
أسماء علي كريم
تتمثل الحياة أمام ناظرينا مراحل ومفاوز يقطعها الكبير والصغير، وكلما تقدّم بنا العمر احتجنا للمسير وإدراك السائرين أمثالنا، لا يمكنك التخلف عن الركب وإلا احتجت إلى التعويض وبذل مزيد من الجهد، وربما كلفك ذلك أن تقعد فتسعى بعد ذلك وحدك أو تضطر للسير مع من هم ليسوا من أقرانك فتكون كبيرًا بين الصغار وشيخًا بين همة الشباب.
عندما يكبر أطفالنا ويبدأون بشق دروب حيواتهم في جزء من يومهم لوحدهم، تلتهب في عروقنا الدماء، ويساورنا قلق كبير، وتتسارع دقائق القلوب ودقاته وجلًا من خطر أو مأزق أو حاجة لهم يدركونها بنا فقط، ويتباطؤ الزمن تباطؤا غريبا حتى لكأنما الساعة ساعات والبرهة أوقات، عندها إذا دمعت عينك واضطرب منك القلب فقل يا الله استودعك أنامل الصغار وحياتهم، استودعك حبات القلوب التي بذرناها على عينك وأنت كفيل بإنباتها نباتًا حسنًا، يسرّ كل ذي بال، فاصطنعهم على عينك، واكلأهم بحفظك، واحفظهم من كل سوء أو فعل ردي.
عندما يكبر الصغير، تكبر معه أعمارنا نحن، وقد لا ندرك أننا أيامٌ تمضي، فكلما مرّ بنا يوم سارعنا إلى الرحيل، فإذا ودّعت صغيرك اليوم للمدرسة وكنت دامع العينين، ملتهب الجنان، فتذكر يومًا ستودع أنت أنت هاتيك القلوب، وستدمع عليك عيون، وتنتفض لذهابك أفئدة، فكن كما يحبك الله في كل لحظة من حياتك وفي كل خلوة من لياليك لتنير دروب البرزخ إذما أظلمت دروب الدنيا الفانية.
عندما يكبر الصغير، تتذكر الفتن المدلهمة في خبايا الأيام، فتزداد حرصًا وتترقب همًّا، وتتأكد من دورك الذي لا تواني عنه ولا تراجع، ولا يقوم به غيرك البتة، فإذا أسلمت قيادهم للحياة لا تجعلها رخوة ولا تركن إلى “المسؤولية وصناعة النفس” فهذه الحياة حيّة تغدر وعقربٌ يلسع، وضبع يفترس، لا تفلت زمامهم من يدك ليصطنعوا لأنفسهم مستقبلًا وتنمو عندهم الاستقلالية الموهومة، لأنهم كالمركب يحتاج لربان وبوصلة، ولا يمكن للمركب أن يسير لوحدة ولو تقادمت به السنون على الشاطئ وتوالت به الرحلات في عباب البحار والمحيطات، فكن صاحب توجيه حكيم وذا بصيرة فهيما، ولا تترك الصغار للحيات والضباع تنهشهم، ولا للعقارب السامّة تلسعهم، وراقب نجوم أعمارهم وازدهار براعمهم بمجهر القلب والعين والدين.
عندما يكبر الصغير، ستتذكر حياتك السالفة وتجاربك الصغيرة وسينفتح أمامك ذكريات مضت بحلوها ومرّها وعجرها وبجرها، لعلها تكون مصباح الطريق الذي ينأى بالأطفال مهما كبروا عن السقوط في الحفر، واجتناب الخطر، والسلوك نحو مسيرات تجني ثمرا حلوا وأزكى العبر.
صحبكم الله يا براعم القلب، وحبات العيون. حفظكم الله وزيّن بأخلاقكم ودينكم الدروب، رافقكم الله، وجنّبكم التيه والضيعة ومعايب الذنوب. وأعادكم الله سالمين لأحضان مهما كبرتم وتطاولت بكم الأعمار، تشتاق لضمكم وعبقكم، فأنتم عبير الأزهار وأنتم شمس الأكوان، وأنتم شعاع الأمل رغم الضباب والأستار.



