عن “المقاومة” و “الممانعة” وعن “وعي الاكاذيب”
عبد الحكيم مفيد
في ظل تجاذبات اعلامية، واسفافات أنتجتها “مملكة الوهم” (فيسبوك كما سأطلق عليه)، تغيب حقائق كثيرة من سوريا، ولأن الحالة ما عادت تحتمل أكثر من جملة قصيرة، ومقاطع مفبركة و”مؤثرة”، فإن النقاش لا يحتاج أكثر من أكاذيب، فلا أحد لديه الوقت للبحث، ولا المسألة تحتمل التاريخ، داعش، جبهة النصرة التكفيريين الارهابيين، المقاومة والممانعة، تكفي لحسم أي نقاش من أي نوع.
النظام السوري مثلا، يختبئ خلف “المقاومة” من جهة، وخلف “داعش” من الجهة الأخرى، ويبدو أحيانا على الرغم من بشاعة الاجرام الذي مارسه وما زال “شبه ضحية”، فماذا يمكن ان يكون اكثر صمودا وممانعة ومقاومة ونقاء ووطنية، من حقيقة انك مستهدف بكونك عضو فاعل في محور الممانعة والمقاومة، وتحارب داعش في ذات الوقت، هل تريد وصفة أفضل من هذه ليصبح من شبه المستحيل المس بك، على العكس تماما، كل من يقف ضدك، هو بالضرورة “عميل” وشريك ب”المؤامرة”.
النظام السوري الحالي، الابن وريثا للأب، هو ذات النظام الذي يقتل ويذبح ويقمع ويسجن شعبه، تحديدا منذ ما قبل هزيمة حزيران عام 1967، وهو الذي يعنينا، فهو لم يكن شريكا بالهزيمة فحسب، بل شارك فيها فعليا، حافظ الاسد وزيرا للدفاع في ذات الهزيمة، وهو ذاته الذي أعلن عن سقوط المدينة الحدودية القنيطرة قبل ان يحتلها الجيش الاسرائيلي، وهو ذاته الذي حرر آلاف الضباط السوريين من الجيش، من غير العلويين ما قبل الحرب، وسلّم قيادة الجيش لأشباه جنود من العلويين فقط.
لا يحبذ كثر من مؤيدي النظام الخوض في الماضي، ويكتفون بتغريدات “بطولية” حول صمود النظام في وجه المخططات والمؤامرات، لكن المؤامرات والمخططات ذاتها تأبى إلا أن تطل برأسها حتى من تحت ركام تجمع فوق جثث السوريين، الذين قصفتهم طائرات النظام نفسه، بالشراكة مع الطائرات الروسية، ويا للدهشة، لم ينتبه احد ان داعش لا تملك طائرات تقصف بها السوريين ومدنهم وتاريخهم، فهل تكون صور الدمار من حلب وحماة ودير الزور وغيرها مفبركة كذلك؟.
العيش في عالم الفبركة
لا يجيد “فبركة” الحاضر، إلا من أجاد فبركة الماضي، الذي يعتاش على الفبركة وقصص “المؤامرات”، من الصعب، بل من المستحيل ان يتخلص منها.
تفضل “عقلية الفبركة” عدم الانشغال بالحقيقة، وتعتاش على التفاهات المفبركة، الحقيقة هي العدو اللدود للفبركة، هزمت أمة شر هزيمة عام 1967، واحتلت أرضها، ومات ابناؤها تيها في صحراء سيناء، بلمحة بصر، بوقت لا يكفي للإعداد لعرس متوسط الحجم، هذه الحقيقة ظلت اقل امر مهم، الهزيمة لم تكن مهمة، واختصرت بتمائم “المؤامرات”، حتى اكتشف البعض أهم اكتشاف في تاريخ الحروب، ليس اننا لم نهزم فقط، على العكس تماما لقد انتصرنا، بدلالة أن النظام ظل على قيد الحياة، هل هناك أكبر وأجمل وأرقى من هكذا انتصار؟.
من لم يقف على حقيقة ما حصل عام 1967، الهزيمة أولا، لان الوقوف عندها، البحث في تفاصيلها، الخوض في مآلاتها، كان سيفضح الاساطير التي بنيت على رمال متحركة، كما رمال سيناء، وعلى ثلج سيذوب ويبين ما تحته، كما ثلوج جبل الشيخ، وقصة الامة العربية الحديثة المتشكلة ما بعد سايكس بيكو وبلفور الذي خلص الامة من “الاحتلال التركي”، هي قصة رمال وثلوج، لا تثبت فوقه حقيقة، ولا يمكن اخفاء اي شيء خلفها.
في قصة النظام العربي الحديث يكمن جوهر الكارثة، لم يكتف النظام العربي باستعباد الناس بكل شكل ممكن، لقد فرض عليهم روايته، وروايته تتلخص بتفوقه كقيمة عليا على الوطن، لا أهمية للوطن طالما بقي النظام، لا أهمية للدماء عندما ينعم النظام بالحياة، الوطن ليس الا عزبة للنظام، العائلة والاقارب والحاشية، القمع والابادة ليست إلا ماهية البقاء لما هو أهم من الوطن، الناس ليسوا اكثر من قطيع، فكيف لك أن تعترض على من ادهش العالم بصموده الاسطوري امام المؤامرات؟.
هكذا يمكن إبادة الوطن بسهولة متناهية، بكل شكل ممكن، دون ان يمنع هذا من ترويج الاساطير حول النظام، الصمود والتصدي والتحدي، كلام يصل حد الفجور، يمكن تمريره بسهولة متناهية، الى الحد الذي يصدقه حتى مروجوه؟.
الفبركة بالعموم هي “الواقع الوهمي” الذي ينوب عن الواقع الحقيقي، وهو يستند بالأساس على الاكاذيب، ولا تسمح الفبركة عادة بالخوض في الحقيقة والحقائق، اما أنها تهمشها الى حد لا يصبح لها اية اهمية، رغم حجمها الكارثي، وإما ان تختصرها ببضع مقولات على عجل، وإما أن تصرخ “هو هذا وقته؟”، ولا تسمح البتة بالانشغال به لأنه محرج الى حد الفضيحة.
تستعمل الفبركة اكثر أدوات التضليل شهرة، التكرار، تكرار الكذبة التي تتحول الى “وعي مشوه”، لا يقبل بأية حال قبول أية معلومة أو حقيقة من شأنها المس او زرع الشك في روايتها، فحين تسأل أحدا مثلا، عن الطيران الذي قصف الشعب السوري بالبراميل، فلا يجد غير اللجوء الى “الفبركة الاعلامية”، هذه الاجابة تدلل على فقدان “العقل السوي”، بعد أن تم انتاج “وعي الاكاذيب”، الذي ما يلبث أن يصبح الوعي الوحيد الحاضر في المشهد.
الميزة الابرز لـ “وعي الاكاذيب” هو عدم اعترافه بالواقع، والتغاضي عن الحقائق، فلا يعترف بشيء من حوله سوى التفاصيل التي تم ترسيخها في وعيه.
مثلا، يستطيع الطيران الإسرائيلي أن يقصف مواقع واهداف سورية متى رغب واين رغب، وفي كل مرة تكون الاجابة على ذات النحو، “سوريا سترد في الوقت والمكان المناسبين”، ولا يمكن التعامل مع هذه الحقيقة كفضيحة لمن اختار ان يطلق على نفسه محور “الممانعة والمقاومة”، لان “وعي الاكاذيب” يتعامل مع هذا المفهوم كمسألة وهمية للغاية، كلام وشعارات أكاذيب.
عن التاريخ “المقاوم و”الممانع” للنظام السوري
نتعامل مع الحياة، مع الاحداث، ومع الحروب ايضا، بفرضيات مسبقة، الفرضيات تحدد لنا كيف نفهم، من اية زاوية ننظر، وأين نقف، النظام السوري مثلا.
يتفق غالبية العرب، الا ما ندر على ان النظام الحاكم في سوريا هو نظام دموي، قمعي ديكتاتوري، ولعله الاكثر دموية، هذا ليس كلاما جديدا، هذا لم يكن نتاج الحرب الدائرة في سوريا، هذا ليس تجن على النظام، كل سوري يعرف عن ماذا يدور الحديث.
من المدهش للغاية، ان يقف الى جانب النظام ويدافع عنه الان في حرب الابادة، من وجه إليه ذات التهم بالأمس، حين كان غيره يتواصل معه، وليس هذا موضوعنا طبعا.
ما يهمنا هو وضع النظام السوري، نظام الـ الاسد، على محور المقاومة والممانعة، على اي أساس تم تصنيفه على هذا النحو؟
هنا لا تفيد الاجابة بدون وضع المعايير، والحقائق والمواقف، وهنا لا بد من التأكيد أنه لا يفيد مثلا “وعي الاكاذيب” والفبركة، لا يفيد ولا يكفي ان تذكر داعش لجعل النظام مقاوما وممانعا، ولا تنفع مقولة مثل: “وشو البديل للنظام بدك داعش؟”، لان الحرب على سوريا وفي سوريا ليست بين داعش والنظام، ناهيك عن انه لا يطرح احد داعش بديلا، بالعكس لقد كانت اكثر الجهات دعما لبقاء النظام موضوعيا، ولا يمكن الاكتفاء بالقول: “صحيح هذا نظام مجرم لكن الان ليس وقته”، هذه مقولات تدافع عن النظام، وأصحابها على غير استعداد اصلا للحديث عن اجرام النظام الذي “يدافع عن سيادة البلد”، وهي كذبة اخرى تضاف الى مجموعة اكاذيب ضمن عملية الفبركة.
تعالوا نتفق اولا ان سوريا مستهدفة، مثل العراق من قبلها، تعالوا نتفق ان العالم العربي مستهدف، هناك مخطط ينفذ الان على الارض، لم يعد مجرد فرضية، لا يهم اسم المخطط، المهم انه قائم وينفذ، لكن من المهم ان نفرق بين الوطن والدولة هنا، الوطن العربي هو المستهدف، وليس الدولة، اي النظام والمنظومة الحاكمة، الدولة هي نظام ومنظومة تحكم، الوطن هي الارض والمقدرات والشعوب، عندما نميز بين الاثنين يسهل علينا فهم ما يحدث حولنا، الغالبية من الناس، الغالبية الساحقة، تميز بين الاثنين، فهي تقف الى جانب الشعوب والوطن ضد النظام والمنظومة الحاكمة، اسال اي شخص سيقول لك ذلك.
“وعي الاكاذيب” والفبركة، يرفض الفصل بين الطرفين، التشابك بينهما الى حد التماهي ضروري بالنسبة لهما، لان هذا افضل اسلوب لإخفاء الجريمة، للهروب من الحرج، لعدم الاجابة على الاسئلة المهمة، للتغاضي عن الواقع، للتنكر للذات، وهو ما يقود في النهاية الى الدفاع عن النظام اولا، فلا شعب ولا وطن، ولا هزائم ولا جريمة، هذا ما حصل في هزيمة 1967، هذا ما يحصل الان بالضبط.
مقاومة حسب الاصول
في عصر الجمل القصيرة، والمقاطع المؤثرة، والصور المفبركة، تستطيع ان تقول ما تشاء، وان تروج ما تريد، الوعي الذي يعتاش على “مقطع مؤثر” وانصاف حقائق، وبطولات وهمية، لا يحب الخوض في العمق، لا وقت لديه، التغريدة التي تعيش بضع دقائق وثوان احيانا وفي احسن الحالات بضع ايام، ثم تختفي، والشبكة التي “تشتعل” لبضع كلمات، ثم تخبو، تنتج معها “وعي الومضات”، لا وقت لديها للبحث في العمق، الحقائق بالنسبة لها متعبة، السرعة والسطحية هي أهم أدواتها التي تسطو بها على العقول وتتحكم بها، وتوجهها بالشكل الذي تريد، فتشغله وتلبي رغباته كما يريد.
نصف الحقيقة كذب، فكيف إذا غابت الحقيقة كلها، بالإمكان عرض حقيقة أية حقيقة، حتى عن جرائم داعش، لكن هذه بعض الحقيقة، في سوريا مثلا تتقاسم داعش والنظام وحلفاؤه الحرب على الشعب السوري، عندما تخفي جرائم النظام عن قصد، وتنشغل في جرائم داعش، فانت لا تكذب فقط، بل تنتج وعيا كاذبا.
غالبية المنشغلين بالحالة السورية لا يعرفون حقيقة النظام، الجيل الشاب بالذات، وهناك من يعرف ويخفي لكنه يقف الى جانب النظام قلبا وقالبا، وهناك ممن يعرفون ويخفون ممن هم ليسوا مع النظام، لكنهم يخافون أن تعايرهم نساء قريش، هؤلاء لا يقلون سوءا عمن قبلهم.
منذ البداية سأكون واضحا، لا علاقة للنظام السوري بالمقاومة والممانعة، هذه أكبر كذبة روّجت في السنوات الاخيرة، بالضبط مثلما لا علاقة للأنظمة العربية بالمقاومة والممانعة، الفرق يكمن في “الثروة اللغوية”، في الاستعمالات “التلفزيونية المجازية”، في “وعي الاكاذيب”، ودعنا نعترف ان “وعي الشبكة” وتغريدات “مملكة الوهم”(فيسبوك واخوانه)، شكلا منصة هامة للترويج لهذه الاكذوبة، تقنيات الاعلام الحديث لم تخيب ظن النظام في سوريا.
النظام السوري، جزء من النظام العربي العام، من المنظومة الرابضة على صدور الشعوب منذ عشرات السنوات، المنظومة التي انتجها سايكس بيكو، النخب التي وكّلها الاستعمار بتدمير اوطانها، الشعوب والمقدرات، هؤلاء هم الدولة، والباقي الشعوب والارض والمقدرات هم الوطن.
من اللافت للنظر ان الانظمة المعرفة ممانعة ومقاومة وتحارب الاستعمار وتقف “سدا منيعا” في وجه الصهيونية والرجعية والامبريالية، هي الانظمة الاكثر قمعا ودموية تجاه شعوبها، مصر عبد الناصر وسوريا الاسد، وهي تاريخيا وبشكل لافت الاكثر دموية مع الاسلاميين، وليس هذا هو المهم على اية حال.
لا ينجح نظام الـ الاسد، منذ الاب وصولا الى الابن في عبور امتحان واحد بنجاح في “المقاومة والممناعة”، في العلاقة مع شعبه، في المواجهة مع إسرائيل، في العلاقة مع امريكا، في العلاقة مع الشعب الفلسطيني، وفي العلاقة مع جارته لبنان بشكل خاص، فقط في امتحان واحد ينجح وبتفوق، امتحان الوهم والفبركة، في هذا لا ينافسه احد.
الحديث عن النظام السوري كما قد يعتقد البعض ليس تبييض وجه لأي نظام عربي، سنتفق مع محور “المقاومة والممانعة” على عمالة وتآمر النظام العربي بالعموم، لكننا لا ندري لماذا يصمم هؤلاء على منح النظام السوري ما ليس به أصلا.
من المهم قراءة التاريخ
الذي ينشغل باللحظة الانية الى حد الهوس يغيب عن التاريخ، في حالة النظام السوري التاريخ مهم، واللحظة الحالية هي نتاج اختمار اللحظات التاريخية، تراكمها، ومفاعيلها، من يصمم ان يذكر للنظام السوري دعمه للمقاومة سابقا، وهذا من حق النظام، عليه ان لا يشطب المواقف الاخرى، حتى لا نقع في ذات خطأ هزيمة 1967 التي ما زالت انفاسها تعيش بيننا، لا يمكن ان تحسب لنظام عبد الناصر ما له، وتشطب ما عليه في حادث كارثي بحجم هزيمة 1967، وتختصر كل ما حدث بالادعاء “ان الرجل كان صادقا لكن من حوله هم من خانوا”.
ليس موضوعنا هنا نظام عبد الناصر، بل النموذج، ووعي الاكاذيب.
اي امتحان “مقاومة وممانعة” نجح النظام السوري بعبوره ولو بعلامة يكاد يكفي؟
وماذا يعرف الجيل الشاب عن هذا النظام؟، ولماذا يخفي الكبار من انصاره او يتنكرون لتاريخه، حقيقته؟
هاكم بعض الحقائق الجوهرية
كانت بداية حضور عائلة الاسد السياسي في سوريا ما قبل هزيمة 1967، حيث اشغل حافظ الاسد رئيس اركان سلاح الجو ووزير الدفاع فيما بعد، كانت هذه ايام ما بعد فك الوحدة المصرية -السورية التي تشكلت في العام 1958 وفكت في العام 1966.
قاد حافظ الاسد اكبر عملية تطهير في صفوف الجيش السوري في الفترة الواقعة ما قبل حرب 1967، حيث حرر الاف الضباط من غير العلويين من صفوف الجيش بتهمة التآمر على الثورة، ودخلت سوريا حرب 1967 مع اشباه جنود يقفون على رأس جيش سيخوض أهم حرب في تاريخه ويخرج مهزوما شر هزيمة، إثر احتلال الجولان وتشريد الالاف من سكان القرى وتدميرها(وهي حقيقة قلما يتطرق اليها مؤرخو الهزيمة.(
كانت ابرز فضائح هذه الهزيمة هي الاعلان عن سقوط مدينة القنيطرة الحدودية قبل ان يدخلها الجيش الإسرائيلي، وقد اتهمت شخصيات سورية رسمية وغير رسمية حافظ الاسد بالخيانة وتسليم الجولان في حرب لم تستمر اكثر من يومين بعد ان اصدر الاوامر بانسحاب الجيش (وهنا نوصي بقراءة كتاب “سقوط الجولان “لخليل مصطفى، وهو متوفر على الشبكة).
قاد حافظ الاسد 3 سنوات بعد ذلك ما عرف بـ “الثورة التصحيحية” حيث انقلب مع مجموعة ضباط من حزب البعث وعلى رأسهم مصطفى طلاس، على الرئيس السوري في حينه نور الدين الاتاسي.
كانت هذه نهاية عصر الانقلابات في سوريا التي استمرت قرابة 20 عاما وبداية “عصر الـ الاسد” الذين سيحكمون سوريا بالدم والنار حتى هذا اليوم.
لم يكن انقلاب لحزب البعث فحسب بل للعلويين الذين سيسيطرون على كافة مفاصل الحياة في سوريا(لا بأس هنا من مراجعة تصريح للرئيس المصري في حينه جمال عبد الناصر وهو موجود على الشبكة بعنوان “عبد الناصر والسادات يفضحون حافظ الاسد”.
عن وهم التحرير
كانت حرب رمضان عام 1973 واحدة من اللحظات التاريخية الهامة التي يصاغ بها وعي الكذب من جديد، فقد انتصر الوطن المتمثل بالجنود والضباط ووصل الجيش السوري الى مشارف بحيرة طبريا، لكن أوامر بالانسحاب صدرت للجيش حولت النصر الى شر هزيمة، وفي الوقت الذي اطلق اعلام النظام على الحرب “الحرب التحريرية”، فقد تبين في النتائج النهائية ان شبرا واحدا لم يحرر، وجاء اتفاق فصل القوات في العام 1974 بعد جولات وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر ليزيد من عمق الفضيحة، حيث منع بموجب الاتفاق من القوات السورية التواجد قريبا من الحدود، فيما لم يكن هذا شرطا على إسرائيل، والتزم الطرفان بوقف العمليات العسكرية.
وفيما التزمت سوريا التزاما دقيقا في الاتفاق، فقد خرقته إسرائيل عشرات المرات، وقامت طائراتها بالتحليق في الاجواء السورية وضرب اهداف سورية دون ان يكون رد واحد من السوريين الذين ما زالوا بانتظار “الوقت والظرف المناسب للرد”.
جاءت الحرب الاهلية في لبنان والمندلعة عام 1975 لتكشف عن قذارة وعدائية هذا النظام بشكل سافر.
دخلت القوات السورية الى لبنان بموافقة امريكية وإسرائيلية لتقف الى جانب الكتائب وقوى اليمين اللبناني الذي كان متعاقدا مع إسرائيل ضد تحالف القوى الوطنية اللبنانية التي قادها رئيس الحزب الاشتراكي كمال جنبلاط والثورة الفلسطينية، وكان لهذا التدخل نتائج مروعة، أولها مجزرة تل الزعتر التي ارتكبها الجيش السوري وقوى اليمين اللبناني بحق الفلسطينيين استشهد على اثرها الآلاف، فيما كانت النتيجة الاكثر سوءا هي التواجد السوري في لبنان والذي اشرف عليه الضابط غازي كنعان “المنتحر” لاحقا.
عاث الجيش السوري في لبنان فسادا، اغتيالات وتجارة مخدرات وافساد، ولم تكن هي الا مشيئة الله التي تفضح “مقاومة وممانعة” فاسدة ووهمية.
سجّل الجيش السوري الفضيحة تلو الاخرى، في العام 1978 وفي عملية ليطاني احتلت إسرائيل اراض لبنانية واقامت منطقة أمنية وكّلت بها جيش جنوب لبنان العميل دون ان يحرك الجيش السوري ساكنا، واذا كانت المنطقة “بعيدة” على الجيش السوري، فقد احتل الجيش الإسرائيلي عام 1982 عاصمة عربية اسمها بيروت، ودمرها، وتواجد فيها جيش عربي، الجيش السوري، الذي لم يحرك ساكنا، إن لم يكن معينا، والله اعلم.
الجيش الذي جاء لحماية الكتائب حلفاء إسرائيل، وجد نفسه “عاجزا” عن حماية اللبنانيين والفلسطينيين الذين ذبحهم جيش الكتائب تحت اشراف إسرائيلي في صبرا وشاتيلا، حتى لا ننسى التاريخ.
أرنب في لبنان أسد على شعبه
في الجولان اختار نظام الاسد ان يكون ارنبا كما في بيروت، لكنه “استأسد” على شعبه في ابشع مجزرة شهدها العرب حديثا، مجزرة حماة التي قادها شقيقه رفعت، والتي اسفرت عن استشهاد قرابة الـ 40 الفا من العزل بعد ان تم محاصرة المدينة ودكها بالمدفعية ودخلت اليها قوات الجيش وارتكبت مجازر رهيبة، دمرت ثلث المدينة وهجر منها 100 الف تشردوا في اصقاع الارض، وفي العام 1981 ارتكبت مجزرة تدمر ابشع سجن في سوريا واستشهد 1100 شهيد، قبل داعش بكثير.
في لبنان دمرت إسرائيل في العام 1983 كافة بطاريات الصواريخ السورية دون رد، ولن نتطرق هنا للضربات المتتالية التي تنتظر الوقت والظرف المناسب.
كانت فضيحة نظام حافظ الاسد القادمة تأييده لحرب أمريكا والحلفاء على العراق في العام 1991، وهذه بعرف “المقاومين والممانعين” كبيرة لا تغتفر، لكنها صارت كلاما عابرا، وكم هو التاريخ فاضح، الان يقف نظام العبادي في العراق الذي نصّبته الدبابات الامريكية ويحميه الحشد الشعبي بفتوى ولاية الفقيه السيستاني تحت رعاية ايرانية، يقف على محور “الممانعة والمقاومة”، بشار؟، من شابه أباه فما ظلم.
المساومة
تغيب من المشهد المفاوضات والتسويات، ويظن ويعتقد البعض جازمين ان النظام السوري وقف “شامخا” يرفض المساومة والتفاوض، فينكشف النظام كأي نظام عربي “رجعي”، بتسمية الممانعين، لم يتقن هذا النظام الا التسويات.
اتفاق فصل القوات عام 1974 على اساس قرار 338، الذي كان يعتبر هو وشقيقه 242 من العام 1967 شبه “خيانة” في عرف جبهة الرفض والصمود، كما اسميت في حينه.
شارك نظام الاسد في مؤتمر جنيف من العام 1974، ولم تفد لاءات الخرطوم، لا تفاوض لا اعتراف، وشارك النظام ممثلا بوفد وقف على رأسه السفير السوري في امريكا في حينه وليد المعلم، بمشاركة وفد إسرائيلي كان بنيامين نتنياهو ويا للأقدار واسحاق شمير رئيس الحكومة الإسرائيلي في حينه، وفي واشنطن دارت مفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي، شارك بها وليد المعلم وفاروق الشرع وايهود براك والسفير الإسرائيلي في امريكا ايتمار رابينوفيتش، هذه مفاوضات علنية، فلماذا تلومون محمد بن سلمان على زيارات سرية؟، ونحن نتفق ان لا علاقة للرجل بالممانعة والمقاومة، وهو امريكي بلا تحفظ؟
لا نخوض في المحادثات السرية بين الطرفين، فنحن نعلم ان السر يسبق العلن، مثل اوسلو ومثل محمد بن سلمان.
و”تركة رابين” من لا يعرفها، الذي اوصى بالنظام خيرا، ورجل الاعمال اليهودي تسفي لاودر، وجولاته المكوكية، وكيف نحسب الزيارات التي شارك بها المئات لأقاربهم في سوريا(وحتى لا افهم خطأ انا مع هذه الزيارات ومع كل تواصل مع العالم العربي)، ونحن نعلم ان سوريا تعرف ك”دولة عدو” إسرائيليا، فكيف سمح نظام “الممانعة والمقاومة” بها؟
سأكتفي بهذا القدر، من المهم ان نقرا التاريخ جيدا، حتى لا نضيع على شبكات التواصل.