أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (266) غزة التي لا تشبِهُ غيرَها ولا يشبهُها غيرُها

إعادة الإعمار بين الوقت الدولي الخيالي والوقت الغزيّ القياسي

حامد اغبارية

1)

منذ أن “توقف” إطلاق النار في غزة، تتناقل وسائل إعلام عربية وأجنبية معلومات مضلِّلة حول الفترة التي يحتاجها القطاع لإعادة إعماره.

بحسب ما أوردته وسائل الإعلام فإن تقديرات الأمم المتحدة، في تقرير لها عام 2024، تقول بأن إعمار قطاع غزة يحتاج إلى 350 سنة، إذا ما استمر الحصار الإسرائيلي!!

ومن جانب آخر فإن ستيف ويتكوف، مندوب إدارة البلطجي الدولي المناوب، دونالد ترامب إلى المنطقة، أعلن أن إعادة الإعمار تحتاج إلى 15 سنة!!

وقد أرفق ويتكوف إعلانه ذاك بتفاصيل أخرى قال فيها إنه لا يوجد في غزة ماء ولا كهرباء، وإن حجم الدمار الذي وقع هناك هائل. لم يبق شيء قائما، ليس آمنا أن تسير هناك، لأن هناك ذخائر لم تنفجر، إنه أمر خطير للغاية!!

فما الهدف من إطلاق مثل هذه التصريحات والترويج لهذه المعلومات المضلِّلة؟!!

وهل فعلا يحتاج قطاع غزة إلى 350 سنة لإعادة إعمار وإعادته إلى ما كان عليه قبل الحرب، كما تدعي تقارير الأمم المتحدة، أو إلى 15 سنة كما تزعم إدارة ترامب؟

هل تذكرون أول تصريح لترامب حول نيته شراء القطاع وتهجير سكانه، وتحويله إلى “ريفييرا”؟!

ما يزال هذا الهدف ماثلا أمام ذلك البلطجي الدولي المناوب، في كل المحطات التي شهدت مفاوضات وقف إطلاق النار.

إن إدارة المافيا الجالسة في بيت الخراب في واشنطن، وبالتنسيق مع تل أبيب وعدد من عواصم العار العربية، قد اتخذت قرارها بتنفيذ خطة تهجير أهل غزة وتشتيتهم في أصقاع الأرض. وما تلك التصريحات حول الوقت الذي يحتاجه القطاع لإعادة إعماره إلا إحدى وسائل تحقيق هذا الهدف، سواء كان ذلك الوقت 350 سنة كما تقول الأمم المتحدة، أو 15 سنة كما تقول إدارة وكر الشيطان!

عندما تصل هذه التفاصيل المرعبة إلى ابن غزة، فما الذي سيخطر في باله؟ بماذا سيحدث نفسه؟ هل سينتظر 15 سنة ليعيد بناء بيته؟ أم ينتظر 350 سنة حتى يعود القطاع كما كان قبل الحرب؟! لا بدّ أنه سيصاب باليأس، وسيبدأ بالتفكير بالرحيل، “لأن العمر لا يكفي للانتظار كل هذه السنوات”!!

فهو، إذًا، أسلوب لبث روح اليأس والإحباط بين الغزيين، ودفعهم دفعا إلى المغادرة والهجرة (بإرادتهم) “بحثا عن حياة أفضل”!!

هذا ما يمكن قراءته من قول ستيف ويتكوف إنه لا يوجد ماء ولا كهرباء ولا أمن في غزة.؟ “فكيف سيعيش الناس بلا ماء ولا كهرباء”؟ وكيف سيتنقلون من مكان إلى آخر داخل القطاع وسط غياب الأمن الشخصي بسبب “وجود الذخائر التي لم تنفجر”؟!! وهي بالمناسبة ذخائر أمريكية!!

يرافق هذا مواصلة الاحتلال إغلاق سبل الحياة على أهل غزة من خلال منع إدخال المساعدات، وخاصة الدواء والأجهزة الطبية والوقود.

يحدث هذا وسط حديث عن أن هناك 350 ألف طفل غزيّ مهددون بسوء التغذية، ما يعني انتشار الأمراض الخطيرة والموت في أوساطهم، وما يعني أن مستقبل غزة، الذي يمثله هؤلاء الأطفال، سيشهد جيلا ضعيفا لا يقوى على شيء، هذا إن بقي على قيد الحياة!!

هكذا تُغلق الدائرة على أهل غزة، أو هكذا يظن هؤلاء الحمقى، الذين لا يعرفون غزة ولا أهلها، ولا يعرفون الفلسطيني حق المعرفة، ولا يعرفون المسلم المتمسك بأرضه تمسكَه بعقيدته. إن غزة لا تشبه غيرَها، ولا يشبهها غيرُها، لأنها نموذج خاص من طينة خاصة لم تتمكن “العلوم التكنولوجية الغربية” من فك شيفرتها، ولا أظنها تتمكن يوما ما.

لذلك فإن الترويج لمثل هذه الأضاليل لن يفيد شيئا أمام صلابة صخرة غزة وأهلها.

2)

في الحرب العالمية الثانية تعرضت مدينة برلين، العاصمة الألمانية، إلى دمار هائل هو أضعاف ما تعرض له قطاع غزة. ورغم هزيمة ألمانيا واستسلامها وانهيارها اقتصاديا في تلك الحرب إلا أن الشعب الألماني، وبمساعدة خارجية بطبيعة الحال، نجح في إعادة إعمار المدينة في المرحلة الأولى خلال 4 سنوات (1945-1948)، ثم احتاج إلى أربع سنوات أخرى (1948-1952) لاستكمال الإعمار. وقد حدث هذا في ظروف تكنولوجية متواضعة قياسا مع الإمكانات التي يملكها العالم اليوم!

كذلك الأمر بالنسبة إلى اليابان التي دمرتها القنابل الذرية الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية. فقد تمكنت طوكيو من تحقيق معجزة حين تمكنت من إعادة إعمار ما دمرته أمريكا خلال عشر سنوات فقط (1945-1955)، حيث نجحت في إعادة الإعمار وفي إعادة الحالة الاقتصادية إلى ما كانت عليه قبل الحرب. بل أكثر من ذلك؛ تحولت اليابان خلال فترة قصيرة إلى قوة اقتصادية عالمية، رغم هزيمتها في الحرب!!

فلماذا، وكيف تحتاج غزة إلى ثلاثة قرون ونص القرن كي تعود كما كانت، وهي التي لم تعلن استسلامها، ولم تهزم، ولم ترفع الراية البيضاء كما فعلت ألمانيا واليابان؟!!

إن غزة لا تحتاج إلى كل هذه الوقت الخيالي لإعادة إعمارها، بل إن أهل غزة- حين يُمنحون الفرصة والأدوات- قادرون على النهوض من وسط الركام، وإعادة إعمار ما دمرته الآلة الحربية الإسرائيلية والأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية، خلال خمس سنوات، أو سبعٍ في أسوأ الأحوال. فهم يملكون ما لا يملكه الألمان واليابانيون. إنهم يملكون عقيدة راسخة كالجبال، وإيمانا يتعجب منه أهل الأرض وأهل السماء. إنهم قادرون على انتزاع الحياة من الموت، واعتصار الماء من الصخر، وتحويل الصحاري القاحلة إلى جنات خضراء تنبض بالحياة. وفي التاريخ البعيد والقريب، وفي الأحداث التي شهدتها غزة منذ عام 2007، ما يؤكد ذلك ويشهد عليه.

وإذا كانت الإرادة الدولية، التي شاركت في تدمير قطاع غزة، تسعى إلى بث الشعور باليأس في أوساط الغزيين، وإيهام الناس بمثل هذه الأوهام، فإن الإرادة الغزية، التي صمدت طوال أكثر من سنتين أمام حرب كونية شاركت فيها قوى الشر على كوكب الأرض، قادرة على صناعة الأمل وصياغة المعادلة من جديد.

لقد صمد المسلمون (المستضعفون) في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات، بلا ماء ولا غذاء ولا أية وسيلة من وسائل العيش الكريم، وسط حصار قرشيّ صارم، ولم يستسلموا، ولم يتراجعوا، ولم يرفعوا الراية البيضاء، ولم يفاوضوا على المبدأ، ولم يطأطئوا أمام العاصفة، ثم خسئت قريش الكافرة، وذهبت كل خططها أدراج الرياح، ثم لم تمض سنوات قليلة حتى ارتفعت راية المؤمنين فوق كل راية في جزيرة العرب وتهاوت تحتها كل الأصنام الحجرية والبشرية، ثم رفرفت تلك الراية فوق إيوان كسرى وديوان قيصر في زمن قياسي، لا يمكن “للتكنولوجيا الأمريكية” أن تتخيله أو تدرك كنهه!

أيها الجبناء! أتروْن جبال الركام التي خلفتها حرب تل أبيب – واشنطن في غزة؟! إن أهل غزة قادرون على إعادة تدويرها وتحويلها إلى إكسير حياة. وما عليكم إلا أن تتركوا ابن غزة وشأنه لتروا العجائب تقطر من بين أصابع يديه والحياة تنبعث من كفّيه!

3)

تناقلت وسائل الإعلام العبرية هذا الأسبوع خبرا رئيسيا حول وجود شبكة لمواقع إلكترونية وحسابات مزيفة على منصات التواصل الاجتماعي توجه رسائل إلى أهل الداخل الفلسطيني. وكعادتها نسبت وسائل الإعلام العبرية إلى إيران الوقوف وراء هذه المواقع والحسابات، بهدف تجييش أهل الداخل من خلال نشر رسائل تتعلق بمواضيع تقف على رأس اهتماماتهم، مثل الحرب على غزة، وهدم البيوت في الضفة الغربية ومنطقة المثلث، والقمع السياسي، والمس بحقوق الإنسان، والجريمة المنظمة وغير ذلك.

وكعادتها كذلك هوّلت وسائل الإعلام العبرية وضخمت في هذه المسألة باعتبارها أول واقعة من نوعها خاصة بفلسطينيي الداخل، كما تقول، وكأنها تريد الإيعاز بأن هناك جهات تسعى إلى تحريض أهل الداخل الفلسطيني!!

وسواء كانت هذه المعلومة صحيحة كما أوردتها وسائل الإعلام العبرية، التي ذكرت أسماء حسابات مثل (أهلنا) و (عشان 1948) و (معا للوطن)، أو غير صحيحة من جهة أنها حسابات حقيقية، ومحلية لا علاقة لها بالخارج، فإن ما يمكن قوله في هذا السياق هو إنها وسيلة جديدة للتركيز على مجتمع الداخل الفلسطيني، وتشديد القبضة الأمنية عليه.

وإلا فما حاجة أهل الداخل إلى من يذكرهم بما يجري في غزة وهم يرونه بالبث المباشر على مدار الساعة؟!

وما حاجتهم إلى من يحكي لهم ما يجري في الضفة الغربية وهم يعيشونه يوميا؟!

وهل غاب عنهم هدم البيوت في المثلث والجليل والنقب حتى يأتي من يذكرهم بهذا؟!

أولا يعيشون مرارة الجريمة المنظمة يوميا؟!

فما حاجتهم إلى مواقع وحسابات (مزورة أو حقيقية) من الخارج لتروي لهم قصّتهم التي يعيشون تفاصيلها بالبث المباشر؟!

4)

لا يغرّنك هذا الصمت…. وإن طال، فإنك لا تدري من أين تنفجر البراكين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى