أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

“ما خفي أعظم” من وراء تصريح “ميلشتاين”

ساهر غزاوي
من المهم جدًا أن نقف عند تصريح د. ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، أحد المتحدثين في التقرير التلفزيوني “ما خفي أعظم” الذي بثته قناة “الجزيرة” الفضائية، مساء الأحد الفائت. هذا التقرير الذي أكّد لنا مجددًا أن المؤسسة الإسرائيلية بشرطتها وأذرعها الأمنية والعسكرية متواطئة مع عصابات الجريمة ونشر السلاح في الداخل الفلسطيني.
ميلشتاين هذا، ظهر أربع مرات متحدثًا في التقرير التلفزيوني “ما خفي أعظم”، وفي المرات الثلاث الأولى رفض من خلالها تحميل الشرطة الإسرائيلية مسؤولية تفشّي العنف، رغم أنه يعلم، وخاصة وأنه باحث ورئيس مركز أكاديمي ومن غير الممكن أن تفوته معلومة نشرتها تقارير إسرائيلية تفيد أن إشاعة العنف وسلاح الجريمة مصدره الأساسي الجيش الإسرائيلي باعتراف المسؤولين في المؤسسات الرسمية. وراح يروج مثل غيره من الإسرائيليين ادعاء بأنّ العنف في المجتمع العربي ينبع من “مميزات اجتماعية وثقافية” لكنهم يحاولون اخفائها، على حد قوله. كما ويعترف أن الدولة الإسرائيلية لم تتعامل مع قضية العنف والجريمة كـ “قضية أمنية”، بل كقضية اجتماعية لأن عربًا يقتلون عربًا ولهذا فقد تم تهميشها ولم تكن على رأس الأولويات من الناحية الأمنية، بحسب تصريحه.
وفي ظهوره الرابع والأخير في التقرير التلفزيوني، أظهر ميخائيل ميلشتاين ما حاول أن يخفيه في تصريحاته السابقة عندما قال: “أنا اعتقد أن المجتمع العربي اليوم أمام مفترق طرق مهم جدًا بين الاندماج أو الانفصال عن الدولة، قضية الجريمة والعنف هي قضية مفصلية جدًا وإذا كانت الدولة تريد أن تتعامل جيدًا عليها حلها ربما قبل الانتخابات وإنما بالتأكيد أو بعدها، لأن هذا هو الأساس للعلاقات المطلوبة بين الدولة والمجتمع العربي في إسرائيل”.
من الواضح جدا أن “الاندماج” بالدولة الذي يقصده رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، هو استغلال حالات وعمليات العنف والجريمة وتقاعس الشرطة الإسرائيلية في مواجهتها، لمحاولة ترويض العرب على مفاهيم التدجين والأسرلة عبر مشاريع ما يسمى التعايش العربي الإسرائيلي والدعوة إلى احترامه والاعتزاز به، بالضبط تمامًا كما اعتز وافتخر د. ثابت أبو راس، مدير “مبادرات صندوق إبراهيم” بنعمة “المساواة التامة مع اليهود” ويدل بذلك أنه أصبح يرى لأول مرة جنود “جيش الدفاع الإسرائيلي” في شوارع البلدات العربية ليساعدوا في مواجهة كورونا! خلال مقابلة له مع برنامج بثّه التلفزيون الإسرائيلي (كان 11) قبل شهور قليلة.
ومن الواضح أيضا أن “الاندماج” الذي يقصده مليشتاين يتمثّل في حملات مختلفة لإغراء شبان عرب وتجنيدهم في سلك الشرطة الإسرائيلية والجيش، والانخراط في المنظومة الإسرائيلية من خلال المشاركة في انتخابات الكنيست ذات الوضعية الثابتة والمضبوطة وفقًا لخدمة إيقاع المشروع الصهيوني وحدود لعبته. ولم يعد يخفى على أحد منا أن “الاندماج” المقصود به هو خطابات أعضاء الكنيست العرب وأبرزها خطاب أيمن عودة ومنصور عباس “المتهاون والمتأسرل” التي يُستشف منها أن علينا أن نندمج في المجتمع الإسرائيلي والسير نحو صناعة هوية عربية مسخ، في صلبها المواطنة الإسرائيلية والحقوق المدنية الفردية، والتشكيك في الحقوق الوطنية الجماعية لشعبنا الفلسطيني حتى نكون مجتمعًا خاضعًا وضعيفًا ومفككًا غارقًا في اللهث وراء المكاسب المعيشية ومرتبطا بالحسابات المادية والاقتصادية على حساب الابتعاد عن القيم والمبادئ والثوابت الإسلامية والعروبية والفلسطينية. هذا هو “الاندماج” الذي يقصده مليشتاين لسان حال المؤسسة الإسرائيلية.
أما “الانفصال” عن الدولة، الذي كما يبدو، جاء بلغة الترهيب والتخويف على لسان ميلشتاين، فهو دون أدنى شك يتمحور مقصده حول رفض كتابة مقالات وتسويق خطابات تدعو إلى احترام التعايش العربي الإسرائيلي، ورفض الانخراط في المنظومة الإسرائيلية من خلال المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، ومشروع “المجتمع العصامي” الذي أرست قواعده الحركة الإسلامية المحظورة منذ العام 2015 والذي تلقته المؤسسة الإسرائيلية بنوع من الشك واعتبرته مشروعًا انفصاليًا من خلال بناء بنية أساسية مؤسسية بديلة في مجالات الحياة المختلفة لخدمة الجماهير العربية لقطع التبعية بين المجتمع العربي وبين الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها لكي يتمكن من مواجهة مشاريع الأسرلة والتدجين وتبعات سياسة التمييز العنصري التي تمارسها الدولة الإسرائيلية ضد هوية وشخصية المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.
في النهاية، نستطيع القول إن ميلشتان، لسان حال المؤسسة الإسرائيلية، وجد ضالته في جرائم القتل التي تفتك بفلسطيني الداخل بسبب فوضى السلاح المهرب من مستودعات الجيش الإسرائيلي، أو مشترى من جنود إسرائيليين متورّطين بتجارة السلاح أو بمقايضة السلاح بالمخدرات، وعرف جيدًا كيف يستغل ظهوره في التقرير التلفزيوني “ما خفي أعظم” لتمرير ما لم يستطع أن يخفيه علينا كمجتمع عربي، المتمثل بأن الحل والخلاص مما نحن فيه لن يمر إلا عبر طريق “الاندماج والانخراط” في مشاريع التدجين والأسرلة والتبعية المطلقة والتذلل للحصول على فتات الحقوق الفردية فقط لا غير، بينما ترفض المؤسسة الإسرائيلية رفضًا مطلقا الاعتراف أو التعامل معنا بناء على الحقوق الجماعية لأنها تراها حق خالص لليهود فقط، وكل مشاريع أخرى تمر من غير طريق “الاندماج” ستعتبر، وفق المنظور الإسرائيلي، مشاريع انفصالية ومتآمرة ضد الدولة سيسلط عليها سيف التصعيد الأمني والملاحقات والسياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى