معاناة الصيادين في غزة: فقدان الأبناء وتضييق البحر وحصار يلتهم مصادر الرزق

على حافة الميناء البحري غرب مدينة غزة، حيث تتكسر الأمواج على بقايا القوارب المحطمة، يجلس الصياد المسنّ رشاد الهسي (81 عامًا) متكئًا على لوح خشبي مكسور، يتأمل البحر الذي رافقه منذ خمسينيات القرن الماضي. وفي المكان الذي اعتاد الصيادون التجمّع فيه كل صباح، تبدو آثار الدمار واضحة؛ خراب يمتد على طول الميناء، ودخان أسود يعلو السماء، فيما لم ينجُ سوى عدد قليل من القوارب الصغيرة المتهالكة.
ورغم سوء الأحوال، يواصل الصيادون المجازفة بحياتهم فجر كل يوم، بحثًا عن بضع كيلوجرامات من السمك لإطعام عائلاتهم، في ظل استمرار الحظر البحري الذي تفرضه إسرائيل منذ بدء حربها على القطاع عام 2023. ورغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار المرحلي حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما تزال إسرائيل تمنع الصيادين من الإبحار وتلاحق من يجرؤ على الاقتراب من البحر.
وسط هذا المشهد القاسي، يحمل الصياد الهسي وجعًا يفوق قدرة العمر. فإلى جانب الدمار الذي لحق بقواربه ومصدر رزقه، فقد ثلاثة من أبنائه الذين اختطفتهم البحرية الإسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بينما كانوا يعملون في عرض البحر، ولم يصل العائلة أي خبر عن مصيرهم.
ومنذ ذلك اليوم، يجلس الأب الثمانيني كل صباح في الميناء، يراقب القوارب العائدة وكأنه يبحث بينها عن محمد وأحمد ومحمود، ومعهم زميلهم محمد طلبة، الذين اقتيدوا إلى جهة مجهولة.
ويقول الهسي إن أبناءه لم يكونوا يقومون سوى بالصيد، مؤكدًا أن الصيادين «لا يشكّلون أي خطر»، وأن ما يريدونه فقط هو «تأمين قوت عائلاتهم»، في وقت تستمر فيه القوات الإسرائيلية بملاحقتهم وإطلاق النار عليهم واعتقالهم وتدمير ما تبقى من معداتهم.
ولم تقف مأساة العائلة عند هذا الحد، فقد فقدت أيضًا ابنًا رابعًا، شادي الهسي (42 عامًا)، الذي اختفت آثاره خلال الشهر الثالث من الحرب، دون أن يرد أي خبر عنه حتى اليوم.
ويشكّل ما حدث مع الهسي نموذجًا لمعاناة يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، والتي أسفرت خلال عامين عن مقتل أكثر من 69 ألف فلسطيني وإصابة ما يزيد عن 170 ألفًا، إضافة إلى اعتقال آلاف الأشخاص، بينهم عشرات الصيادين.
الهسي الذي كان يبحر لأميال طويلة منذ خمسينيات القرن الماضي، ويصل أحيانًا إلى مياه بورسعيد المصرية، يصف التحولات القاسية التي عاشها البحر: من مساحة حياة ورزق، إلى منطقة خطر محكم الإغلاق. فالمساحات التي كانت محدودة أصلًا تقلّصت اليوم إلى مئات الأمتار فقط، ولم يعد الصيادون قادرين على الإبحار كما كانوا يفعلون سابقًا.
ويشير إلى أن الحرب دمّرت أربعة من قواربهم الكبيرة وعشرة قوارب صغيرة، كانت تبحر لمسافات تصل إلى 15 ميلًا بحريًا قبل الحصار الكامل. واليوم، يخشى كثير من الصيادين الإبحار بعد الاعتقالات الواسعة، وتعرضهم للضرب والإذلال، ومصادرة القوارب وإتلاف معدات الصيد، الأمر الذي جعلهم بلا حماية وبلا مصدر دخل.
ودفع قطاع الصيد في غزة ثمنًا باهظًا خلال الحرب؛ إذ قُتل 230 صيادًا برصاص القوات الإسرائيلية من أصل نحو 4500 صياد يعيلون عائلاتهم من هذه المهنة. كما جرى اعتقال 60 آخرين، من بينهم 20 صيادًا بعد بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وترك آلاف العائلات بلا دخل.
ووفق المعطيات المحلية، فإن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار مئات المرات، ما أسفر عن مقتل 342 فلسطينيًا منذ بدء سريانه، وسط استمرار القيود المشددة التي تطال قطاع الصيد البحري وتزيد معاناة العاملين فيه.
المصدر: وكالة الأناضول


