أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

د. مهند مصطفى في تقييم لـ “المدينة” حول أهم ملامح العام 2020

* التنافس في الانتخابات الإسرائيلية داخل اليمين المتطرف والباقي هم هوامش هذا التنافس

* المسلمون كمجموع يتعرضون لكل أشكال الاضطهاد من انتهاك حريتهم وحتى إبادتهم
* الاستبداد السياسي يُفقد المسلمين والعرب مكامن قوتهم الحضارية
* التطبيع هو نتاج الاستبداد ويهدف إلى تكريسه
* التنافس في الانتخابات الإسرائيلية داخل اليمين المتطرف والباقي هم هوامش هذا التنافس

طه اغبارية
مع انقضاء العام 2020، وما حمل من تزاحم الاحداث على المستوى المحلي والفلسطيني والدولي، أجرت صحيفة “المدينة” هذا اللقاء التقييمي للعام 2020 مع الدكتور مهند مصطفى، رئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في الكلية الاكاديمية بيت بيرل، ومدير عام مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، وبمناسبة إصدار الكتاب الجديد “إسرائيل في عقدها الثامن: أبعاد القوة وحدودها” الذي قام على تحريره د. مهند، وشارك فيه نخبة من الباحثين الفلسطينيين من الوطن والشتات.

المدينة: كيف تقيّم العام 2020؟
هذا سؤال صعب من ناحية العلوم الاجتماعية والتاريخ، وأفهم حاجته إعلاميا، بالنسبة لنا هذا العام هو استمرار لتحولات تحدث على المستوى المحلي الفلسطيني والاقليمي والدولي. ولكن أهم ما فيه برأيي ليس اتفاقيات التطبيع أو طرح صفقة القرن، وطبعا جائحة كورونا. أهم ما فيه هو استمرار حالة انحطاط المسلمين والعرب الذي وصل ذروة أخرى هذا العام، وتعزيز اضطهاد المسلمين كمجموع وكثقافة ودين في العالم. اضطهاد المسلمين والعرب هو جزء من حالة الانحطاط التي يمرون بها، وسببها الأساسي هو الاستبداد السياسي الذي يُفقد المسلمين والعرب مكامن قوتهم الحضارية، والاقتصادية والسياسية. وإذا رتبنا العام 2020 ضمن هذه المنظومة فهو عام خطير جدا، استفحل فيه الاستبداد السياسي، واضطهاد المسلمين كمجموع وأفراد. اتفاقيات التطبيع هي نتاج الاستبداد السياسي الذي تغنى بفلسطين سابقا لإسكات أصوات الإصلاح السياسي والآن يطبّع معها لتعزيز الاستبداد وإعادة تشكيل المنطقة يكون فيها الاستبداد السياسي حالة منتهية فيها.

المدينة: انتهى العام 2020 بتقديم موعد انتخابات الكنيست، هل سيتغير المشهد السياسي الإسرائيلي بعدها؟
لا، المنافسة الآن هي داخل اليمين فقط، واليمين المتطرف تحديدا، ليس هناك دولة أخرى في العالم تجري فيها انتخابات بين أقطاب اليمين المتطرف إلا في إسرائيل، وهذا يدلّ على حال المجتمع الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية. كانت دورة الانتخابات السابقة عبارة عن تنافس بين يمين تقليدي مثّله حزب كاحول لفان، ويمين شعبوي متطرف مثّله الليكود، الآن التنافس بين يمين متطرف بالسلطة يمثّله نتنياهو، ويمين متطرف يسعى للسلطة يمثّله غدعون ساعر وبينيت، وهو ليس تنافس أيديولوجي على السلطة، بل رغبة مركب من اليمين المتطرف إسقاط زعيمه التقليدي، ما عدا هذا التنافس، فإن الباقي هم هوامش حول هذا التنافس، حتى الجنرالات الذين حاولوا التغيير فشلوا.

المدينة: هل انتهى عهد الجنرالات في السياسة الإسرائيلية؟
نعم، وأعتقد أن ارييل شارون كان آخرهم، لا يعني ذلك أنه لن يكون للجنرالات مكانة في الحقل السياسي الإسرائيلي، ولكن لن تكون خلفيتهم العسكرية ذات افضلية في بلورة أنماط التصويت لدى الإسرائيليين. في العقدين الماضيين دخل جنرالات للمشهد السياسي أكثر من أي فترة أخرى في تاريخ إسرائيل، وفشلوا واحدا تلو الأخر، من فؤاد بن اليعزر، عمرام متسناع، شاؤول موفاز، ايهود براك، وآخرهم جنرالات كاحول لفان، غير الضباط الاقل رتبة عسكرية منهم الذين حاولت الأحزاب ترصيع قوائمها الانتخابية بأسمائهم، وسقطوا تباعا أمام بنيامين نتنياهو. والذي ينافس نتنياهو اليوم على رئاسة الحكومة ليسوا جنرالات.

المدينة: هل يتعلق ذلك بوجود نتنياهو واستمرار حكمه؟
نتنياهو هو واحد من العوامل، ولكنه ليس الوحيد، هنالك عوامل أخرى أو تحولات أخرى مرّت بها إسرائيل، وأهمها حالة الاستقرار الاستراتيجي غير المسبوقة في تاريخها، وغياب التحديات الاستراتيجية ذات الطابع العسكري عليها، ولكن يعود ذلك أيضا أن المجتمع الإسرائيلي يمرّ بتحولات مهمة، منها تراجع القيمة العسكرية في المجتمع الإسرائيلي مقارنة عما كانت عليه في الماضي، وذلك بسبب سيطرة ثقافة السوق والليبرالية الاقتصادية، وحضور تأثير قطاعات اثنية واجتماعية أكثر مما كان في الماضي مثل الشرقيين، والروس والطبقة الوسطى، وكل فئة لا ترى في الجنرالات بديلا سياسيا عن الواقع الحالي. علاوة على ذلك، استطاع اليمين الإسرائيلي تحقيق معادلة مذهلة في الخطاب السياسي، تعزيز قيم القوة والعسكرتارية من جهة، وتقزيم دور المؤسسة العسكرية في القرارات السياسية من جهة ثانية، وهنا نتنياهو كان له دور بارز في ذلك. وأهم من كل ذلك الصراع الاجتماعي والسياسي على الجيش، فلم يعد الجيش الإسرائيلي جيش الشعب كما كان في الماضي، بل هناك صراع بين فكر مليشيوي وفكر مهني حول الجيش، الفكر المليشيوي الذي يريد من الجيش أن يتصرف بناء على مصالح وقيم قطاع معين في المجتمع الإسرائيلي، مما يحوّله إلى ميليشيا، وبين توجه مهني الذي يريد للجيش أن يتحوّل إلى جيش مهني صغير وذكي، وفي الحالتين تراجعت مكانة الجيش الإسرائيلي كجيش الشعب.

المدينة: ما مصير القائمة المشتركة في الانتخابات القادمة؟
المشهد السياسي الإسرائيلي همّش القائمة المشتركة عندما كان التنافس بين يمين تقليدي ويمين متطرف، الان سيتم تهميشها أكثر، فلا أحد بحاجة إليها، حتى نتنياهو ليس بحاجة إلى التحريض عليها، فسواء حصلت على 11 أو 15 فإنها لن تؤثر على تشكيل الحكومة القائمة. اعتمدت المشتركة في خطابها السياسي على الترويج لقدرتها على اسقاط اليمين، وصوّت الجمهور لها بسبب هذا الوهم، وأنا اتفهم قناعة الجمهور العربي بذلك، فقد حدثت ثغرة في السياسة الإسرائيلية تمثلت في رفض ليبرمان الانضمام إلى حكومة نتنياهو في نيسان 2019، واعتقدت المشتركة أن هذه الثغرة ستُمكنها من لعب دور في اسقاط نتنياهو، ولم تفهم حقيقتين ثابتتين في السياسة الإسرائيلية، الأولى، أن النظام السياسي الإسرائيلي لن يسمح لها بالتأثير على تقرير مصير أي حكومة في إسرائيل. والثانية أن هذه الثغرة هي عابرة، لذلك لم يحدث شيء مما روّجت له المشتركة حتى مع هذه الثغرة، فما بالك الآن. مأساة المشتركة أنها عززت تمثيلها على خطاب إسقاط اليمين، ويظهر فيها نائب جاهل بالسياسة الإسرائيلية وتاريخها ونظامها، وحتى بتاريخ العمل السياسي العربي، ويروّج لخطاب هو أصلا نقيض مصدر قوة المشتركة، أي التحالف مع اليمين وفق مصالح مطلبية. على كل حال، فقدت المشتركة مصدر قوتها عبر تجربتها الأخيرة هي نفسها، وفقدت قوتها عبر فكرة وحدتها بسبب خلافها الداخلي، الأزمة الكبرى أن خطاب وسلوك هذا النائب حوّل خطاب التحالف مع اليسار الصهيوني كخطاب وطني مقارنة معه. وكلاهما وهم ولا يعول عليهما لا وطنيا ولا حتى سياسيا.

المدينة: لنعود إلى الحالة الفلسطينية العامة، فشلت مساعي الوحدة والمصالحة الفلسطينية؟
نعم، كانت هذه المساعي بعد صفقة القرن واتفاق التطبيع مع الامارات أكثرها جدية بنظر الكثيرين، ولكن بعد فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية أفشلها محمود عباس. الآن ليس هناك مكان لسرديات مختلفة حول من أفشل المصالحة، هناك حقيقة واحدة، السلطة الفلسطينية أفشلتها وذلك لسبب بسيط، لأن المصالحة كانت بالنسبة لها مجرد تكتيك سياسي للضغط على القوى الاقليمية والدولية، ولم تكن المصالحة بالنسبة لها مشروعا وطنيا. أنا شخصيا حذرت عبر الكثير من الندوات مع فلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والشتات من هذا الأمر، وتوقعت ذلك، وأردت تكذيب نفسي لحماسة رأيتها في وجوه زملاء فلسطينيين. ولكن بعد فوز بايدن أجهض ابو مازن هذه الجهود بلحظة، لأنه يريد الرهان على الرئيس الأمريكي وليس على وحدة الشعب الفلسطيني. مأساة القضية الفلسطينية منذ أيلول الاسود عام 1970 أننا نعود على نفس الاخطاء، ليس هنالك حركة تحرر وطني أصابها ذلك مثلما أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية. إسرائيل تتقدم على مستوى تجريم الحق الفلسطيني على المستوى الدولي، والسلطة الفلسطينية لا تزال تراهن بنفس الأدوات القديمة، إسرائيل حققت إنجازات كبيرة على المستوى الدولي ضد الحق الفلسطيني وأخطرها تعريف جديد وخطير لمناهضة السامية، وبعد قليل سيصبح حق العودة في المجال العام الاوروبي جزء من معاداة السامية.

المدينة: ذكرت أن العام 2020 شهد تعريفا جديدا لمناهضة السامية، وهو تعريف خطير، كيف ذلك؟
لقد كتبت مقالا مطولا حول ذلك، ربما لا نشعر نحن بذلك هنا في البلاد، وهذا دليل أن التعريف الجديد جزء من القوة الناعمة الإسرائيلية على المستوى الدولي، وتحديدا في أوروبا، ضد الفلسطينيين ومناصريهم. ولكن لن يطول الوقت حتى يطالنا نحن أيضا. بدأ النقاش حول العداء للسامية قبل قرار البرلمان الفرنسي التاريخي أواخر عام 2019 بربط مناهضة الصهيونية كشكل من أشكال معاداة السامية. بدأ هذا السجال بُعيد قرار منظمة “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الكارثة” بتوسيع تعريف معاداة السامية ليشمل عمليا كل نقد على الصهيونية وإسرائيل كمشروع جماعي. حيث يتحول حق العودة جزء من معاداة الساميةـ مثلا. تبنى “الراصد الاوروبي للعنصرية وكراهية الاجانب” التابع للاتحاد الاوروبي هذا التعريف ايضا. أوروبا التي تعتبر الإساءة للرسول الكريم، حرية تعبير ونقد الصهيونية جريمة. حيث تم تبني التعريف من جميع دول الاتحاد الاوروبي بما في ذلك بريطانيا. تثير هذه الحقيقة أمرا هاما في المقاربة الاوروبية للصهيونية كحركة قومية تعبر عن المجموع اليهودي. فالتعريف الأوروبي يتعدى التصدي لمعاداة السامية في مجتمعاتها ضد مواطنين يهود في هذه المجتمعات، بل يمتد ويتواصل التعريف ويرمي لصد النقد عن حركة قومية، استعمارية في نظر الفلسطينيين على الأقل، نفذت مشروعها السياسي، القومي والاستعماري خارج حدود أوروبا. والمهم أنه يحمل نزعة تجريمية حسب القانون حتى لمن ينتقد المشروع الصهيوني الموجود على أرض خارج الحدود الأوروبية. والأهم تخصيص قانون وتعريف خاص لمعاداة السامية خارج قوانين العنصرية والكراهية في الدول الأوروبية، دون اعتبار أن مجموعات أخرى تعاني من الكراهية أكثر من المواطنين اليهود، مثل المواطنين المسلمين والمهاجرين. كما ذكرت، أقرّ البرلمان الفرنسي هذا التعريف بدعم من الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يعظنا بحرية التعبير عندما يتم المسّ بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ويجرّم نقد الصهيونية. هذه هي فرنسا المنافقة والاستعمارية.

المدينة: يشرع قانون تجريم نقد الصهيونية، وفي نفس الوقت يتم التضييق على المسلمين في فرنسا؟
العلمانية الفرنسية تحولت إلى دين، ولكنها لا ترى نقيضها إلا في الاسلام ووجود المسلمين والعرب. وأصلا يرى اليمين الفرنسي، الذي يدّعي حفاظه على قيم الجمهورية، في الدين المسيحي جزء من منظومته الاخلاقية، وهذا شأن كل اليمين الجديد في أوروبا، وماكرون إنسان جاهل وفاشل يحاول أن يحاكي اليمين في فرنسا. ومن السخافة الحديث عن امتحان حرية التعبير عن الرأي في الدفاع عن المسّ بمقدسات المسلمين، وليس حتى كل الاديان، لان المسّ بمقدسات المسلمين بات امتحان حرية التعبير في الجمهورية الفرنسية، وهو جهل في مفهوم الحرية حتى في التفسير الليبرالي لها. ويحدث كل ذلك في الوقت الذي فيه الاعتداء على المسلمين في اوروبا هو الاكثر انتشارا في القارة وفي فرنسا تحديدا. فقد تم تسجيل في فرنسا 676 حادثة اعتداء على المسلمين كلاميا وجسديا وعلى مقدساتهم، مسجلة ارتفاع 52% في عدد الاعتداءات مقارنة مع العام 2017، وليس عندي شك انه ارتفع ايضا في العام 2019 و-2020. ولو وقعت بضعة هذه الاعتداءات على المواطنين اليهود لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكن لا يجد البرلمان الفرنسي والاتحاد الأوروبي سوى توسيع تعريف معاداة السامية التي باتت هامشية في أوروبا مقارنة مع معاداة المسلمين والاسلام، والتحريض على المسلمين. وفي بريطانيا حدث ارتفاع في مظاهر الاسلاموفوبيا بنسبة 415 % في الفترة 2011-2018، وفي ألمانيا كان هناك 40 اعتداء على المساجد عام 2018، وتعاني المرأة المسلمة المحجبة من أعلى نسبة اعتداءات جسدية في الحيز العام، ففي بلجيكا 76% من الاعتداءات كانت ضد النساء المسلمات. لذلك فإن مواعظهم عن حرية التعبير لا تهز شعرة من رأسي لا نظريا، ولا تاريخيا ولا واقعيا. وهذا ماكرون عندما كرّم شخص من المسلمين والعرب كرّم مستبد مثل السيسي، يظهر نظام حسني مبارك أمامه كجنة على الأرض.

المدينة: ولكن يتهم المسلمون بالإرهاب، وان ما يحدث هو رد فعل على ارهاب المسلمين؟
علمنا ابن خلدون وميشيل فوكو قاعدة انطلق منها في مقاربتي لكل مقولة، وهي العلاقة بين القوة والمعرفة، هنالك انتاج لمعرفة من طرف المستعمر ضد العرب والمسلمين، معرفة مهيمنة على الاعلام وفي الأكاديميا تحاول وسم المسلمين بالإرهاب، ومما يساعد على ذلك هو ضعف المسلمين. لاحظ أنه بعد تصريحات ماكرون الجاهلة عن الاسلام وتحريضه على المسلمين والاسلام لم يخرج صوت عربي واسلامي رسمي قويّ ضده إلا القليل. انها حالة انحطاط سياسي واخلاقي. تتحول المعرفة إلى حالة ايديولوجيا عند دراسة المسلمين، مثل المقولة المنحطة التي يرددها اليمين الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي أنه ليس كل المسلمين ارهابيين ولكن كل الارهابيين مسلمين. وتصبح مقولة منتشرة في الاعلام اليميني في العالم وفي الخطاب الشعبوي الغربي. وهذا كذب، فعلى سبيل المثال، منذ عام 2000 حتى عام 2013 حدث في الولايات المتحدة 207 عمل ارهابي، أربعة منها فقط نفذتها القاعدة، وهي فصيل هامشي في المدرسة الاسلامية. باقي العمليات الارهابية نفذتها مجموعات ارهابية مختلفة، وخاصة من اليمين الأمريكي. منذ عام 1970 حتى 2013 كان في الولايات المتحدة الأمريكية 2600 عملا ارهابيا، ما نفذته حركات اسلامية متطرفة لا يصل عدد اصابع اليد، هذا دون ادراج الحركات الارهابية في الهند وآسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى في أوروبا، خذ مثلا الهند كان هناك معدل 250 عمل ارهابي كل عام خلال التسعينات أغلبها قامت به حركة دينية للسيخ وقسم كبير منها موجه ضد المواطنين المسلمين في الهند. صحيح أن المسلمين في أزمة، وليس الاسلام، كما قال الجاهل ماكرون، ولكن التعبيرات العنيفة المنظمة عن الأزمة هي قليلة من مجمل التعبيرات القائمة، هذا إذا شملنا مناهضة الاستبداد والاحتلال كجزء من منظومات العنف غير المشروعة غربيا، لذلك فإن وسم المسلمين بالإرهاب هو جزء من خطاب استعماري استشراقي له دوافع سياسية تتمثل في الهيمنة والقوة، وناتج أيضا عن ضعف المسلمين سياسيا ومعرفيا.

المدينة: إذن، ما يحدث هو اضطهاد للمسلمين في أوروبا وليس محاولة لسيطرة للمسلمين عليها؟
هذا ادعاء كاذب لليمين الإسرائيلي والأوروبي والخطاب الشعبوي هنا وهناك، المسلمون في أوروبا يريدون الاندماج في المجتمعات الأوروبية مع الحفاظ على هُويتهم الدينية، وهو حق تتحدث عنه كل الأدبيات النظرية في الفلسفة السياسية المعاصرة، وحتى المواثيق الدولية. فرنسا ودول أوروبية أخرى هي من تنتهك هذا الحق عبر تشريعات قانونية خاصة بالمسلمين، مجرد التفكير بذلك هو مذهل. فضلا عن أن نسبة المسلمين في اوروبا قبل الهجرة الاخيرة من سوريا تصل إلى 5%، وتصل في فرنسا إلى حوالي 9%، وفي ألمانيا 6%، ليس هنالك مجموعة اسلامية في دولة اوروبية مسيحية تتجاوز 10%. أريد أن أقول لك اكثر من ذلك، إذا نظرنا إلى مسألة الاضطهاد الديني في العالم الآن، نجد أن المسلمين هم من يعانون من اضطهاد ديني على مستوى جمعي كمجموعة وليس كأفراد فقط، اضطهاد ديني يتراوح بين منع الشعائر الدينية والاعتقال الجماعي مثل ما يحدث لمجموع المسلمين الايغور في الصين، مرورا بتشريعات قانونية قرون وسطية ضد المسلمين مثل ما فعلت حكومة نارندا مودي في الهند، وانتهاء بالإبادة الجماعية كما يحدث لمسلمي الروهينغا في ميانمار. أضف إلى ذلك تشريعات قانونية في أوروبا خاصة بالمسلمين كمجموع مثل منع بناء المآذن.

المدينة: بعد مرور نحو عشر سنوات على الثورات في العالم العربي، وما اصطلح عليها اسم “الربيع العربي”، ماذا حدث لهذا الحلم الربيعي؟
الثورات العربية هي أعظم حدث كان للعرب في التاريخ المعاصر، كانت ثورات ضد الاستبداد الذي استبدل الاستعمار، هي معركة أو ثورة حول الاستقلال الحقيقي للشعوب العربية، حركات التحرر ضد الاستعمار حررت الاوطان، لكنها لم تحرر الشعوب، هذه الثورات هي ثورة من اجل استقلال الشعوب ضد الاستبداد والطغيان، والطغيان هو أكبر من الاستبداد كما علمنا القرآن الكريم.. وفي الحقيقة أن هذه الثورات أيضا كانت ستحرر الاوطان لأنها احتلت من طغم عسكرية وطائفية وعائلية.. أنا متفائل من هذه الثورات رغم العثرات، ونحن نستعجل نتائجها، الثورة الفرنسية قطفت ثمارها بعد ثلاثين عاما من انطلاقتها، ولم يتآمر عليها أحد كما تكالب على الثورات العربية، قوى إقليمية ودولية رأت فيها تهديدا لعروشها، وهيمنتها، لأنها تعطي الشعوب القرار وتعيد السيادة للشعوب وليس لحكام مستبدين، والثورات كانت خطوة نحو تحرير فلسطين لأن المشروع الصهيوني يخاف من الديمقراطية في المنطقة العربية، لأنها تعيد القرار للشعوب، ولدى الشعوب فلسطين هي ضميرهم وقضيتهم الأولى، لذلك حاولت إفشال الثورات، ورأت أن أقصر طريق لذلك يكون من خلال الانقلاب على الثورة في مصر، فاستبدل الاستبداد هناك الذي مثّله مبارك بنظام طغيان مثله، السيسي. إن مصر كانت مفتاح نجاح الثورات أو تعثرها، لذلك تحالفت قوى إقليمية ودولية على إفشال التجربة الديمقراطية هناك، وليس أدل على ذلك ما قاله اوباما في كتابه الأخير الارض الموعودة، إن ولي عهد ابو ظبي قال له إذا نجحت مصر ستسقط أنظمة غربية أخرى تباعا. ولكن لا يجب اليأس بل الأمل أن هذه الثورات لا تزال في خضمها ولم تنته بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى