أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

تبعات الحرب الأخيرة على انهيار المنظومة الإسرائيلية

ساهر غزاوي

ما زالت الأوساط البحثية ووسائل الإعلام الإسرائيلية منشغلة فيما حملته الحرب الأخيرة على عزة من إخفاقات متعددة المجالات التي أسفرت عن نتائج لم تكن في صالح الدولة الإسرائيلية من جهة، واستفادت منها المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، ولما تحمله أيضًا نتائج هذه الحرب من دلالات كبيرة على المنظومة الطبيعية لإسرائيل التي توشك على الانهيار، بحسب التقديرات. والتي أهم أسبابها، الفوضى التي أحدثها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، والتي يتوقع أن يواصل إحداثها. إذ تقول المعلقة السياسية الإسرائيلية أورلي نوي: “نتنياهو حطم كل ما كان يعتبر ملكًا للدولة، مثل النظام القضائي والشرطة. وهذا يعني حدوث حالة من الفوضى العارمة في جميع الأنظمة. فقد حطم جميع الأدوات التي كانت ذات مرة تحافظ على الدولة اليهودية. وها نحن الآن نرى ثمار عمله ذلك”.

الانتكاسة مثلثة الأضلاع: سياسيًا، وأمنيًا، وعسكريًا، كما وصفتها إحدى التقديرات الإسرائيلية، قد أثارت جملة انتقادات واتهامات متبادلة بين الإسرائيليين وموجهة لدوائر صنع القرار السياسي والعسكري حول المتسبب بهذه الانتكاسة. فخلال 11 يومًا من هذه الحرب، خرجت استخلاصات إسرائيلية مفادها أن المزج بين محاولات اقتحام المسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان، وتأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية بقرار تعسفي من محمود عباس، وتصاعد التوترات بشأن ترحيل سكان حي الشيخ جراح، ولّد “عاصفة كاملة” لدى المقاومة الفلسطينية، التي بذل قادتها جهدًا هائلًا، وتمكنوا من الضغط على إسرائيل، لتنفيذ هجمات خرجت عن نطاق السيطرة الإسرائيلية، ولذلك شهدت أيام العدوان اشتعال النار في كل المنطقة، وصولًا إلى المدن والقرى الفلسطينية في الداخل، في مشهد لم يتكرر خلال السنوات والعقود الماضية، حيث شكل ربطًا فلسطينيًا بين المكونات الجغرافية لانتشار الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، مما أفشل المخططات الإسرائيلية التي عملت لسنوات وعقود على تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت.

على الصعيد العسكري، شكلت هذه الحرب انكشافًا للجبهة الداخلية الإسرائيلية أمام جبهة غزة، التي تعد متواضعة في قدراتها العسكرية أمام جبهات أخرى أكثر قوة وأشد فتكًا، مما طرح تساؤلات كبيرة على صناع القرار الإسرائيلي عن طبيعة الاستعدادات التي تجريها المؤسسة العسكرية طوال العام، وفي لحظة الاختبار الحقيقي جاءت النتائج مدوية. ورغم التكتم الشديد للمؤسسة الإسرائيلية على كلفة الحرب ضد قطاع غزة ومحاولة التقليل من الخسائر التي تسببت فيها صواريخ المقاومة الفلسطينية، إلا أن ثمة أضرارًا فادحة ناجمة عن تضرر سمعة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، لا سيّما عدم قدرة الجيش وقبته الحديدية على إسكات صواريخ المقاومة، بالرغم من نشر بطارياتها في معظم أنحاء البلاد خلافًا لما روجته المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية للمنظومات الدفاعية القادرة على التصدي لمختلف أنواع الصواريخ التي تهدد جبهتها الداخلية، ومنها “القبة الحديدية”، لكن صواريخ المقاومة من غزة تجاوزتها بصورة لا تخطئها العين، مما دفع الأوساط العسكرية الإسرائيلية لمحاولة تحليل أسباب هذا الإخفاق وطرح تساؤلات كبيرة على دوائر القرار العسكري الإسرائيلية بشأن عدم إدراكها للقدرات الصاروخية للمقاومة، والافتقار إلى المعلومات الخاصة بمدى قدرتها على الاستمرار في إطلاق قذائفها طيلة أيام العدوان دون توقف.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإنه رغم التكتم الشديد على كلفة الحرب ضد قطاع غزة، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الخسائر التي تكبدتها الجبهة الداخلية والقطاع الخاص والعام، والأضرار بالممتلكات الخاصة العامة والناجمة عن الحملة العسكرية “حارس الأسوار” (التسمية الإسرائيلية) ستكون أضعاف الخسائر التي تكبدها الاقتصاد خلال عملية “الرصاص المصبوب” عام 2014 التي امتدت على 51 يومًا من القتال. ولا تنحصر التداعيات الاقتصادية في الأضرار الآنية المباشرة، بل سيكون للحرب تداعيات متوسطة وطويلة الأمد، تفضي إلى المس بمكانة تل أبيب الاستراتيجية والاقتصادية. فبحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية لخسائر المواجهة الأخيرة التي استمرت 11 يومًا هي ضعف خسائر الاقتصاد الإسرائيلي في الحرب السابقة على غزة عام 2014، التي قدرها البنك المركزي الإسرائيلي بنحو 3.5 مليارات شيكل. ومما زاد الأمور تعقيدًا بالنسبة لتأثيرات الحرب على الواقع الاقتصادي الإسرائيلي، حقيقة أن إسرائيل فرضت عليها هذه الجولة القتالية بعد تفشي وباء كورونا، والذي أدى إلى أضرار هي الأكبر للاقتصاد الإسرائيلي منذ حرب العام 1973، كما يقول عاموس مالكا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق في تصريحات صحافية.

بقي أخيرًا أن نشير في هذه المقالة إلى أن المواجهة الأخيرة قد تفوقت على المواجهات السابقة (2008، و2012، و2014) في الدافع الحقيقي نحو هذه المواجهة وهو الدفاع عن القدس. فمعركة “سيف القدس” (تسمية المقاومة)، هي الحرب الأولى فلسطينيًا، التي تُقرِّر المقاومة الفلسطينية فيها المبادرة إلى الحرب، وتحدِّد ساعة الصفر لانطلاقها. وهي الحرب الثانية عربيًا، بعد حرب أكتوبر 1973، التي يبدأ بها العرب. وهي الحرب الأولى التي تخوض فيها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الحرب، نتيجة أسباب غير متعلّقة بالوضع الميداني، كالعدوان العسكري والحصار الاقتصادي، وغير ناتجة من تدحرج الأحداث المتبادلة بين المقاومة والاحتلال، بل اندلعت بسبب أهم مفردات القضية الفلسطينية، أي القدس والمسجد الأقصى، باعتبارهما قضية إجماع وطني فلسطيني، وهذا يدل على أنَ المقاومة الفلسطينية، على الرَّغم من اهتمامها بتوفير الحياة الكريمة لشعبها وحاضنتها لدعم صمودهما، فإنها تضع في أولوياتها القضية الوطنية بكل مفرداتها: القدس والتحرير والعودة وغيرها.

السؤال: إذا كانت هذه التحليلات والتقارير أوردتها الأوساط البحثية ووسائل الإعلام الإسرائيلية ولا تجد الحرج في نشرها على الملأ، فلماذا تتجاهل ذكرها عمدًا وسائل إعلام تابعة لأنظمة عربية خليجية وغيرها، بل “تتفنن” فقط بإبراز صورة حصيلة الدمار من البشر والحجر في العدوان الإسرائيلي على غزة؟ نترك لكم الإجابة على هذا السؤال!!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى