أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (15)

عائشة حجار
هل هناك علاقة بين “شهيد تاكالا” الذي خدع الكثيرين بدعوى قدومه إلى المسجد الأقصى مشيًا من جنوب افريقيا، والكوارث التي يرتكبها منصور عباس في الكنيست؟ وهل لهذا علاقة بما نتحدث عنه كل إسبوع هنا- الاعلام الحديث؟ طبعًا!
لنفكك الامور ونركبها من جديد: نحن الفلسطينيون في الداخل الفلسطيني لا نعاني فقط من الاضطهاد السياسي، بل إننا أيضًا نعاني تفقيرًا وتجهيلًا وتعنيفًا. هناك من يهتم أن نبقى تحت ضغط دائم يجعلنا نركض وراء فتات يسد رمقنا للحظات لا أكثر، هناك من يهتم أن نأخذ الديون، الكثير منها، حتى نبقى فقراء وإن كان مدخولنا جيدًا، ويبقى سقف طموحنا لحظة من الهدوء، شارع أمام البيت، خط كهرباء، أشياء بسيطة في الحياة. لنتغلب على هذا الضغط الدائم، نستخدم الإعلام الحديث للهروب من واقعنا، هناك نظرية كاملة حول هذا النوع من الاستخدام، نحاول أن نحظى بعالم هادئ وجميل ولو للحظة، عالم فيه قصص مفرحة، عالم لا نكون فيه أقلية مضطهدة. المشكلة في هذا الهروب أنه يأتي على حساب واقعيتنا، كلما هربنا أكثر أصبحنا أقل وعيًا للواقع، وأكثر تعلقًا بالرواية الاعلامية الدارجة. الرواية الاعلامية الدارجة في السنوات الاخيرة بائسة، سطحية وخالية من المضمون، الرواية الإعلامية الدارجة في السنوات الخمس الاخيرة هي أيضًا رواية تعادي حجر الأساس في الرواية الواقعية الفلسطينية: أننا ابناء هذه الارض، سكانها الاصليون وأن حقوقنا ليست منّة من أحد.
لنعد لمنصور عباس، الرجل يعلم جيدًا أن مجتمعنا يُسقى بتقديس الفتات منذ مدة، ويعلم أن 30% من المصوتين في الانتخابات، الذين صوّتوا لأحزاب صهيونية، ناضجون لخطاب دوني يرون فيه أنفسهم مجرد أقلية لا حق لها إلا بعد تقديم “الواجبات”، في الواقع فظاهرة منصور عباس علامة خطرة تجعلنا نقلق من مستقبل شبابنا، وهي إحدى ثمار خطاب الأقلية الذي تبنته القائمة المشتركة. خطاب الفتات هذا يجب أن تتم محاربته بكل السبل المتاحة لأننا قد ندفع ثمنه من دماء شبابنا، لا أقل، عندما تمر المزيد من أخوة قانون درومي وكامينتس من تحت الرادار، الذي يقول إن من لا يصوّت يجب أن يسلّم بطاقة هويته وإن بعض الأموال تبرر إنقاذ زعيم اسرائيلي لم يقدم للعرب سوى الكراهية، هذا الشخص يمكنه أن ينظر إلى عينيك ويقول “إذا لم تبن بيتك كما تقرر الدولة فلا تشتك عندما يهدم هذا البيت”، يمكنه أن ينظر في عيني ابنك ويقول “تستحق أن يطلق الشرطي عليك النار إذا مشيت في مظاهرة ضد الحكومة”.
ما علاقة هذا البؤس بشهيد تاكالا؟ الرجل فعل شيئا يشبه ما فعله منصور عباس، حاول بيع الوهم للناس. كل من شاهد مقطع الفيديو بقليل من التركيز يرى أن بعض التفاصيل التي يرويها الرجل غير منطقية، إذًا لماذا صدقناه؟ لأننا ببساطة نمرّ بواقع مؤلم، لأننا نحتاج لاي شظية من قصة تقول لنا إن عالمنا جيد، نحن مستعدون أن نتغاضى عن تفاصيل غريبة وعن بعض التطبيع الخفيف لكي نستمع إلى قصة فيها فتات من الأمل، نحن ببساطة نريد أن يتم خداعنا. احذر من إغواء الفتات، تذكر من أنت، لأنك ابن المكان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى