أخبار عاجلةمقالات

في بيتي: “أحزاب وتحالفات”

د. نسرين حاج يحيى- محاضرة ومستشارة زوجية وعائلية

في هذا المقال نطرح ونتداول إحدى الديناميكيات الأسرية الهدامة ألا وهي التحالفات الأسرية.

أحزاب من نوع خاص

كلنا عايش فترات الانتخابات وانكشف على أحداثها وأجوائها، وكم ألفنا أن فيها تكثر الأحزاب وتبرز التحالفات بين الكتل المختلفة، ويسعى كل تكتل أن يكون هو الأبرز والأقوى، ليفوز ويصبح صاحب السيطرة والمكانة وبيده النفوذ وله القدرة على اتخاذ القرارات. ولكن يا ترى عالم الاحزاب هذا والكتل يقتصر فقط على الحلبة السياسية؟

للأسف الإجابة لا! حيث إن هذا العالم يجد طريقه للعائلات ويخترق المنظومة الاسرية وقد يكون له الاثر المدمر أحيانا على سلامة العلاقة بين أفرادها. علما أنه وإن كان وجود الأحزاب أمرا مستحبا لما يدعى بالأنظمة الديموقراطية فهو مرفوض بالنظام الأسري، وهو من المظاهر المضرة له والتي قد تؤدي به الى الهلاك.

ما المقصود بالتحالفات الاسرية؟

إن أهم ما يميز الأسر هو التفاعل بين أفرادها، إلا أن أحد أهم أشكال التفاعل الخاطئ بين الافراد هو التحالف الأسري بين شخصين أو أكثر، بحيث يحدث بينهما ترابط وتحالف معلن وغير معلن سواء بشكل واعي أو باللاوعي. وما يميز هذا الترابط أنه يعني الولاء بين الافراد المتحالفين وحتى التعصب الواحد للآخر، وذلك مع استثناء باقي أفراد الأسرة، ممّا يخلق التكتلات فتتبدل أجواء الوحدة الجماعية التي يجب أن تكون الأساس في كل كيان أسري إلى أجواء مشحونة، بل قد تتحول إلى حرب باردة وقد تحتدم الى حرب حقيقية تقطع أواصر الأسر وتؤدي الى القطيعة بين الأرحام، وكم هي كثيرة في زمننا هذا.

أشكال التحالفات الاسرية:

من الممكن أن تكون التحالفات بأشكال مختلفة ومنها:

– بين كل الأبناء ضد الآباء.

– بين قسم من الأبناء ضد الآباء والقسم الآخر من الأبناء يكون مؤيدا للآباء.

– بين كل الأبناء ضد واحد من الأبوين.

– بين قسم من الأبناء ضد واحد من الأبوين.

– بين كل الأبناء والأم ضد الأب.

– بين قسم من الأبناء والأم ضد الأب.

– بين كل الأبناء والأب ضد الأم.

– بين قسم من الأبناء والأب ضد الأم.

– بين الأبناء أنفسهم.

آثارها السلبية:

إن أخطر ما في التحالفات الأسرية هو كونها تفرق بين أبناء الأسرة الواحدة وتدمر روح التعاون وتشرذم الشراكة وتقضي أحيانا على الترابط والمودة والرحمة فيما بينهم. وبهذا فإن الاسرة التي من المفروض أن تكون الملجأ الذي نلجأ اليه ليحضننا بحضنه الدافئ وليكون لنا السند ويزودنا بالدعم بكل اشكاله وعلى رأسه الدعم المعنوي، يتحول الى جحيم يتسم بالبرود والمشاحنات والتعصبات والصراعات لا يطيق أحد منا أن يعيش في كنفه. وبهذا فإننا بدلا من أن نستمد من الأسرة القوة والاستقرار والسلامة النفسية والمعنوية نكتوي بالألم من النبذ أو العزل أو التفرقة أو البرود ممن هم أهم وأقرب الناس إلينا ليس لذنب اقترفناه ولكن لأننا لسنا من حزبهم أو جزء من تكتلهم.

إذا ما السبيل لمواجهة هذه التحالفات في الأسرة:

اولا: كما سبق وذكرنا فإن الاسرة هي أهم مجموعة ينتمي إليها الانسان طيلة عمره لما لها من وظائف تربوية-نفسية- اجتماعية-مادية ولما لها من أهمية لبناء الصحة النفسية السوية للإنسان، لذا فمن المهم ألا نقبل بأجواء التحالف داخل الأسرة بأي شكل من الاشكال ونرفض كل ما يعرض الأسرة الواحدة للتفكك.

ثانيا: على الأهل أن يكونوا القدوة لأبنائهم والامتناع امتناعا باتا عن استخدام الأولاد في النزاعات الدائرة بينهم وجعلهم طرفا من النزاع من خلال تحريضهم أو حتى منعهم من التواصل مع الوالد الآخر أو رفضه والاستياء منه، لأن هذا قد يمزق ويشتت الأولاد أنفسهم. ثم كيف لنا أن نستغل الأبناء وأن نقحمهم في حروبنا الدائرة والتي هي ليست الا مع هم من أهم أشخاص في حياتهم وكيف لنا ان “ننتصر” في مشاحناتنا على حساب أبنائنا وصحتهم وسلامتهم.

ثالثا: علينا الالتفات للتريبة للقيم والاهتمام بالأخلاق والالتزام بالشرع الحنيف والحث عليه لأنه الرادع لكل تصرف مضطهد والمانع بإذن الله لكل التوجهات الانانية والتي من شأنها تفرقة الأسرة. ذلك أن ديننا الحنيف يحث على روح الجماعة والتعاون والتكافل والالتزام به، لهو حقا خير كفيل لرد كل تحالف أسري.

رابعا: على الاهل أن يكونوا على قدر من الوعي والفطنة للتنبه لوجود تحالفات بداخل الأسرة وتفكيكها ويمكن ذلك بشكل مباشر من خلال المواجهة والحوار وممكن أيضا من خلال المبادرة بالقيام بخطوات تعزز من روح التعاون والتكافل والترابط والتقارب الأسري. ومن الضروري الاهتمام جدا بتشجيع الأبناء وتعزيزهم عند التعاون والتقارب فيما بينهم.

خامسا: إن الخطورة كامنة أكثر في حالات الانكار لوجود تحالف أو عند عدم الوعي لدى أفراد الأسرة والادراك لوجود تحالفات أسرية. ويوصي في مثل هذه الحالة وخاصة عندما تكون الأجواء في الأسرة مشحونة أو باردة وتكون الأسرة غير سعيدة أو مستقرة أو تعاني من الصراعات القاسية، التوجه لاختصاصي يدعم الأسرة ويشخص التكتلات العائلية فيها ويفحص سببها والطريق لتفكيكها وبناء تفاعلات أسرية صحية سليمة.

وأخيرا، نختم بالتأكيد على نعمة الأسرة وكما هي النعم غالية وعلينا المحافظة عليها كذا هي الأسرة، فلنتشبث بها ونستثمر بها وبأفرادها وعلاقاتها فالرابح الاول من هذا الاستثمار هو نحن أنفسنا ثم أغلى الناس إلينا وأقربهم علينا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى