أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

شهادات ومحطات لا تنسى في ذاكرة المؤسسين والرعيل الأول (3): الحاج عبد الكريم كريّم من كَفر كنا

شادي عباس
الرعيل في المعاجم، جماعة قليلة من الرِّجال أو الخيل تتقدَّم غيرَها. الرَّعيل الأوَّل من الناس، هم أولئك السباقون في عمل الشي، والمتقدمون على غيرهم بالمبادرة والعمل. والرعيل الاول في الدعوة هم المؤسسون الذين ساروا ضد التيار، وواجهوا المسلمات السائدة في المجتمع، في سبيل نشر الدعوة، وإعلاء كلمة الحق نصرة الدين. في ظل ابتعاد الناس عن الدين.
هؤلاء هم العملة النادرة، والنبع الذي بذل الغالي والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا.
نلتقي في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة، بواحد من أبناء الرعيل الأول في مسيرة العمل الإسلامي، هو الحاج عبد الكريم كريّم “ابو وائل” من بلدة كفركنا. كان لنا معه لقاء سافرنا به عبر الزمن الى محطات علقت في ذاكرته، تنسمنا منها عبق الماضي القريب، واخذنا جرعة من التفاؤل لغد أفضل بإذن الله. حدثنا بها عن بداياته في الدعوة، وذكرياته في محطاتها.

من الشيوعية الى الاسلام
يقول الحاج أبو وائل “في شبابي كنت عضوا فعالا في الحزب الشيوعي، حتى عام 1979، في تلك الفترة خرج الحاج عبد المالك دهامشة من السجن، وكان قد دخله وهو عضو في الحزب الشيوعي مثلي، مثل سائر الشباب في تلك الفترة. ولكنه خرج من السجن وقد هداه الله للدين، فما كان من الحزب الا أن تنكر له، ولم يعجبهم سلوكه، وبدأوا بمهاجمته. وكنا نجلس معه ونناقشه. فاهتدينا للدين بفضله، وبدأنا بتناقل كاسيتات الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله. والكتب الدينية. هذه كانت بداية دخولي الى الدعوة”.

العمل الميداني في المشاريع
يقول الحاج عبد الكريم: “باكورة الاعمال كانت بناء مسجد عمر بن الخطاب، ثم تلتها المعسكرات الاسلامية التي نفذت مشاريع ضخمة تعجز عنها سلطات محلية”. ويستذكر حادثة كانت في أحد المعسكرات “احتاج القائمون معدات ثقيلة لشق وتعبيد الشوارع، فتواجهوا للمرحوم صالح سليم سليمان رئيس مجلس المشهد آنذاك، فما كان منه الا ان تجاوب معنا واعطانا كل ما نحتاج للعمل دون مقابل. بعد ان حرمنا الاقربون من المساعدة ورفضوا امدادنا بالمعدات”.
وأضاف: “في أول معسكر توجه إلينا الحزب الشيوعي واقترحوا ان يكون المعسكر مشترك بشرط ان يتم الغاء تسمية “معسكر العمل الاسلامي”، واستبداله باسم “معسكر العمل الكناوي” فرفضنا”.

تاجر وسائق
يتابع الحاج عبد الكريم: “تأسيس الروضة الاسلامية في البلدة كان بحاجة الى طاقة بشرية كبيرة، والى مقدرات مادية كبيرة، وتم ذلك خلال المعسكرات. ثم باشرنا بتحضير الطاقم من معلمات، وسائقين وحافلات، وغيرها، فكنا نحن السباقين في تنظيم سفريات للأطفال الشيء الذي لم يكن موجودا. الروضة بدأت بصفين واخذت بالنمو والتطور عاما بعد عام حتى وصلت الى أكثر من 20 صفا. في البداية اشترينا حافلتين، وكنت وقتها تاجرا للألبسة أملك محلا تجاريا على الشارع الرئيسي، فكنت اجمع الاطفال صباحا، وفي ساعات الظهيرة أغلق محلي لأعيد الاطفال الى بيوتهم، واستمر هذا الامر لسنوات، تطوعا، حتى تم مأسسة العمل، وكان هناك تجاوب منقطع النظير من الاهالي الذين أحبوا النظام والمناهج التي ركزت على تعاليم الدين بعد أن كان مغيبا”.

عيادة الزهراء
يقول الحاج ابو وائل: “ارتأت الحركة الاسلامية انه من الضروري بناء عيادة في القرية وخاصة للنساء اللواتي كن يعانين من مشقة السفر الى الناصرة لإجراء الفحوصات، فأنشأنا عيادة الزهراء الطبية، وتعاقدنا مع طبيبة من قرية ابو سنان، فكنا نذهب لإحضارها كل اسبوع مرة، وهذا شجع النساء في الإقبال على العيادة، بسبب التسهيل، ووجود العيادة في البلدة وكون الطبيبة انثى تعمل برفقة ممرضة. فكنا نحضرها ونرجعها برفقة زوجاتنا تطوعا، واستمر هذا الامر أكثر من عام، ثم اضيفت المناوبة الليلية وعيادة الاسنان للعيادة، ودخلت اليوم اختصاصات كثيرة اخرى، فأصبحت العيادة عنوانا لأهل القرية والمنطقة. واذكر ان اسم الزهراء كان من اقتراحي”. ثم يضيف “كذلك أنشأنا مركز الخوارزمي للحاسوب الذي كان رائدا في المجال في تلك الفترة”.

فانيلات مهرجان الفن ومسرحية “الصبر”
عن مهرجان الفن الاسلامي الرابع الذي كان في العام 1988 يقول الحاج كريّم “أذكر اننا عملنا على مدار أشهر وعلى مدار الساعة للتجهيز للمهرجان ومن ضمن الاعمال التي كانت اذكر اننا طبعنا فانيلات تحمل شعار المهرجان لبيعها للناس، وكي يرتديها العاملون في المهرجان، وكان انجاز هذا الامر عبر الاخ زياد ريان “ابو طارق” من كفر برا. وقبل يومين من انطلاق المهرجان نفذت جميع الفانيلات، الامر الذي لم نكن نتوقعه، فتوجه لي الحاج حمد عباس وقال لي استعد للذهاب لتل ابيب لإحضار فانيلات الليلة، وكنت متعبا ومنهكا، وتوجه لي الشيخ كمال خطيب في ذات الامر، فانطلقنا الى كفر برا ومن ثم الى تل ابيب برفقة “ابو طارق” والذي بدوره كان يعرف مشاغل الخياطة، فضغط عليهم، وتم انجاز العمل وتزويد المئات من الفانيلات قبل انطلاق المهرجان وتم بيعهم في المهرجان”.
يضيف: “كنت فردا من الذين شاركوا في تمثيل مسرحية الصبر التي كانت مسرحية على مستوى عال، وحازت على الجائزة الاولى في المهرجان، وكانت مؤثرة وتحمل الكثير من الابداع، وتدربنا عليها لمدة شهرين، خمسة ايام في الاسبوع تقريبا، وقام على تدريبنا المرحوم الفنان راتب عواودة. وضمت المسرحية الكثير من الممثلين، واحتاجت الى الكثير من الجهد والعمل”.

تحدي تنظيف “المكتبة الختنية”
يستذكر الحاج “ابو وائل” محطات من اعمال الترميم في المسجد الاقصى فيقول: “في معسكر تنظيف المسجد الاقصى القديم، وفي أحد الايام خلال تنظيف المسجد الاقصى القديم اخرجنا اكواما من الحجارة والاتربة، واثناء العمل حضر عدد من الضباط الإسرائيليين وألمحوا لنا بأنهم يسعون الى ايقاف العمل الذي كان وقتها بالقرب من المكتبة الختنية. وكان امامنا غرفة مغلقة من جميع الجهات وتشمل ما يقارب 15 كوبا من التراب، فقال الشيخ رائد صلاح هناك تحدي، إذا فتحنا هذه الغرفة ونظفناها اليوم عادت جزءا من المسجد الاقصى. وإذا لم نفعل سيتم مصادرتها. فبدأنا بالعمل بالمعدات الخفيفة، وبهمة وجهد عال. وتم فتح الباب وتنظيف الغرفة، وهي اليوم جزء من المكتبة الختنية. وطبعا كان التخطيط ان يتم تكملة التبليط ويتم زرع الزيتون والعشب الاخضر وبناء حمامات من الجهة الشرقية الشمالية ولكن تم ايقافنا من قبل المخابرات الإسرائيلية”.
ويضيف الحاج في حادثة اخرى: “بعد فترة اقدمت الأوقاف على تبليط الطريق من الناحية الشرقية التي تصل بين باب الاسباط والمصلى القبلي فتم ايقافهم من قبل سلطة الاثار، فتم التوجه للحركة الاسلامية آنذاك، لإمدادهم بالأيدي العاملة لإنجاز العمل، فتوجه عشرات الشباب، وتم تبليط الطريق وفرض امر واقع بالرغم من محاولة الشرطة ايقاف العمل. حينها لما رأت الشرطة واجهزة المخابرات كثرتنا كان اتصال مع الاردن، وطلبوا منهم اكمال العمل عن طريق الاوقاف الاردنية بشرط استثناء الحركة الاسلامية، واذكر حينها خلال المشادات الكلامية بيننا وبين افراد الشرطة خلال العمل تم اعتقال ساهر غزاوي والشيخ يوسف الباز”.

ذكريات من ساحات الاقصى
يقول الحاج “ابو وائل”: “كنت أحد الذين داوموا على زيارة المسجد الاقصى 5 ايام في الاسبوع، للجلوس في مصاطب العلم التي كانت تعقد في المسجد، وكانت ساعة صباحية لقراءة القران الكريم وكانت تضم الحلقة حوالي 50 شخصا. في أحد الايام كان فتيان يحملون طاولة صغيرة من المتحف الاسلامي في الزاوية الغربية القبيلة الى المصلى القبلي، فاعترضهم احد رجال الشرطة، وسألهم الى اين يأخذون الطاولة؟، فخاف الفتيان ووضعوها على الارض، ولفت الامر انتباهنا، فتوجهنا جميعنا للشرطي، وسألناه عن سبب اعتراضه للفتيان وقلنا له ما شأنك انت بالموضوع، وقلت له انت رجل ارهاب ارهبت الفتيان ولست رجل امن، فنظر الي وسكت على مضض، وقال لي قل للضابط الذي كان بالقرب ماذا ستفعلون بالطاولة، فقلت له لا اعترف فيك ولا بالضابط، انتم احتلال وستخرجون من هنا”.
يضيف “في حادثة أخرى، كنا نتعلم دورة ارشاد عن معالم الاقصى، فكان دوري للشرح عن باب المغاربة، وقفنا امام البوابة، فحضر أحد افراد الشرطة وسألنا عن سبب وقوفنا مقابل البوابة، وطلب منا ترك المنطقة، ظنا منه اننا نريد اعتراض المستوطنين الداخلين من البوابة، فرفضنا، وبعد ملاسنة بيني وبين الشرطي، تم اعتقالي وقام المرابطين بإغلاق الباب، ولم يذعنوا لطلبات ضابط الشرطة بالتراجع الا إذا تم اطلاق سراحي، وكان الامر سابقة. فتم الاتصال بالشرطي الذي اعتقلني وتم الافراج عني بعد ن اخذ الشرطي تفاصيلي. وفي اليوم التالي تم استدعائي الى القشلة للتحقيق. رجعت في اليوم التالي وأفرج عني بسبب عدم وجود تهمة ضدي. لان الله اعمى بصيرة الشرطي ولم يسجل تهمة بحقي في مكتوب الاستدعاء”.

لا نريد دولة داخل دولة
ويضيف الحاج: “بعد حظر الحركة الاسلامية، تم استدعائي وابعادي عن الاقصى لمدة 6 أشهر، ثم تم استدعائي للعفولة من قبل المخابرات، وهناك هددوني بالسجن، وحصلت ملاسنة بيني وبين المحقق، فسألته لماذا تم حظر الحركة الاسلامية التي عمرت؟ وبنت؟ وساهمت؟ وكان كل عملها لخدمة المجتمع؟ … فقال انا لا اريد دولة داخل دولة”.

ليلة الاعتقال
ويستذكر الحاج ليلة اعتقاله على خلفية ملف “المرابطين” فيقول: “كان طرق باب المنزل بعنف في ساعة متأخرة من الليل، فخرجت وسألت الشرطي عن سبب الاعتقال؟ فقال تحقيق وتم استدعائي ثم اعتقالي، ومنع ابنائي من الاقتراب مني، وتم اتهامي بالانتماء الى منظمة محظورة، وتم نقلي الى عسقلان، ثم عدنا الى الجلمة، واستمر التحقيق لمدة شهر، وتركز على الرباط و”اخافة” المستوطنين الذين يقتحمون المسجد الاقصى. في الشرطة قرأ المحقق اقوالي وذكر فيها انني مرابط، فقاطعته، وقلت انني لم اذكر أنني مرابط، فقال لي: “غير اقوالك كما شئت سنلتقي عند القاضية ونرى ما يكون، وبعدها حكمت بالسجن لمدة عام”.

عذاب البوسطة
يقول الحاج كنا نمر بمسيرة عذاب خلال نقلنا الى المحكمة، في سيارة السجن “البوسطة”، فكنا نخرج صباحا من سجن مجيدو، الذي يبعد مسيرة 20 دقيقة عن المحكمة في الناصرة، ولكن بدل نقلنا للناصرة، كنا نتوجه الى سجن الجلبوع لنقل المزيد من الاسرى، ونمكث هناك ساعات في السيارة، وبعد تحميل الاسرى من جلبوع، نتوجه الى سجن سلمون بالقرب من المغار، فنصل هناك في ساعات المساء، لنبيت هناك ليلتنا في غرفة وسخة، كنا ننظفها لتصبح صالحة للنوم، وفي اليوم الثاني صباحا كنا نتوجه الى المحكمة في الناصرة، ونمكث هناك نهارا كاملا، حتى تنتهي جميع محاكم المعتقلين، ثم نعود الكرة من جديد، عودة الى سلمون للمبيت، وفي اليوم التالي انتقال من سلمون الى الجلبوع، ثم الى مجيدو على مدار ساعات، اذلال وتعذيب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى