق عليه مشروع إصلاح قطاع الأمن بقيادة الفريق “كيث دايتون” الذي وضع قوات الأمن الفلسطينية رهن مطالب المانحين والإسرائيليين.

ومع وصول محمود عباس إلى سدة الحكم عام 2005، سلَّم الرئيس الفلسطيني أمر بقائه في السلطة إلى التعاون الأمني الوثيق مع إسرائيل الذي بات يُعرَف بـ “التنسيق الأمني”. ومن ثَم، عذبت قوات الأمن الفلسطينية السجناء الفلسطينيين على خلفية آرائهم ونشاطاتهم السياسية، وعلى خلفية ما عدّته إسرائيل نفسها خطرًا على أمنها. فقد قمعت تلك القوات -بدون استثناء- عناصر من حماس والجهاد الإسلامي وفتح بعد أن حصلت على أسمائهم من إسرائيل، وخنقت أصوات المعارضة والمتظاهرين السلميين الذين احتجوا على أخطاء السلطة في إدارة الضفة الغربية بصورة يومية. 

وجاء في تقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية “هيومان رايتس ووتش”، أسكت عباس المعارضة في الضفة بواسطة قوات الأمن التابعة له التي عملت “عن كثب مع إسرائيل لإبقاء حماس تحت السيطرة”، كما مارس عباس سطوته على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بمرسوم يسمح لحكومته بسجن أي شخص بتهمة الإضرار بـ “الوحدة الوطنية” أو “النسيج الاجتماعي”.

في النهاية، فإن المؤسسة الأمنية التابعة “لسلطة أوسلو” منذ تأسيسها نجحت في تجريم النضال الفلسطيني من أجل الحرية ونجحت في ملاحقة وسجن المناضلين والشبان والشابات والصحافيين والصحافيات العاملين ضد الاحتلال. لكنها فشلت في حماية الفلسطينيين من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وفشلت في ايقاف الاستيطان، وفشلت بالكامل في حل أي موضوع جاد يتعلق بإطلاق سراح الأسرى في السجون الإسرائيلية، بل حتى فشلت في تطوير دور حركة فتح، فحولتها لملحق للأجهزة الأمنية وآليات القمع والاستبداد. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى