صفات رجال القدس والمسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
من هم رجال القدس والمسجد الأقصى المطلوبون في كل حين لنصرة القدس والمسجد الأقصى؟! وما هي صفاتهم؟ وما هو فكرهم وثقافتهم؟! وما هو خطهم السياسي؟! ومن هو وليّهم؟! في شخصية الفاروق عمر رضي الله عنه وفي شخصية السلطان نور الدين زنكي ثم السلطان صلاح الدين الأيوبي ثم السلطان قطز ثم من سار في دربهم نجد الجواب الكافي لكل سؤال من هذه الأسئلة، فهؤلاء الرجال هم من نذروا حياتهم لنصرة القدس والمسجد الأقصى، وقد حملوا صفات رجل القدس والمسجد الأقصى التي أهّلتهم بجدارة لنصرة القدس والمسجد الأقصى، فماذا كانت مجمل صفاتهم؟!
سلامة العقيدة وكثرة ذكر الله تعالى: وقد توّفر ذلك في شخصية الفاروق عمر رضي الله عنه ثم في سائر رجال القدس والمسجد الأقصى، ولحرص السلطان صلاح الدين الأيوبي على سلامة عقيدته، فقد جمع له الشيخ الإمام قطب الدين النيسابوري رسالة في عقيدة أهل السنة والجماعة، وكان صلاح الدين الأيوبي يعلّمها الصغار من أولاده.
أداء الصلاة والمواظبة عليها بالجماعة: فكان الفاروق عمر رضي الله عنه يؤم الناس في صلاتهم، وكان صلاح الدين الأيوبي حريصاً على أداء الصلاة بالجماعة، حتى إنه ذكر يوماً أن له سنين ما صلّى إلا جماعة، وكان إذا مرض يستدعي الإمام وحده ويكلّف نفسه القيام ويصلي جماعة، وكان يواظب على السنن الرواتب، وكان له ركعات يصليها إذا استيقظ بوقت في الليل، وإلا أتى بها قبل صلاة الفجر.
صوم رمضان: وهو ما حرص عليه كل رجال القدس والمسجد الأقصى بداية من الفاروق عمر فصاعدا، لدرجة أن صلاح الدين الأيوبي كان عليه من صوم رمضان فوائت بسبب أمراض تواترت عليه في رمضانيات متعددة، فشرع في قضاء تلك الفوائت بالقدس في السنة التي توفيّ فيها، وكان الطبيب يلومه وهو لا يسمع، ويقول: لا أعلم ما سيكون.
حب القرآن الكريم ترتيلا وسماعاً وحباً لأهل القرآن الكريم: وهو ما حرص عليه كل رجال القدس والمسجد الأقصى بدون استثناء، فهذا صلاح الدين الأيوبي كان يحب سماع القرآن الكريم، وكان يشترط أن يكون إمامه عالماً بعلوم القرآن الكريم، متقناً لحفظه، وكان يستقرئ من يحضره في الليل – وهو في برجه- الجزئين والثلاثة، والأربعة، هو يسمع.
إخراج الزكاة: الكثير من رجال القدس والمسجد الأقصى لم يخرج زكاة في حياته حتى مات، لأنه لم يملك نصاب الزكاة.
أداء الحج: إن بعض رجال القدس والمسجد الأقصى قد أدّى فريضة الحج كالفاروق عمر رضي الله عنه، وبعضهم أخذ عليه الجهاد كل وقته ولم يحج، كصلاح الدين الأيوبي، رغم أنه عازماً عليه، وناوياً له، سيما في العام الذي توفي فيه.
حب الحديث النبوي الشريف: إذ حرص كل رحال القدس والمسجد الأقصى على ضبط أحاديث رسول الله وعلى روايتها أو الإستماع إليها أو مؤازرة رواتها الثقاة، فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه كان من ضمن من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا صلاح الدين الأيوبي كان يأمر الناس بالجلوس عند سماع الحديث النبوي إجلالاً له، وكان رحمه الله يحب أن يقرأ الحديث بنفسه، وإذا بحديث فيه عبرة، رقّ فلبه ودمعت عينه.
تعظيم شعائر الدين: حيث نصر كل رجال القدس والمسجد الأقصى كل شعائر الدين كمقدمة لا بد منها لنصرة القدس والمسجد الأقصى، فهكذا كان الفاروق عمر لا يخاف في الله لومة لائم، وهكذا كان صلاح الدين الأيوبي كثير التعظيم لشعائر الدين، قائلاً ببعث الأجسام ونشورها، ومجازاة المحسن بالجنة، والمسيء بالنار، ومصدقاً بجميع ما وردت به الشرائع، منشرحا بذلك صدره، مبغضا من يعاند الشريعة.
حسن الظن بالله: حيث سار رجال القدس والمسجد الأقصى في درب نصرتهما وهم يعلمون سلفاً أنه درب مخاطر وتضحيات، ولكنهم كانوا موقنين في نفس الوقت أن الله تعالى سينصرهم حتى لو اجتمع كل أهل الأرض على حربهم، ولذلك كانت الأمور عندما تضيق وتشتد على صلاح الدين الأيوبي كان يدعو الله في سجوده قائلاً: ” يا إلاهي، قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبق إلا الأخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل “.
إفشاء العدل ومحاربة الظلم: حيث كانت صفة العدل إحدى الصفات المميزة والبارزة في رجال القدس والمسجد الأقصى، فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه الذي شهد له الأعداء بعدله وقالوا عنه: ” عدلت فأمنت فنمت”، وهذا السلطان نور الدين زنكي جدّد معلم العدل حتى سادت الطمأننية في رعيته، وهذا تلميذه السلطان صلاح الدين الأيوبي سار على دربه ، حيث كان يجلس للعدل في كل يوم إثنين وخميس في مجلس عام، يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ويفتح الباب للمتحاكمين، حتى يصل إليه كل أحد كم كبير وصغير وعجوز هرمة وشيخ كبير، وكان يفعل ذلك سفراً وحضرا.
التحلي بالشجاعة: فلا كان أشجع من رجال القدس والمسجد الأقصى بداية من الفاروق عمر رضي الله عنه فصاعدا، فهو الفاروق عمر الذي صمد في وجه إمبراطوريتي الفرس والروم التين كانتا تحكمان العالم حتى فتح القدس، وهو صلاح الدين الأيوبي الذي صمد في وجه أربعين ملكا أوروبياً حتى حرر القدس.
التحلي بالأخلاق الفاضلة وفي مقدمتها الكرم : فهذا الفاروق عمر الزاهد في عيشه الذي لبس المرقع كان كريماً ينفق على رعيته، وهذا صلاح الدين الأيوبي كان آية في الكرم، لدرجة أنه ملك ما ملك ومات، ولم يوجد في خزائنه من الفضة إلا سبعة وأربعون درهماً ناصريةـ ومن الذهب إلا جُرم واحد صوري، وكان يعطي في وقت الشدة كما يعطي في وقت السعة، وقال مّرة وهو يعبّر عن كرمه: والله لو وهبت الدنيا للقاصد الآمل، لما كنت استكثرها له، ولو إستفرغت له جميع ما في خزانتي، لما كان عوضا مما أراقة من حُرّ ماء وجهه في إستمناحه إيايّ. وكان إذا علم أن في خزائنه مالاً لا يستطيب تلك الليلة، حتى يفرّق هذا المال جوداً.
حب الجهاد لإعلاء كلمة الله: فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه أحب الجهاد وزرع هذا الحب في مشاعر الأمة وسلوكها، فخرجت بقيادته من الجزيرة وأعلت كلمة الله في العراق والشام ومصر بعامة، وفي القدس بخاصة، وهذا صلاح الدين الأيوبي كان حب الجهاد والشغف به وقد إستولى على قلبه ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله، وأولاده، ووطنه، وسكنه، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح يمنة ويسرة.
الحِلمُ وسعة الصدر والرفق: رغم ما كان عليه رجال القدس والمسجد الأقصى من شجاعة وحب للجهاد إلا أنهم كانوا رحيمين برعيتهم، وما كان أحدهم فظاً ولا غليظ القلب، فهو الفاروق عمر الذي كان يتجول بين بيوت الناس ليلاً ليسد حاجتهم، وهذا صلاح الدين الأيوبي الذي كان حليماً، وكثيرا ما يعفو عن أصحاب الذنوب، وكثير التغافل عن عثرات أصحابه، فكان يسمع من أحدهم، ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغيّر عليه.
التحلي بالفتوة والمروءة: فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه كان مدرسة في الفتوة والمروءة، فهو الذي وضع عنقه على الأرض ذات يوم وأقسم ألا يرفعها حتى يطأ عليها بلال بن رباح رضي الله عنه، لأن لسانه كبا ذات يوم وقال لبلال: يا إبن السوداء، وهذا صلاح الدين كان كثير المروءة وقال عنه إبن شداد: ولقد رأيته، وقد مثل بين يديه أسير الفرنجي، وقد هاب، بحيث ظهرت عليه أمارات الخوف، والجزع، فقال له الترجمان: من أي شيء تخاف؟ فأجرى الله على لسانه أن قال: كنت أخاف قبل أن أرى هذا الوجه، فبعد رؤيتي له، وحضوري بين يديه، أيقنت أني أرى إلا الخير: فرقّ له، ومنّ عليه، وأطلقه.
الصبر والاحتساب: فهم رجال القدس والمسجد الأقصى الذين كانوا يعلمون أن الصبر نصف الإيمان، وأن النصر مع الصبر، وهو من الأصول التي لا بد منها لنصرة القدس والمسجد الأقصى، ولذلك هكذا كان الفاروق عمر رضي الله عنه صبورا في كل مواقع المحن، ومحتسبا أجره على الله، وهكذا كان صلاح الدين الأيوبي صابراً على مُرّ العيش وخشونته، ومثلاً رائعاً في الصبر والاحتساب في ميادين الجهاد وتلقي الصدمات والمصائب، لدرجة أن القاضي إبن شداد يقول عنه: ولقد رأيته وقد جاءه خبر وفاة ولد له بالغ أو مراهق يُسمّى إسماعيل فوقف على الكتاب، ولم يُعرّف أحدا، ولم نعرف حتى سمعناه من غيره، ولم يظهر عليه شيء من سوى ذلك، سوى أنه لما قرأ الكتاب، دمعت عينه.
الوفاء: وكيف لا يكون رجال القدس والمسجد الأقصى أوفياء وهم يقرأون قول الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” – فهكذا كان الفاروق عمر وفياً إذا وعد، وأما صلاح الدين الأيوبي فقد كان مضرب المثل في الوفاء بالعهود، وكان إذا عقد الصلح، التزم به، وإذا عاهد وفّى بعهوده.
الخلاصة: أن قضية القدس والمسجد الأقصى، ليست سلعة للكسب الدنيوي، وليست لعبة للتسلية وإضاعة الوقت، وليست مجرد نكتة رأس مالها الثرثرة، بل هي قضية قرآنية، وهي قضية الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، ومن أراد نصرتها فليحاسب نفسه، فإذا كان يتحلى بصفات رجال القدس والمسجد الأقصى فليتقدم لنصرتها، وإذا كان يفتقر إلى هذه الصفات، فليقعد في بيته وليرح القدس والمسجد الأقصى من ثرثرته.