أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

خطاب نتنياهو التحذيري والعودة إلى أصل الصراع

ساهر غزاوي

قبل الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق نار بشكل متزامن بين المقاومة الفلسطينية في غزة والمؤسسة الإسرائيلية، أطّل علينا نتنياهو بوجهه الشاحب في مؤتمر صحفي وجّه من خلاله خطابًا أيدلوجيًا ديموغاغيًا استعمله كفزاعة وكأداة “إرهاب فكري” لإثارة خوف أنظمة العالم الغربي والعربي وتحذيرهما من الكارثة التي ستحل عليهما في حال انتصرت غزة ومقاومتها على إسرائيل التي تقدم نفسها بأنها رأس الحربة في مواجهة خطر “التطرف” الإسلامي الذي يشكل مصدر قلق لمستقبل “السلام” في منطقة الشرق الأوسط وبطبيعة الحال سيؤثر سلبًا على علاقات التعاون مع دول “الاعتدال” العربي.

اضطر نتنياهو بوجهه الشاحب في هذا المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير خارجيته غابي أشكنازي الذي عُقد في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلي في تل أبيب يوم 19/5/2021، وبحضور أكثر من 70 سفيرًا ودبلوماسيًا أجنبيًا، أن يوجه خطابًا تحذيريًا للمجتمع الغربي الذي قال فيه: “إذا شعرت حماس أنها انتصرت في الصراع الأخير، فسيكون ذلك هزيمة للغرب بأسره”. وأضاف: “هذه معركة نخوضها منذ 100 عام، وهي فرض على كل جيل أن يواجهها، وجيش إسرائيل “هو الجيش الأكثر أخلاقا في العالم”.

لا يوجد أدنى شك أن نتنياهو قد قال ما قاله موجهًا خطابه ليبرر مواقف إسرائيل ويحسن  صورتها وصورة العدوان الإجرامي لجيشها لما اقترفه من مجازر دموية بحق المدنيين العُزل في غزة أمام المجتمع الدولي وتسويق إسرائيل أنها “ضحية” صواريخ المقاومة التي تطلق من غزة، وذلك في ظل استمرار الاحتجاجات العالمية خاصة التي اجتاحت العديد من عواصم الدول الأوربية والأمريكية المنددة بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين والتي رفعت الأعلام الفلسطينية وهتفت “فلسطين ستحيا، فلسطين ستنتصر”، و”إسرائيل المجرمة” وأيضا “الحرية لفلسطين”، و”إسرائيل إرهابية”، و”أوقفوا الحصار”، الأمر الذي وضع أنظمة هذه الدول وحكوماتها “الصامتة” على ما يجري في موقف محرج أمام شعوبها. هذا إلى جانب التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تزايد الانتقادات الأمريكية الموجهة لإسرائيل خلال الحرب الأخيرة على غزة والتي تمثلت في تنامي الأصوات داخل الحزب الديمقراطي، التي تدعو لإعادة النظر في المساعدات المقدمة لإسرائيل وارتفاع الأصوات في عهد جو بايدن، الذي يواجه الآن انتقادات داخلية عندما يتعلق الأمر بالدعم الأمريكي لإسرائيل. كما أن أوروبا قد بدأت تدرك، من خلال تصريحات أكثر من مسؤول رفيع المستوى، أن “حماس” هي جزء من حل واقعي يشمل قبول الحركة بما تمثله من شرعية سياسية وقيادة للمقاومة الفلسطينية. فهل يعني هذا أن البيئة الاستراتيجية أصبحت لصالح مشروع المقاومة في موازاة الضغط على إسرائيل؟ وارد جدًا. لكن من المؤكد أن هذا ما دفع نتنياهو إلى الاجتماع بالسفراء والدبلوماسيين الأجانب ليوجه لهم خطابًا تبريريًا للجرائم الإسرائيلية من جهة، ومن جهة أخرى ليبحث من خلالهم عن صورة انتصار ولو كان شكليًا أمام الشارع الإسرائيلي.

غير أن نتنياهو لم ينسَ أن يستنجد بالأصدقاء والحلفاء، فلأن “الصديق وقت الضيق”، فقد وجّه خطابًا تحذيريًا إضافيا يُخوف فيه حكام أنظمة الاستبداد العربي ويطلب النجدة منهم لما يعيشه من مأزق كبير بسبب فاتورة الحرب الباهظة جراء الأضرار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سيدفعها من حياته السياسية ومستقبل المشروع الصهيوني الذي بدأت ملامح أفوله تظهر للعيان، ليقول بشكل صريح وعلني لحكام أنظمة الدولة العربية وخاصة ما تسمى “دول الاعتدال العربي” التي كانت تتستر وراء عباءة العداء لإسرائيل، إن هذه الحرب هي ليست معركة إسرائيل لوحدها إنما معركتنا جميعا ويجب أن نتصدى للخطر القادم من غزة الذي سيهدد عروشكم وكراسيكم وسيحرمكم من امتيازات الجلالة والفخامة والزعامة والسيادة إذ قال: “إذا انتصرت غزة على إسرائيل ستنهار الحكومات العربية”!!

في سياق الحديث عن أنظمة الاستبداد العربي، مهم جدًا أن نشير إلى أن شركاء إسرائيل الجدد في الخليج لم يكن لهم أي دور في وقف التصعيد واتفاق وقف إطلاق نار، بل جاء التدخل والنفوذ الهادف من دول عربية أخرى مثل الأردن، التي لها مكانة في القدس، ومصر وقطر اللتان تربطهما علاقات مع حماس وغزة. وبالعكس تمامًا فإن هذه المحطة من الصراع أكدت مدى ضآلة سيطرة أنظمة دول الخليج على سلوك إسرائيل وفضحت مزاعم الإمارات بأن التطبيع مع إسرائيل سيكبح جموح الاحتلال في التوسع وسيكون له نتائج أفضل للفلسطينيين، كما وستزيد الفجوة بين حكومة البحرين والمجتمع المدني، الذي يرفض بوضوح اتفاقيات إبراهيم، وأي مواجهات مستقبلية في القدس المحتلة بين الاحتلال والفلسطينيين ستنذر بمتاعب سياسية محتملة ودبلوماسية محرجة لدول التطبيع الجديدة، وخاصة على الإمارات والبحرين.

في النهاية، خطاب نتنياهو بوجهه الشاحب في المؤتمر الصحفي إن كان خطابًا تبريريًا أو تحذيريًا أو كلاهما فإنه بالمحصلة يعيدنا إلى حقيقة الصراع ويختصر علينا مسافات زمنية كبيرة من النقاش المُضلل المفروض على الحيّز بهدف تزييف الحقيقة أو التحايل عليها. وبشكل صريح يُبين نتنياهو أن “معركة نخوضها منذ 100 عام”. فحقيقة الصراع هي على فلسطين وعلى القدس والمسجد الأقصى وعلى الرواية الدينية والتاريخية والحضارية والثقافية بين استعمار غربي متواصل منذ قرون، بلغ ذروته عام 1948 بإقامة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وبين العالم العربي والإسلامي الذي لبّ صراعه ومركزية قضيته فلسطين والقدس والأقصى.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى