أخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

عشية “ماراثون” انتخابات الكنيست الإسرائيلي: مشهد سياسي مشحون وانحدار قيمي غير مسبوق

توفيق محمد: وصول الطرفين إلى قاع سيء جدًا يلقي بظلاله على مجمل العملية السياسية
محمد وتد: مشهد يعكس محاولات الهيمنة والسيطرة لبعض الأحزاب على الأخرى

ساهر غزاوي
عشية انتخابات الكنيست المقبلة، والمُزمع إجراؤها يوم 23 آذار2021، يشهد المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني حالة من السخونة المتزايدة والانفلات الأخلاقي والقِيمي عبر سيلٍ من التجريح والتخوين والتكفير واستخدام عبارات ولغة هابطة وصلت إلى حد التلاسن والمسّ بالأشخاص وبأعراض المواطنين والقيادات على حد سواء، مما ينطوي على أخطار تهدد نسيجنا الاجتماعي وتهدد وحدة العمل في القضايا المصيرية.
النقاشات الحادة والتراشق بالاتهامات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، تدور بالأساس بين “القائمة المشتركة” بمركباتها الثلاثة (الجبهة، التجمع، العربية للتغيير) وبين مؤيدي القائمة العربية الموحدة إثر انشقاقها عنهم حديثا، وخوضها بقائمة منفصلة انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقبلة، غير أن تيار المقاطعة ليس غائبًا عن هذه النقاشات وما زال يتعرض لحملات التشهير والتخوين وتصوب السهام نحوه، لكن الهجمة عليه هذه المرة، على ما يبدو، أقل قياسًا مع الدورات الانتخابية الأخيرة، لا سيما في وقت خوض الأحزاب العربية انتخابات الكنيست الإسرائيلي بقائمة واحدة “القائمة المشتركة”.
أكثر ما يُلفت الانتباه هذه المرة ويساهم في استعار وتأجيج نار سيل التجريح والتخوين والتكفير، قيام طرفي المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي بإعادة نشر مقاطع فيديو لأعضاء الكنيست العرب تحوي على مواقف وتصريحات هجومية سابقة على معتقداتنا الدينية ومختلف القضايا الوطنية التي كان مسكوت عنها قبل تفكك “القائمة المشتركة”، ما حدا بالقائمة المشتركة (الثلاثية) بتقديم شكوى للجنة الانتخابات المركزية، وشكوى أخرى لشركة فيسبوك ضد الصفحات المستعارة التي تنشر هذه الفيديوهات تحوي على “تخوين وتشويه وتكفير”، بحسب بيانهم، وتقول إنها توصلت إلى الجهات التي تقف خلفها وتتهم صراحة (القائمة العربية الموحدة). بينما الأخيرة ترد على هذه الاتهامات وتطالب (المشتركة الثلاثية) بوقف العنف في الشوارع وتمزيق اللافتات واتهام الآخرين بالأكاذيب، على حد قولهم.
صحيفة “المدينة” تفتح ملف النقاش الدائر حاليا بين القائمتين العربيتين المشاركتين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وتجيب على سؤال: هل النقاش الذي يأخذ منحى التلاسن وتسفيه الآخر هو انعكاس لنقاش سياسي حقيقي بين تيارين؟ أم أنه انحدار أخلاقي وقيمي وصل إلى مستوى لم نشهد له من قبل مثيلا في مجتمعنا العربي الفلسطيني وحتى وهو في أسوأ أحواله؟

وصول الطرفين إلى قاع سيء جدًا
يرى الكتاب والصحفي وعضو لجنة المتابعة، توفيق محمد النقاش بين القائمتين العربيتين المشاركتين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي وصل إلى حد الإسفاف لم يسبق له مثيل بين القوائم العربية المشاركة في الانتخابات الكنيست منذ تأسيسها إلى اليوم، ويقول: “كانوا شركاء حتى الأمس القريب وكانوا وطنيين وأخلاقيين وكل شيء عندهم مقبول وكل يسوق للآخر، لكن انقسام “القائمة المشتركة” على هذا الحال أدى إلى وصول الطرفين إلى قاع سيء جدًا يلقي بظلاله على مجمل العملية السياسية في الداخل الفلسطيني وعلى الناخبين”.
ويتابع: “لا شك أنني كموقف مقاطع لانتخابات الكنيست وأدعو إلى المقاطعة، ولكن الذي نراه أنه على سبيل المثال بقايا “القائمة المشتركة” تُركز في حملتها الانتخابية على تسفيه القائمة الأخرى (القائمة العربية الموحدة) دون أن تتطرق إلى القوائم والأحزاب الصهيونية التي تغزو الشارع العربي بقوة، مثلا حزب (يش عتيد) لم يكن له موطئ قدم في الداخل الفلسطيني وكذلك الأمر حزب الليكود، ناهيك عن بقية الأحزاب الصهيونية. نرى هذه الأحزاب الصهيونية تغزو الداخل الفلسطيني بقوة وتركز في حملاتها الانتخابية على الناخب العربي وهذا لا شك يأتي نتيجة للتراشق الكبير والاتهامات المتبادلة بين الطرفين”.

الكتاب والصحفي توفيق محمد
الكتاب والصحفي توفيق محمد

يضيف: “بقايا “القائمة المشتركة” بدل أن توجه سهامها كما كانت في السابق لدى الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية الكنيستية، حيث كانت الأحزاب العربية تدعو إلى كنس الأحزاب الصهيونية من الداخل الفلسطيني، لكن ما يحصل الآن هو أن بقايا “القائمة المشتركة” تدعو إلى كنس القائمة الموحدة بدل دعوتها لكنس القوائم الصهيونية، وبالتالي تشارك بصورة او بأخرى في نفس الحملة الانتخابية التي قادتها في المشاركة بالعملية السياسية أو حتى في أي حكومة، الخلفية الذهنية عندما تهاجم طرفًا من المفروض أن تكون أنت وإياه شركاء سابقا أن تدعو للطرف الآخر”.
من جانب آخر، يشير محمد إلى أن “”القائمة العربية الموحدة” أيضا حملتها الانتخابية ترتكز على أن تكون (مؤثر، فعال، ومحافظ) ولا أدري كيف سيكون “مؤثر” وتاريخ المشاركة العربية في الكنيست تأثيرها على مجمل السياسة الإسرائيلية يؤول إلى الصفر، وكل يعلم هذه الحقيقة دون استثناء أن مبنى الكنيست الإسرائيلي مصمم لخدمة الواقع الإسرائيلي ضد الواقع العربي الفلسطيني ومصمم لخدمة اليهودي وسلب الفلسطيني حقه وبالتالي فلن تكون مؤثرًا على هذه السياسات بالمرة لأنها ليست سياسات أحزاب فقط إنما سياسات دولة الكنيست”.
ويعتقد توفيق محمد أن كل أعضاء الكنيست العرب يريدون خدمة شعبهم ومنتخبيهم، لكن المنظومة السياسية الإسرائيلية لا تتيح لهم ذلك ولن تتيح لهم ذلك وهم يعلمون ذلك.

محافظ ومؤثر في الكنيست؟؟
أما بخصوص مسألة التأثير ومسألة المحافظة فيقول: “لا أعلم كيف ستكون محافظا وشاذ جنسيا يشغل في منصب وزير الأمن الداخلي، وشاذ آخر يشغل منصب وزير العمل الاجتماعي! كيف ستكون محافظ في مكان هكذا مصمم وهكذا مبني؟ لذلك الاسفاف الذي وصلت اليه القائمتان سيء وخطير جدًا والمرجو منهم أن يتركوا مساحة للعمل ما بعد انتخابات الكنيست، ولا أقصد العمل بالكنيست بقدر ما أقصد العمل المشترك في الداخل الفلسطيني عبر لجنة المتابعة وعبر العمل الشعبي على مختلف الوانه، نحن في نهاية الأمر مضطرون كشعب نحمل نفس الأمل أن نعمل بشكل جماعي وأن نتعاون بشكل جماعي ولا أدري كيف ستعمل تلك الأحزاب بشكل جماعي يعود بالنفع على مجتمعهم وعلى شعبهم وعلى منتخبيهم إذا كان الاتهام الحاصل بينهم الآن يصل إلى حد التخوين والتفكير”.
ويختم الأستاذ توفيق محمد حديثه فيما يتعلق بالمقاطعين ويقول: “لا أرى تراشقا إعلاميا من المقاطعين بقدر ما هو تعبير عن موقفهم وهذا حقهم الشرعي والطبيعي كما أن حق المشاركين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي أن يدعو الناس إلى التصويت لهم، فإن حق المقاطعين المبدئيين في هذه المسألة أن يدعو إلى المقاطعة وأن يكتبوا عن ذلك وهذا حقهم الشرعي ولم أرَ تراشقا اعلاميا من قِلبهم ولم أرَ حدة في التعابير والكتابات والمصطلحات التي يستعملونها بقدر ما أنهم يشددون ويركزون ويؤكدون على مبدئية موقفهم وليس على قضايا أخرى كما هو حاصل بين الطرفين المشاركين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي”.

من يسيطر على من
محمد محسن وتد صحافي ومحرر في موقع (عرب ٤٨) يرى أن “السجال الانتخابي بالسبق والتنافس للعودة إلى الكنيست الإسرائيلي بدورة الانتخابية الـ 24، يعكس مشهد محاولات الهيمنة والسيطرة لبعض الأحزاب والحركات على الجماهير العربية من خلال الكنيست دون تقديم البدائل بإعادة تنظيم الجماهير العربية وانتخاب لجنة المتابعة العليا والعمل إلى جانب الوجود في “الكنيست”.
ويضيف: “لطالما كانت “القائمة المشتركة” عند تأسيسها بالعام 2015 “إرادة شعب” ومشروع سياسي كان من المفروض أن يترتب عليه إعادة تنظيم الجماهير وبناء المؤسسات والجمعيات بالمجتمع العربي لتكون رافعة وحاضنة للعمل السياسي والعمل الجماهيري الميداني، لكن أقتصر هذا المشروع على ترتيب الكراسي والتنافس بين الأحزاب لانتداب أكبر عددها من مندوبيها للكنيست، مع تهميش كامل للحركات والتيارات والأحزاب التي تقاطع الانتخابات الإسرائيلية من منطلق مبدئي”.

الكاتب والصحفي محمد محسن وتد
الكاتب والصحفي محمد محسن وتد

ويلفت وتد إلى أن “هذه التحولات والمتغيرات أتت مع الحظر الإسرائيلي للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح المتواجد بالأسر بالسجون الإسرائيلية، وتراجع قوة التيار الوطني الممثل بالتجمع الوطني الديموقراطي، بسبب الغياب القسري لمؤسسه الدكتور عزمي بشارة، وهي التيارات سواء الوطنية والإسلامية والقومية التي قدمت مشاريع وأوراق عمل من أجل إعادة تنظيم الجماهير العربية وانتخاب لجنة المتابعة وبناء المؤسسات والجمعيات والمجتمع العصامي، بحيث أن المشتركة غيبت هذا المشاريع للحركة الإسلامية وللتجمع. ومع استمرار ديمومة المشتركة بهذا النهج انصهرت الأحزاب التي تشارك بانتخابات الكنيست ضمن قائمة انتخابية وتراجع دورها ميدانيًا وجماهيريًا وغالبيتها ما عاد لها فروعا وحضورا بين الجماهير، وكانت تعود للجماهير في المواسم الانتخابية التي تكررت ضمن 4 جولات انتخابية بغضون أقل من عامين، التي كان محورها شخص رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي يحاكم بملفات فساد”.

استقطاب وتوظيف قضايا خلافية
ويؤكد الصحفي محمد وتد أن “الحالة تفكك “القائمة المشتركة” هذه، وخوض الانتخابات بقائمتين الجبهة وحلفاؤها والحركة الإسلامية الجنوبية وحلفاؤها مع التوجه للانتخابات الرابعة أدت لخلق حالة من الاستقطاب بين الجماهير العربية بتوظيف القضايا الخلافية وتغييب القضايا الحارقة والمشروع السياسي عن أي حملة انتخابية سعيًا لتحفيز العرب للتصويت، سواء لتحالف المشتركة الذي انحاز إسرائيليا لمعسكر المركز واليسار الصهيوني أو تحالف الموحدة الذي انحاز إلى معسكر اليمين والانسياق نحو وهم التأثير على المشهد الحزبي الإسرائيلي وإمكانية الشراكة بالقرار حول هوية رئيس الحكومة المقبل لإسرائيل، بحيث أن وهم التأثير فتح الباب على مصراعيه لعودة الأحزاب الصهيونية إلى البلدات العربية، وهي التي لطالما كانت تنظر للمجتمع العربي كاحتياط في بنك الأصوات. كما وتأطرت حالة من التخوين والتكفير والتشكيك بين شركاء الأمس القريب، وذلك ضمن مساعي بعض المركبات الهيمنة والسيطرة على العمل السياسي للجماهير العربية في الكنيست”
ويختم وتد بالقول: “بغض النظر عن حسم الصندوق ونتائج الانتخابات بالنسبة لما ستحصل عليه المشتركة أو الموحدة، فالخاسر ستكون الجماهير العربية بحال لم يتم تدارك الأمور وإيقاف سيل التجريح والتخوين والتكفير، بدون العودة إلى المربع الأول وهو الجماهير وإعادة إحياء مشروع بناء لجنة المتابعة وتنظيم الجماهير بإقامة صندوق عربي قومي يرفد ويدعم مؤسسات المجتمع العربي لن يكون هناك جدوى من الوجود العربي بالكنيست حتى لو تمثل العرب 20 عضوًا، وهذه مسؤولية جميع الأحزاب والتيارات والحركات السياسية والجماهيرية وخاصة تلك التي لا تتمثل بالكنيست وتقاطع الانتخابات الإسرائيلية لأسباب مبدئية وعقائدية، بحيث لا يكفي أن تطرح شعار المقاطعة في موسم الانتخابات وتغيب هذا الطرح على مدار العام دون أن تطرح البدائل المتلخصة بتنظيم الجماهير وبناء لجنة المتابعة بمعزل عن المشاركة بالانتخابات الإسرائيلية أو التواجد العربي بالكنيست”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى