أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

شيخ الأقصى في سجنه ففي أي سجن نحن؟!

حامد اغبارية

لم يكن شيخ الأقصى الأسير؛ فضيلة الشيخ رائد صلاح يضيّعُ فرصة ولا مناسبة يتمكن من خلالها تأكيد اللحمة بين أبناء هذا الشعب في الداخل الفلسطيني، سواء من خلال التواصل الشخصي مع كل أطياف أبناء مجتمعنا، من الجليل إلى النقب، مسلمين ومسيحيين ودروزا، وسواء من خلال السعي إلى رفع شأن مجتمعنا بكل شرائحه، ومن خلال المشروعات التي لا تحصى، والتي من خلالها قدم ومشروعه الإنساني الكبير، الخدمات الصحية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والاجتماعية وغيرها، لأكثر من نصف مليون من أبناء شعبنا في الداخل. لا ينام الليل، وهو الذي أفنى سنوات عمره متنقلا بين شمال الوطن وجنوبه، يقدم الدعم المعنوي والمادي والإنساني لكل من لحق بهم ظلم المؤسسة الإسرائيلية، أو الذين نكبوا بمرض أو مصيبة أو نائبة من نوائب الدهر، حتى أتعب من حوله، وهو يهمس في داخله: ما زلنا مقصرين بحق أهلنا، وليتنا نستطيع أكثر من هذا!

واليوم يقبع شيخ الأقصى في سجنه في أقصى النقب الجريح، في قسم العزل، لا لذنب إلا لأنه أصر على الثبات على ثواب شعبنا الفلسطيني وأمتنا الإسلامية، لا يفاوض عليها، ولا يفكر مجرد تفكير بإمكانية طرحها للنقاش أمام الذين سجنوه، والذين يسعون إلى تفكيك مجتمعنا، وإلى تفكيك هذه الثوابت، والفتّ من عضُده حتى يتنازل عن ثباته عليها. يقبع الشيخ الأسير في سجنه راضيا مطمئن القلب إلى قدر الله وقضائه، متوثبا، عالي الهمة، دائم الابتسامة التي يتحدى بها جبروت السجان، ويرعب بها دهاقنة المؤسسة الإسرائيلية.

يقبع شيخ الأقصى في سجنه معزولا عن العالم، لأنه بصوته المجلجل أيقظ أمة من غفلتها، وأحيا فيها رابطتها بالمسجد الأقصى الأسير وبالقدس التي تنزف منذ نصف قرن من الزمان.

يقبع هذا القائد الفلسطيني العربي المسلم في سجون الظالمين، يحمل على كاهليه هموم الأمة، ويحمل في قلبه مشروعا لا يمكن لأية قوة على الأرض أن تنهيه أو تزيله، لأنه فكرة أصيلة ربانيّة، جذورها ضاربة في أعماق الأرض، والأفكار لا يمكن سجنها ولا إنهاؤها، وإن سجنوا أصحابها أو غيّبوهم عن الساحة.

وها قد مر نصف سنة تقريبا على اعتقاله الظالم، يواجه لائحة اتهام باطلة، هدفها إبعاده عن الساحة. فأين نحن من هذا الملف الذي لا يمكن اعتباره ملفا شخصيا، بل هو يهم- ويجب أن يهم- كل واحد فينا، لأن القضية تتعلق بمستقبل شعب ومستقبل قضية ومستقبل أمة؟! هكذا بكل بساطة وبكل ألم.

لنتخيل أن محكمة الظلم الإسرائيلية قررت حبس شيخ الأقصى لفترة طويلة، وهذا ما يسعى إليه من اعتقلوه، فماذا نحن فاعلون؟! وأقصد بـ “نحن” أنصاره ومحبيه ومن تربّوا على يديه عقودا. وأقصد كافة أبناء الداخل الفلسطيني، الذين لم يقصّر شيخ الأقصى في خدمتهم. وأقصد لجنة المتابعة العليا، بكل ما ينضوي تحتها من أحزاب وتيارات سياسية.

هل سنواصل هذا الصمت المقلق؟ هل سنواصل هذه الاستكانة ومظاهر العجز إزاء هذا الظلم الذي يريد أن ينال منا جميعا؟ هل سنستسلم ونرفع أيدينا ونقول: وماذا يمكننا أن نفعل؟!

يبدو لي أن الشيخ سيُسجن، وأسأل الله العلي القدير أن أكون مخطئا في تقديري هذا. لكن المؤسسة الإسرائيلية تريده بعيدا لأطول فترة ممكنة من الزمن عن المشهد السياسي وعن دائرة التأثير واتخاذ القرار. فكيف بنا نصمت كل هذا الصمت القاتل؟! كيف تتراخى همّتنا ونحن ندرك هذه الحقيقة؟ هل ننتظر معجزة مثلا؟! أم أن هناك من يعوّل على القضاء الإسرائيلي المسيّس، وعلى إمكانية حدوث معجزة يقظة ضمير لدى القاضي الذي يحاكمه؟!

هذا لن يحدث! ونحن لا يمكن أن نعيش في مثل هذه الأوهام. فقد جرّبناهم وخبِرناهم..

لكن ما يمكن أن يحدث هو أن نثبت لأنفسنا أننا يمكننا أن نفعل الكثير. يمكننا أن نمارس الضغط الشعبي الهائل، بدءا من حضور جلسات المحاكمة بالمئات، بل بالآلاف، وهذا أقل الواجب، ومرورا بخيام الاعتصام والحشد الشعبي فيها، ومن خلالها رفع مستوى وعي الجماهير فيما يتعلق بالقضايا الملتهبة التي تهمنا جميعا، وعلى رأسها قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، وليس انتهاء باتخاذ خطوات أكثر حدة وقوة وغير مسبوقة على مستوى المتابعة والأحزاب وعلى مستوى المجتمع في الداخل.

شيخ الأقصى الآن وحيدٌ في محبسه، وفي عزله، في أقصى جنوب الوطن، وتمارَسُ في حقه أنواع من الممارسات الخبيثة اللئيمة لكسر عزيمته الفولاذية، لكننا لا يجب أن نتركه وحيدا. هذا أقل واجب يمكن أن نؤديه لشيخ الأقصى، ولقضية المسجد الأقصى، ولقضية شعبنا الفلسطيني، ولمستقبلنا نحن هنا في الداخل الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى