أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (63): في ذكرى النكبة المستمرة.. الهوية… مقياس الانتماء… والثوابت

حامد اغبارية

الهوية

ما الذي يحدد هويتي؟ بل من هو الذي يحدد هذه الهوية؟ هويتي ليست بطاقة تصدرها وزارة داخلية هنا أو هناك، ولا هي جواز سفر يمكّنني من التنقل في أنحاء الأرض، بعد أن أصبحت الأرض تحت سيطرة زعران الزمان وعصاباته الإجرامية التي أطلقت على نفسها أسماء دول وجمهوريات، وإمبراطوريات وممالك وإمارات. هويتي أنا الذي أحددها، وليس من حق أحد غيري أن يرسم لي معالمها ويقرر لي حدودها، ويضبط لي نبضها، حتى لو ملك عناصر القوة كلّها، ولو اجتمعت له كل إمكانات فرض ما يريد على الأجساد التي تَبلى. هويتي لا يقررها قانونٌ تُصدره بؤر خبيثة تطلق على نفسها اسم “برلمانات”، حتى لو أطبقت قيودها على جسدي ولفت حبل مشنقتها حول عنقي… فهذه لا تصنع هوية، إنما يصنعها صاحبها. فهو فقط من يملك تحديد المعالم والحدود، خارج إطار جسده المُبتلى، وخارج حدود الجغرافيا التي حددها مجرمو الاستعمار في غفلة… وجراء ضعف أصاب الأمة، وبسبب خيانات يستحي أبو رغال أن ينتمي إليها.

فيا أيها الحمقى: هناك أناس لا تهمهم الجنسية التي تحددها الجغرافيا وبطش القانون وسلطة الحيتان، فالجنسية ليست هي التي تحدد هويتهم، ذلك أنهم عرفوا حدود هويتهم، فمعالمُها معروفة واضحة. فهي ترفرف خارج الجسد الذي قد يَرْحل وقد يُرَحّل..

 

مقياس الانتماء

إن من أعجب ما نعيشه اليوم أن تجد من قاتلوا وفتحوا كل الجبهات استقتالا من أجل أهم رموز المشروع الصهيوني، الكنيست، وهم الذين شقُّوا الوطن ومزّقوه وقسّموه شيعا وفرقا، وفرقوا بين أطرافه من أجل الكرسي ومن أجل أوهام وأضغاث أحلام، يبيعونك اليوم حديثا وجعجعة وطنطنة، وينظمون قصائد العشق في الوطن، في الوقت الذي فقط بالأمس رقصوا على أنغام نشيد “هتكفا”، وأقسموا يمين الولاء لأصحاب النشيد…

فواعجبًا كيف يلتقي الضدّان؛ هذا ملح أجاجٌ وهذا عذب فرات…!!

فالجعجعة والزعيق والتمثيل الهوليوودي من على منصة الكنيست و”كثرة طك الحنك الوطني على المنابر”، وتنظيم مسيرات ترمز إلى العودة إلى المواقع التي حفرتها النكبة في أعماق الذاكرة، ليست مقياسا، وليست هي بارومتر الانتماء.

إن المقياس الحقيقي لانتمائك لهذا الشعب هو مدى التصاقك بهمومه وتفاعلك مع ثوابته وقضاياه، ومع ثوابت هذه الأمة وملفاتها الكبرى. مقياس الانتماء هو مدى ارتباطك بثوابت هذا الشعب وهذه الأمة؛ وعلى رأس هذه الثوابت المسجد الأقصى والقدس والمحتلين. وبالنسبة لي، فإن ما تقدمه أنت وما أقدمه أنا وما يقدمه أيٌّ من أبناء مجتمعنا لقضية المسجد الأقصى تحديدا يحدّد إن كنتُ أستحق أنا وتستحق أنت ويستحق هو نيشان العزة يعلق على الصدور وتاج الفخار والوجاهة الحقيقية يوضع فوق الرؤوس.

ولعل من يسأل: لماذا هذه المفاضلة؟

لأنه الأقصى المبارك، ولأنها القدس المحتلة، القضية الفاصلة الحاسمة القاسمة القاصمة… القضية التي تشكّل العلامة الفارقة بين المعسكرين. أما الذي اختبأوا في الحيّز الرمادي خلف ضباب الكلام الجميل والشعارات الرنانة الطنانة، حتى أن الأقصى والقدس كانا بالنسبة لهم مجرد صورة في دعاية انتخابية للكنيست الذي هو سبب رئيس في كل بلاء حلّ بالأقصى، فإن بقاءهم في المخبأ لن يطول وكلامهم وشعاراتهم هي التي ستفضحهم عن قريب، ذلك أن الأرض تغلي كالمرجل تحت كل الملفات الملتهبة، وما أظن البركان إلا يكاد ينفجر في الوجوه الكالحة التي مارست كل ذلك الدجل على شعبها طوال 73 سنة من النكبة، وهم في الحقيقية، أو كثير منهم على الأقل، جزء من هذه النكبة، فقد أصبحوا عبئا على شعب ينشد الخلاص من النكبة وآثارها، لكنه يجد هؤلاء له بالمرصاد على كل ناصية طريق ليحرفوه عن الطريق وهم يزينون له أعماله… غير أن لكل ناصية من يأخذها، ولكل طريق نهاية، ولكل نهاية خاتمة. وخاتمة هذا الشعب إلى خير، وخاتمة هذه الأمة إلى ما هو أعلى وأبعد مما يظنّ المخذّلون والمثبّطون، الذين تقوقعوا داخل فقاعة الأمر الواقع تارة، والواقعية المُستسلمة الناكصة الناقصة تارة أخرى.

 

شيء عن الثوابت

يطول الكلام في مسألة الثوابت المتعلقة بقضية الصراع على فلسطين. فهناك من يحدثك عن ثوابت الشعب الفلسطيني، وهي محصورة محدودة، ومن يحدثك عن ثوابت عربية، وهي أيضا محصورة محدودة، ومن يحدّثك عن ثوابت إسلامية وهي ممدودة، لا محصورة ولا محدودة.

والثوابت بفلسطينيتها (الوطنية) وعروبيتها (القومية) وإسلاميتها (الدينية العقدية) ثلاثة أنواع: ثوابت على الأرض، وثوابت في فهم القضية، وثوابت في مستقبل القضية.

ولأن التفاصيل في الثوابت تحتاج إلى صفحات وربما إلى مؤلفات وربنا إلى مجلدات، فإنني سأكتفي في هذه العجالة بالحديث عن ثابت فهم القضية.

وبطبيعة الحلال ستجد هناك الكثيرين؛ أشخاصا وأطرافا وهيئات وأحزابا وحركات وتجمعات ونُخبا يزعمون أنهم يفهمون ثوابت القضية، وبناء على هذا الفهم هم يتحركون ويعملون، فما الفرق؟

الفرق هو الضابط. والضابط هو النتائج والآثار.. هذا أول مدخل من مداخل ثابت فهم القضية.

نحن نتحدث عن شعب أُوقعت عليه نكبة منذ ثلاثة وسبعين عاما، هي بساعاتها وأيامها وأسابيعها وشهورها نكبات متتابعة لا تتوقف، ما تزال مستمرة إلى الآن… إذا فهمت هذا فإن نتائج هذا الفهم أن يكون سلوكك السياسي والعملي انعكاسا لهذا الفهم، وإلا فالفهم وحده ثم الاستسلام فهما خطان متوازيان لا يلتقيان، ولا يوصلان إلى حق ولا إلى عدل ولا إلى دولة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى