أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

الصين VS الهند.. محوران جديدان يتنافسان في آسيا

تتغير التحالفات الدولية وتتبدل باستمرار، فلا الحليف يظل حليفًا دائمًا، ولا العدو يبقى للأبد عدوًا؛ إذ تلعب المصالح دورها في تقريب أو تنفير دولة من أخرى. ومن يتأمل جيدًا خريطة التحالفات السياسية في القارة الآسيوية، يلحظ أن هناك تحالفات ومحاور جديدة تتشكل فيما تضمُر أخرى.
تُلقي السطور التالية إطلالة على بعض من أهم تلك المحاور المحتملة التي تتبلور على نار هادئة في جنوب وشرق قارة آسيا.

الصين إيران.. ملامح محور يتشكل
كانت البداية زيارة هي الأولى من نوعها للرئيس الصيني، شي جين بينج، لإيران عام 2016، اقترح فيها شراكة بين البلدين، وهو اقتراح لاقى قبولًا كبيرًا من حكومة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في يونيو (حزيران) من ذلك العام.
في تلك الزيارة رفعت الصين علاقاتها مع إيران إلى «شراكة إستراتيجية شاملة»، وأوصى شي البلدين بإعطاء الأولوية لزيادة التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والقدرة الصناعية والتمويل، جميع المجالات التي تندرج تحت التعاون في مبادرة «الحزام والطريق».
وفي 11 يوليو (تموز) الماضي، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن وثيقة مسربة من 18 صفحة تتضمن خططًا بقيمة 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والتكنولوجيا وقطاعات أخرى من الاقتصاد الإيراني مقابل النفط الإيراني الرخيص. وقالت الصحيفة الأمريكية في تقريرها: «إن إيران والصين وضعتا في هدوء مسودة اتفاق شراكة اقتصادية وأمنية بالغة الأهمية، قد تمهّد الطريق أمام تدفق مليارات الدولارات في صورة استثمارات صينية في قطاع الطاقة وقطاعات أخرى داخل إيران».
ومن شأن الشراكة المقترحة توسيع نطاق الوجود الصيني في قطاعات الصرافة والاتصالات عن بعد والموانئ والسكك الحديدية والعشرات من المشروعات الأخرى. وفي المقابل، ستحصل الصين على إمدادات منتظمة مخفضة القيمة بشكل كبير من النفط الإيراني على مدار الأعوام الـ25 القادمة. كما تشير الوثيقة إلى تعميق التعاون العسكري بين البلدين؛ الأمر الذي ربما يتيح لبكين بناء معقل لها داخل منطقة كانت الهم الإستراتيجي الشاغل للولايات المتحدة على مدار عقود.
وجدت إيران في خضم معاناتها بسبب العقوبات الأمريكية الحادة والانكماش الاقتصادي، ضالتها في الشراكة مع الصين، التي تمنحها شريان حياة جديد يُخفف عنها وطأة العقوبات.
عند النظر إلى إعادة ترتيب توازن القوى الدولية بمحاولات إيران استقطاب حلفاء إستراتيجيين، نجد أنّ الأمر لا يخدم الطموح الإيراني وحده، وإنّما يخدم كذلك تطلعات الصين التي تكافح لتصبح دولةً مركزيةً في الشرق. وترى بكين في الشراكة مع طهران فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي وإيجاد موطئ قدم لها في منطقة حيوية يُمَكنها من الضغط على الولايات المتحدة وتهديد مصالحها في المنطقة.

تهديد تخشاه واشنطن
بالرغم من الجلبة التي أثارتها تلك الاتفاقية المحتملة، وما قد ينتج عنها من تغيير في موازين القوى، إلا أن اتفاق الشراكة لم يعلن رسميًا حتى الآن، ومن المحتمل أن تكون الحكومة الإيرانية هي من سرب مسودة الاتفاقية غير الموقعة؛ إذ بدا أن طهران حريصة على نشر تلك الوثيقة المكتوبة بالفارسية.
في المقابل تبدو بكين مترددة في مناقشة الصفقة علنًا، ناهيك عن إصدار أي شكل من أشكال التأييد. قد يكون رد فعل الصين غير المتحمّس ناتجًا عن الانزعاج من تسريب إيران للوثيقة، وهو حساب التكلفة والعائد الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة تسميم علاقة الصين الحيوية مع واشنطن – خاصة في ظل الحرب التجارية الحالية – وكذلك المخاوف من إلحاق الضرر بسمعة بكين بين شركائها الآخرين في الشرق الأوسط. ومع ذلك لم تتخل الصين عن الوثيقة أيضًا.
لكن بعض المحللين السياسيين يرون أن مخاوف شركاء الصين في الشرق الأوسط من هذه الشراكة غير مبررة.
كتب الباحث الصيني، شنج تشانج، في مقال نشره «معهد واشنطن»، إن الاتفاقية هي بالدرجة الكبرى بادرة صداقة وامتداد طبيعي وغير مفاجئ للعلاقة بين الدولتين؛ فالصين لا تخطط لنشر جنودها في إيران، ولن تُقدِم على مثل هذه الخطوة، ولا تعتزم الانحياز لأي طرفٍ في النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، مستبعدًا ما وصفها بالمزاعم التي تحاول شيطنة الصين.
وينسجم هذا مع ما تنقله صحيفة «جيروزاليم بوست» عن كارين يونج، الباحثة في «معهد أمريكان إنتربرايز» بواشنطن، أن النسخة المنشورة هي مجرد مذكرة تفاهم أكثر من كونها صفقة تجارية فعلية، ووصفتها بأنها استمرار لاتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة المعلنة في عام 2016.
وعلى عكس تلك الرؤية يرى المحلل السياسي الباحث بـ«معهد جيتستون» الأمريكي، كون كوفلين، في تقرير نشره المعهد أن أي تحالف عسكري مستقبلي بين طهران وبكين من شأنه فقط تعزيز إصرار إيران على توسيع نطاق أنشطتها الخبيثة في المنطقة؛ مما يزيد من احتمال المزيد من تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها.
ويضيف كوفلين أن العهد الجديد للتعاون بين طهران وبكين، أثار مخاوف مسؤولي الأمن الغربيين من إمكانية أن يؤدي هذا إلى أن تشكل الدولتان تحالفًا لتعزيز تواجدهما في المحيط الهندي، وبالتالي يتحديان العالم.

باكستان.. ثالث أضلاع المحور المحتمل
بالإضافة إلى الصين وإيران، تبرز باكستان بصفتها ثالث أضلاع هذا المحور المحتمل، فثمة مصالح مشتركة عديدة تجمع بين الصين وباكستان، إذ تسعى الصين إلى جعل باكستان حلقة رئيسة في مبادرتها لإحياء ما يعرف بـ«طريق الحرير»، وقد شرعت في العمل على ربط إقليم سنجان بميناء جوادار الباكستاني الذي بنته الصين.
ويعرف هذا المشروع بالممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، ويمرّ عبر كشمير الباكستانية، ويتصل بشبكة من الطرق الصينية البرية، والبحرية، والسكك الحديدية، وخطوط الأنابيب، وهو الجزء الأكبر والأكثر طموحًا وتطورًا في مبادرة «الحزام والطريق».
تتيح هذه الشراكة للصين الوصول إلى المحيط الهندي، وبالتالي الدخول في تحدٍّ مع الهند في حديقتها الخلفية البحرية، وخلق تهديد جديد أمامها، كما أن الممر سيسمح للصين بالتحرك سريعًا لنجدة إسلام آباد في حال اندلاع حرب بينها وبين نيودلهي.
ويمنح الممر الاقتصادي البلدان الكثير من الفرص، التي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي. وكما ذهب تقرير نشره موقع «ذا دبلومات»، ففي حين صاغ كل من الصين وباكستان الممر باعتباره حزمة استثمارات «مربحة للجانبين»، تلعب الجغرافيا السياسية دورًا أكثر أهمية مما قد يعترف به الجانبان.
تتزايد احتياجات الصين من الطاقة بسرعة، ويخشى صانعو السياسة الصينيون من قدرة البحرية الأمريكية على تعطيل إمدادات النفط القادمة من الشرق الأوسط. وقد يكون لمثل هذه الاضطرابات تأثير ضار على اقتصاد الصين، الذي يعتمد على واردات الطاقة، خاصة في أوقات الصراع.
وفي حال أتى الممر الاقتصادي أكله، فإن مشروع خط أنابيب «جوادار – كاشجر» المنبثق عن الممر الاقتصادي يمكن أن يحل المعضلة الصينية ويوفر طريقًا بريًا بديلًا يمكن الاعتماد عليه لتلبية احتياجات الصين المتزايدة من الطاقة. وقد أدت التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين إلى زيادة أهمية تطوير طريق بديل، على الرغم من التكاليف المرتفعة بشكل كبير لمثل هذا المشروع.

استبعاد الهند.. شراكة جديدة على أنقاض تحالف قديم
يأتي توجه إيران نحو الصين في تلك الشراكة على أنقاض محور قديم، كان يضم كلا من الهند وإيران وأفغانستان؛ إذ اتخذت الحكومة الإيرانية، وبالتزامن مع التقارير عن الاتفاقية الصينية الإيرانية، خطوة مفاجئة باستبعاد الهند من مشروع البنية التحتية الإستراتيجي، المعني بمد خط السكك الحديدية من ميناء تشابهار، وحتى مدينة زاهدان الواقعة على طول الحدود المشتركة مع أفغانستان، وهو ما يمثل لكمة في وجه نيودلهي. وقررت طهران المضي قدمًا منفردة في بناء خط السكك الحديدية الذي يبلغ طوله 628 كيلومترًا دون تمويل الهند.
كان الاتفاق الإيراني مع الهند لتمويل المشروع هو ثمرة لتحالف قديم بين الهند وإيران وأفغانستان عكسته الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى طهران في عام 2016، وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء من الهند إلى إيران منذ عام 2001، وقد شهدت تلك الزيارة مراسم التوقيع على اتفاقية «ممر العبور» مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورفقة الرئيس الأفغاني أشرف غني.
ولا شك في أن الصفقة المقترحة بين الصين وإيران وخروج الهند غير الرسمي من مشروع سكة حديد تشابهار قد قلب قرار الهند الإستراتيجي. فبدون تشابهار، تفقد الهند رافعة نفوذها الأساسية في أفغانستان وآسيا الوسطى. فمن ولاية لداخ الهندية إلى إيران، تجد الهند مصالحها الإستراتيجية تحت الحصار، وهذه التطورات تلعب بالتأكيد لصالح باكستان.

الهند تشكل محورها.. والرهان الأكبر على السعودية
أثار هذا التطور الملحوظ في العلاقات الباكستانيّة الصينيّة الإيرانية قلق الهند، سواء على المستوى الاقتصاديّ أو حتى في حالة اندلاع نزاع محدود أو موسّع بين نيودلهي وإسلام أباد، وهو ما دفع الهند إلى التفكير في شراكات جديدة لتعزيز نفوذها وحظوظها في القارة الآسيوية.
وبرزت المملكة العربية السعودية لتصبح واحدةً من تلك الدول؛ إذ شهدت العلاقات بين البلدين طفرة كبيرة، بدأتها السعودية بزيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى نيودلهي في 21 فبراير (شباط) 2019، ونتج عن تلك الزيارة الإعلان عن مجلس «الشراكة الإستراتيجية» لدعم العلاقات السعودية الهندية.

جاء هذا التطور في وقت تشهد فيه العلاقات الباكستانية السعودية توترًا ملحوظًا.
كانت باكستان حليفًا تقليديًا للسعودية، ومنحتها الأخيرة قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار وتسهيلًا ائتمانيًا نفطيًّا بقيمة 3.2 مليار دولار، لمساعدة أزمة ميزان المدفوعات في أواخر عام 2018. لكن السعودية استخدمت تلك المساعدات المالية ورقة ضغط لتحقيق مصالحها الإقليمية، بعد أن أبدت باكستان تقاربًا مع طهران، الخصم الإقليمي للرياض، فضلًا عن نأي باكستان بنفسها عن الرياض في عدد من القضايا الإقليمية، مثل الحرب في اليمن.
وفي العام الماضي، انسحبت إسلام أباد من منتدى للدول الإسلامية في اللحظة الأخيرة، استجابة لإصرار الرياض، التي اعتبرت الاجتماع محاولة لتحدي قيادتها لمنظمة التعاون الإسلامي. وضغطت باكستان كثيرًا على منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية لعقد اجتماع رفيع المستوى لتسليط الضوء على انتهاكات الهند الحقوقية في منطقة كشمير المتنازع عليها.
لكن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تعقد الاجتماعات التي تشبع رغبة باكستان، ما دفع وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، للتصريح لوسائل إعلام محلية في الأسابيع الأخيرة بأنه إذا لم تتمكن منظمة المؤتمر الإسلامي من عقد الاجتماع، فسيضطر إلى مطالبة رئيس الوزراء عمران خان بالدعوة إلى اجتماع للدول الإسلامية المستعدة للوقوف مع باكستان بشأن قضية كشمير، وهي تصريحات أغضبت الرياض، التي كثفت ضغوطها المالية على إسلام أباد وهو ما دفع قائد الجيش الباكستاني الجنرال، قمر جاويد باجواه، لزيارة المملكة لتهدئة الأجواء.
مع وضع تلك الخلفية في الحسبان، لم تتوقف العلاقات بين الهند والسعودية عند إعلان الشراكة الإستراتيجية، بل عززتها زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى السعودية، في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، والتي دفعت لتعزيز التعاون بين البلدين وتوسيع نطاق العلاقات، وأظهرت بوضوح الأهمية التي توليها الدولتان لبعضهما البعض، ولتعزيز علاقاتهما الإستراتيجية.
وخلص تقرير نشره نشرته مؤسسة أبحاث المراقبين، وهي مركز بحثي مستقل مقره الهند، إلى أن تعزيز العلاقات بين الهند والسعودية يُعد مسألة حيوية لكلا البلدين. فمن وجهة نظر السعوديين، أصبح مهمًا توجيه نيودلهي بعيدًا عن إقامة علاقة وثيقة مع طهران، وقد تعزز ذلك التوجه في السنوات الأخيرة مع تغير الظروف الإقليمية. ومن وجهة النظر الهندية، فإن إقامة شراكة مع حليف إقليمي قوي مثل السعودية أصبحت مسألة جوهرية لمواجهة نفوذ إسلام أباد المتنامي في المنطقة.

ولا يزال القوس مفتوحًا
لا يزال القوس مفتوحًا لعدد من الدول في المنطقة للانضمام لها المحور الناشئ، خاصة من دول جعلت من إيران عدوها الأول، مثل إسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، اللتين أعلنتا تطبيع العلاقات بينهما، وتتمتع كلتاهما بعلاقات مميزة مع الهند.
في ضوء المتغيرات التي تحدث كل ساعة لا يمكن الجزم بدوام، أو استمرار تحالف، أو محور ما، لكن ما يمكن القطع به هو أن المصالح هي التي تُشكل تلك التحالفات أو تُنهيها.
ويمكن القول في نهاية المطاف: إن ثمة محورًا محتملًا آخذًا في التشكل يمثله الصين، وإيران، وباكستان، يقابله آخر أطرافه الهند، والسعودية، وقد يستقطب العديد من الدول الأخرى. لكن كل هذه التحالفات والمقاربات تظل في مهدها، وتحتاج إلى العناية والحرص الكافيين لتنمو، وإلا فقد تعصف بها رياح التنافسات، والصراعات الإقليمية، المتشابكة والمتداخلة.
المصدر: ساسة بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى