في زمن كورونا.. الجزائر تطارد الأخبار الكاذبة وتسجن مروجيها
تشنّ السلطات الجزائرية منذ أسابيع حملة ضد من وصفتهم بـ”مروجي الأخبار الكاذبة” على المنصات الاجتماعية، والتي تفاقمت مع ظهور فيروس كورونا في البلاد.
وفي 15 أبريل/ نيسان أعلنت وزارة الداخلية في بيان، توقيف مسرّب نسخة مزورة لمسودة الدستور (قيد المراجعة) تم تداولها على نطاق واسع عبر المنصات الاجتماعية.
وأشار البيان إلى أن عملية التوقيف جرت بولاية الشلف (غربي العاصمة)، وسيتم تقديم المعني للمثول أمام النائب العام.
وتضمن البيان نفسه، خبر توقيف شخص آخر بولاية تيارت (غرب)، نشر نسخة مزورة لبيان منسوب لوزير الداخلية عبر المنصات الإجتماعية، تتعلق بتخصيص منح مالية لأفراد الحماية (الدفاع) المدنية.
وشددت الداخلية على أن “ترويج الإشاعات والأخبار الكاذبة والمغلوطة بهدف نشر البلبلة وخرق النظام العام، سيكون محل تصد صارم وفقا للآليات التي حددها القانون”.
وكانت الرئاسة الجزائرية قد نشرت بيانا قبل أيام قالت فيه إن “ما تم تداوله عبر المنصات الاجتماعية على أنه مسودة الدستور، غير صحيح وأن النسخة مزورة”.
وتوعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منتصف مارس/ آذار الماضي في خطاب بثه التلفزيون الحكومي، بالبحث والكشف عن هوية ناشري الأخبار الكاذبة والمضللة الذين “يمتهنون زرع البلبلة وإبقاء المواطنين في حالة قلق ورعب”.
وفي السياق، قال وزير الاتصال (الإعلام) عمار بلحيمر في مقابلة مع صحيفة الخبر (خاصة) في 15 أبريل/ نيسان الجاري، إن الإشاعة ظاهرة بشرية عالمية وجب محاربتها.
** تفاقم الإشاعات مع كورونا
ومنذ أسابيع تنشر الشرطة الجزائرية والدرك الوطني (قوات تابعة لوزارة الدفاع) بيانات تتحدث عن توقيف مسربي وناشري أخبار وإشاعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بانتشار فيروس كورونا.
وفي 2 أبريل/ نيسان الجاري تم توقيف سيدة بمحافظة وهران (غرب) بعد ظهورها بـ”فيديو” قالت فيه إن “أشخاصا من ذوي النفوذ غادروا فنادق الحجر الصحي بالمدينة، بعد عودتهم من فرنسا على متن باخرة”، الأمر الذي نفته السلطات لاحقا.
كما أوقفت الشرطة شخصا في 8 أبريل، بث فيديو عبر منصة فيسبوك، قال فيه إن السلطات ستغلق محطات الوقود في إطار تدابير الحد من انتشار فروس كورونا.
وتسبب الفيديو في طوابير طويلة للمركبات أمام محطات الوقود في عدة محافظات جزائرية.
ودفع الأمر وزارتي التجارة والطاقة وشركة “نفطال” الحكومية التي تحتكر توزيع الوقود في البلاد، إلى نفي محتوى الفيديو وتأكيد استمرار الخدمة.
وفي اليوم نفسه، أعلن الدرك الجزائري بمحافظة البليدة (جنوبي العاصمة)، توقيف شخصين في قضية تشهير ودعاية كاذبة.
وبحسب بيان الدرك، فإن التوقيف جاء إثر تداول فيديو نشر على حساب خاص بأحد الموقوفين (لم يحدده)، يتهم فيه أفراد الدرك الوطني، بأنھم سلبوه مبلغا مالیا وساعة يد وخاتم.
وأضاف البيان أن “الإدعاءات الواردة في الفيديو ما هي إلا محض كذب وإفتراء، بدافع الانتقام من صرامة أفراد الدرك الوطني، في تطبیق الإجراءات الوقائیة، لكبح تفشي فيروس كورونا”.
وفي 15 أبريل أمرت محكمة بوسعادة بولاية المسيلة (شرق) بوضع شابين في العقد الثالث من العمر، بالحبس المؤقت، لقيامهما بتزوير بيان منسوب لوالي (المحافظ) يتضمن أرقاما مضخمة حول انتشار فيروس كورونا بالولاية.
** جشع مادي
وفي السياق يرى الخبير في المعلوماتية وأستاذ الاتصالات بجامعة الجزائر الحكومية، فريد فارح، أن انتشار الاخبار الكاذبة على المنصات الاجتماعية يخفي وراءه رغبة في تعميم الشائعات في المجتمع والحصول على عائدات مالية.
ويعتقد فارح في حديثه للأناضول، أن “الأخبار الكاذبة ومع تأثيرها المدمر على المجتمع، فإنها بالمقابل بمثابة نشاط مادي يولد أعمالاً على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وأضاف أنه لاحظ صفحات على منصة فيسبوك تحظى بعدد كبير من المتابعين هي المسؤولة عن جزء من الأخبار الكاذبة التي يتم تداولها.
وحذر فارح من إمكانية أن تؤدي خدعة بسيطة على المنصات الاجتماعية، إلى زعزعة استقرار بلد بأكلمه من خلال التلاعب برأيه العام.
** تتبع المروجين ممكن
وشدد على أن تحديد وتتبع الأجهزة التي تبث محتوى غير قانوني وكاذب على الشبكات الاجتماعية، أمر ممكن بالتعاون بين الحكومة المعنية (صاحبة الشكوى) والجهة المالكة للمنصة.
وأضاف أن منصة فيسبوك “التزمت منذ مدة بالتعاون مع عدة حكومات عبر العالم، للحد من نشر الأخبار الكاذبة ومنع نشر المحتوى الذي يحرض على العنف والكراهية”.
ووفق المتحدث فإنه بإمكان مالك المنصة أن يقدم عناوين بروتوكول الإنترنت أو ما يعرف بـ “IP” التي يتم استخدامها لنشر الأخبار الكاذبة، ويمكن أن تطلبها الحكومة الجزائرية من خلال القضاء.
ولفت فارح إلى أن عناوين “IP” تتيح أيضا “معرفة وتحديد الأجهزة المستعملة من طرف ناشري الأخبار الكاذبة أو أي محتوى آخر غير قانوني أو محرض على العنف والكراهية”.
** فراغ قانوني
من جهة أخرى يرى الخبير القانوني الجزائري رشيد لوراري أن هذا النوع من الجرائم الإلكترونية حديث العهد في البلاد في ظل وجود شبه فراغ قانوني لمعالجتها.
وأوضح لوراري للأناضول أنه “يمكن مبدئيا معالجة هذا النوع من القضايا انطلاقا من قانون العقوبات الحالي، مع احترام مجموعة من الحريات والحقوق الأساسية”.
واعتبر الخبير القانوني أن “الأخبار الكاذبة خطيرة ويمكن أن تمس بالنظام العام وبأمن واستقرار المجتمع ويمكن أن تمس أيضا بحقوق وحريات الأفراد”.
وختم بالدعوة إلى إطلاق ورشة قانونية من الأساتذة والمختصين، للإسراع في إعداد مشروع قانون يغطي الفراغ في التعامل مع مثل هذه القضايا.