أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي بالكَيّ.. سقط القناع ولم يسقط نتنياهو!

حامد اغبارية
بعد أن كلف رئيس الدولة العبرية نتنياهو بتشكيل الحكومة القادمة، بات من الضروري أن نقف وقفة مسؤولة، ونضع النقاط على الحروف.
بطبيعة الحال لا أحد يمكنه أن يتوقع نتيجة تكليف نتنياهو في تشكيل الحكومة، وإن كنت أميل إلى أنه سيتمكن في نهاية المطاف من تشكيل الحكومة، بعد إقناع عمير بيرتس في الانضمام إلى حكومته مقابل إغراءات لا يستطيع بيرتس أن يصمد أمامها، رغم أنه حلق شاربيه في حركة بهلوانية معهودة، كي يقول للناخب: اقرأ شفتيّ، أنا لا يمكن أن أشارك في حكومة برئاسة نتنياهو. وربما يتمكن نتنياهو أيضا من ضم حزب ليبرمان (يسرائيل بتينو)، وذلك على الرغم من تصريحات الأخير بأنه لن يكون جزءا من حكومة برئاسة نتنياهو، فقد سبق للرجلين ممارسة الكذب السياسي في موجات سابقة. إن همّ نتنياهو الآن أن يشكل حكومة بكل ثمن، بدافع شخصي في الأساس، (لكنه ليس الدافع الوحيد، فالرجل عنده أجندة إيديولوجية سياسية أمنية واضحة ويسعى إلى تنفيذها) يمكّنه من الإبقاء على حصانته كرئيس حكومة، ما يساعده في مواجهة الملفات الجنائية التي تنتظر الحسم على الأغلب في تشرين الثاني القادم، بعد أقل من شهرين، ولذلك فإنه سيعطي أقصى ما يمكن لبيرتس ولليبرمان كي يضمن انضمامهما إلى حكومته، وسيخرج الرجلان ليقولا لجمهوريهما إن مصلحة الدولة ومستقبلها أهم من الوعود الانتخابية، فالأمن القومي للدولة في خطر، ولا يمكننا تعطيل العجلة. وقد سمعنا مثل هذا الكلام في السابق أكثر من مرة.
لكن ما يهمنا في المسألة هو الخديعة الكبرى التي وقع مجتمعنا ضحية لها، في عملية تضليل إعلامي انتخابي غير مسبوقة مارسته ماكنة القائمة المشتركة الدعائية على الجمهور، وعلى رأسها شعار “إسقاط نتنياهو واليمين”، وكأن حزب جنرالات الدم برئاسة جانتس هو المخلص والمنقذ، الذي سيحول حياة الفلسطيني في البلاد إلى نعيم مقيم!
لقد زعمت المشتركة في خطاب “النصر” الذي مارست سحره على الناس أن الذين خرجوا للتصويت شكلوا 60% من أصحاب حق الاقتراع العرب، والحقيقة أن النسبة (رسميا) هي 59,2%. وأوهم خطاب المشتركة الجمهور وكأن هذه النسبة كانت كلها لصالح المشتركة، دون الخوض في تفصيلاتها، حتى بات هناك من يردد ذلك الخطاب وكأن الـ 59,2 % صوتوا فعلا للمشتركة. وهذا ما كان يمكنك أن تفهمه أيضا من كلام رئيس المشتركة أيمن عودة، في حديث مصور على صفحته على فيسبوك من أول أمس الأربعاء. فقد أصر على أن يردد نسبة الـ 60% وكأنها ذهبت كلها لقائمته. طبعا هو لم يقل ذلك صراحة، لكنه وغيره من المتصدرين للخطاب، لم يخوضوا في التفصيلات، و”تركوا” الجمهور يفهم وكأنها ذهبت للمشتركة. لكن الحقيقة غير ذلك. فالذين صوتوا للمشتركة من مجموع الـ 59,2% يشكلون 81,2% بناء على معطيات لجنة الانتخابات. وبالأرقام فإن عدد أصحاب حق الاقتراع من العرب وصل إلى 928,000 مصوت (16% من مجموع 5,8 ملايين من أصحاب حق الاقتراع قطريا)، ما يعني أن عدد الذين صوتوا من (العرب) بشكل عام 544000 مصوت. هذا يعني أن الذين صوتوا للمشتركة 441 ألفا فقط، وهذا الرقم يشمل المصوتين الدروز أيضا، بحسب معطيات لجنة الانتخابات المركزية. وقد “نسيت” قيادات المشتركة أن تقول للجمهور في خطابها المضلل إن حزب كحول لفان حصل على عدد أصوات من المجتمع العربي في الداخل منحته كرسيا في الكنيست، وحوَّلته إلى الحزب الثاني بين المصوتين العرب، حتى أنه حصل على نسبة أكبر من قائمتي “الوحدة الشعبية” و “كرامة ومساواة” اللتين حصلتا معا على 1,2% من مجموع الأصوات ولم تعبرا نسبة الحسم. في المحصلة يمكننا القول إنه أمام هذه المعطيات فقد مارست المشتركة التضليل على جمهورها بالأرقام. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، لأن ممارسة التضليل كانت أكبر من مجرد أرقام. هذا على الرغم من أن ارتفاع نسبة التصويت هذه المرة، مقارنة مع انتخابات نيسان الماضي، وقف وراءها جهات أجنبية أغلبها يهودية ضخت ملايين الدولارات من أجل رفع النسبة، وهذه وحدها تحتاج إلى دراسة وبحث من أصحاب الخبرة في دراسات العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية والنفسية، حتى يعرف الجمهور ويفهم ويدرك ويستوعب مدى تأثير المال على قرارات الناس ونفسياتهم في ممارساتهم المختلفة، ومنها السلوك الانتخابي. ومع ذلك تبقى الأرقام مسألة هامشية أمام أمور أهم، تتعلق بالخطاب “السياسي” الذي صدّعت المشتركة به رؤوس الناس على مدار الحملة الانتخابية. وأضع كلمة “سياسي” بين مزدوجين، لأنه في الحقيقة لم يكن خطابا سياسيا بالمعنى المتعارف عليه، بل كان هو أيضا عملية تضليل بثوب سياسي.
لقد رفعت المشتركة شعار “إسقاط نتنياهو واليمين”، وجعلته مدار دعايتها الانتخابية، وبذلك تكون قد اعتمدت على تأجيج العواطف وإثارة المشاعر، وكأن إسقاط نتنياهو، الذي “يحرض على العرب، ويعبر عن كراهيته لهم صباح مساء”، هو الذي سيحقق للفلسطيني في الداخل الرفاهية والخلاص، وينقله من خانة “الجوع” إلى خانة “الشبع”، وربما التخمة!! ولو جئت وحللت هذه المسألة فإنك في الحقيقة تجدهم قد تسببوا في دفع الجمهور إلى نسيان أو تناسي حقائق أخرى كان عليهم أن يعرفوها. ومنها أن حزب كحول لفان هو أيضا حزب صهيوني، وهو أيضا متطرف، وتصريحات قادته لا تقل سوءا وعنصرية وفجاجة وقُبحا عن تصريحات نتنياهو اليمين. وكون التصنيفات السياسية الممجوجة صنفته كحزب وسط، لا يعني أن الوسط هو شيء جيد و”برنجي”. فحزب كاديما الذي أسسه شارون بعد انفصاله عن الليكود صُنّف في حينه كحزب وسط. فماذا وجدنا؟ وماذا كانت النتيجة؟ وبعده إيهود أولمرط ثم تسيبي ليفني، فما هي السياسة التي مارسوها ضدنا كمجتمع فلسطيني في الداخل، وضد أهلنا في الضفة وغزة؟
وقد تسبب خطاب المشتركة ذاك كذلك إلى دفع الجمهور إلى عدم التركيز على أن حزب كحول لفان يضم في قيادته ثلاثة من أسوأ الجنرالات الذين خدموا تحت حكم نتنياهو ونفذوا تعليماته، ومارسوا القبائح ضد شعبنا. فجانتس كان رئيس أركان جيش الاحتلال منذ 2011، وشن حربين على قطاع غزة، أولاهما حرب “عمود السحاب” في 2012، والثانية “الرصاص المصبوب” في 2014. وقد قتل في الحربين آلاف الفلسطينيين غالبيتهم من المدنيين، وبينهم شيوخ ونساء وأطفال. ما يعني أن على يدي جانتس دماء فلسطينية أكثر بأضعاف مضاعفة مما على يدي نتنياهو. وقبله كان الجنرال أشكنازي قائدا للأركان، وقد مارس سفك دماء أبناء شعبنا وأمتنا على مدرا حياته العسكرية. وكان هو الذي أدار المعركة ضد أسطول الحرية عام 2010، والتي تعرض فيها الشيخ رائد صلاح لمحاولة اغتيال، حتى أن أشكنازي نفسه أراد التأكد من أن الشيخ قتل، عندما جاء يتفقد معتقلي السفينة ليرى الشيخ بنفسه أمام عينيه. فهل تذكر قيادات المشتركة تلك اللحظات؟ ومن قيادات كحول لفان الجنرال موشيه يعلون الذي وقَّع بنفسه قرار خراج حظر الحركة الإسلامية بصفته وزيرا للأمن في حكومة نتنياهو أيضا عام 2015. وهو الذي قاد معركة “السور الواقي” عندما كان نائبا لقائد الأركان سوية مع قائد الأركان يومها شاؤول موفاز، في حكومة شارون علم 2002، ودك مخيم جنين بأطنان من القنابل والمتفجرات. وهو الذي دك بيت حانون وبيت لاهيا ومخين جباليا بالحمم في 2004، في عملية حملت اسم “أيام الرد – يامي تشوفاه” وسفك فيها دماء أكثر من 130 شخصا من أهلنا هناك. فهل تذكر قيادات المشتركة تلك اللحظات؟
لقد مارست المشتركة التضليل عندما أوهمت الجمهور أن الهدف هو إسقاط نتنياهو واليمين، ولم تخاطبه ببعض الجوانب التي تشكل في محصلتها أنصاف حقائق أول أقل من ذلك، إلا بعد أن بدأت الأقنعة تتساقط الواحد تلو الآخر في الأيام التالية للانتخابات الأخيرة. فقالوا للجمهور إنهم من أجل تحقيق هدف إسقاط نتنياهو فقد اتخذوا قرارا “تاريخيا” غير مسبوق” بالتوصية (ولأول مرة!!) على جانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فجاءهم الرد بعد لحظات من كحول لفان بأن توصيتهم أضرت بمصلحة الحزب وخدمت نتنياهو. وكان التعبير الذي استخدمه حزب جانتس لوصف توصية المشتركة هو “بيغوّع توداعتي” أي عملية تخريبية ضد الوعي!! (والوعي المقصود هنا هو وعي الشارع اليهودي). ومع ذلك واصلت المشتركة عملية التضليل. فقد كشف تسجيل صوتي لعضو الكنيست السابق عبد الحكيم حاج يحيى، والذي اتضح من خلاله أن أحدهم اتصل به مقلدا صوت نتنياهو، وراح يتحدث معه حول تفاهمات سابقة مع حزب الوحدة العربية (الجنوبية) ليكتشف الجمهور أن ما نشر قبل أشهر عن دعم ذلك الحزب لنتنياهو قبيل اتخاذ قرار بحل الكنيست الـ 21، كان صحيحا. ثم جاءت التفسيرات والتبريرات بعد هذا الزلزال – الفضيحة، مثيرة للضحك أكثر مما تثير الاستغراب.
ثم جاء أيمن عودة ليكشف لنا أول من أمس على صفحته في فيسبوك بأن حزب كحول لفان طلب منهم التوصية عليه بعشرة أعضاء فقط وليس بثلاثة عشر، لكي ينتج وضع يكون فيه عدد التوصيات لنتنياهو أكثر من جانتس، وهو ما سعى إليه كحول لفان لأغراضه السياسية. ومع ذلك شرّق أيمن عودة وغرّب وهو يلف ويدور ليفسر لنا مشهد انسحاب حزب التجمع من التوصية على نتنياهو: هل كان انسحابا مبدئيا كما يقول التجمع، أم استجابة لطلب كحول لفان كما حدث في الواقع؟ ولم تكن تبريرات وتفسيرات رئيس المشتركة مقنعة ألبتة، بل زادت الطين بلة! وزادت المشهد ضبابية وارتباكا تناثرت حوله عشرات التساؤلات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد خرج رئيس الدولة العبرية رفلين، لحظة تسليمه خطاب التكليف لنتنياهو ليقول إنه عندما اتخذ القرار لم يأخذ أعضاء المشتركة العشرة الذين أوصوا بتكليف جانتس في الاعتبار!
والسؤال: هل تفاجأت المشتركة من سلوك رفلين؟ وهل هذا يعني أنه وجه لها رسالة مفادها أن المشتركة في كل الأحوال لا أهمية لها في تسيير شؤون الدولة العبرية، وأن الذي يقرر مستقبلها ويتخذ قراراتها المصيرية هي الأحزاب الصهيونية فقط، أم أن هذا كان أيضا بترتيبات سرية مع المشتركة، شأنه شأن التوصية بعشرة أعضاء، وشأنه شأن الاتفاق السري مع كحول لفان، بعدم التحدث إلى الإعلام حول تفاهمات معينة؟ في كلا الحالتين، فإن على المشتركة أن تقدم لجمهورها كشف حساب شفاف.
يفترض على المشتركة أن تجيب جمهورها وعموم الأهل في الداخل على الأسئلة التالية:
– هل كانت المشتركة فعلا تريد إسقاط نتنياهو؟
– هل كان إسقاط نتنياهو سيحقق ما يريده المواطن الفلسطيني العادي؟
– هل عندما قرروا “إسقاط نتنياهو” سألوا الجمهور عن رأيه؟
– هل تصويت الجمهور هذه المرة كان سعيا إلى تحقيق شعار “إسقاط نتنياهو” فعلا، أم أن الأمر لم يخطر ببال الغالبية العظمى من المصوتين عندما مارسوا التصويت؟
– كيف كانت المشتركة ستسقط نتنياهو؟ ما هي الخطة السرية البديلة التي كانت جاهزة لإسقاط بيبي، إذا ما انكشفت الاتصالات السرية مع نتنياهو، كما اتضح من الحوار المفبرك من عبد الحكيم حاج يحيى؟
– ما علاقة شعار “إسقاط نتنياهو” بالهجوم المتواصل من نتنياهو وأحزاب اليمين على الصوت العربي، وملايين الدولارات التي ضُخت من جهات عديدة من أجل رفع نسبة التصويت لدى العرب؟
– ما هو مضمون الاتصالات السرية مع جانتس وكحول لفان؟
-لماذا يجب أن ننتظر حتى يتصل مقلد أصوات مع أحد قادة المشتركة على أنه جانتس أو اشكنازي أو يعلون.. ويطلب “بعض التعديلات” على الاتفاق؟ لماذا لا تبادر المشتركة إلى بق الحصوة التي رأيناها عالقة تحت لسان الطيبي وهو يلف ويدور متهربا من الإجابة على سؤال بسيط: هل هناك اتفاق موقع مع كحول لفان؟
– من الذي سقط في نهاية الأمر، نتنياهو أم المشتركة؟
– هل من حق الجمهور أن يحاسب كل الذين خدعوه بفيلم إسقاط نتنياهو.. أم أن الجمهور مجرد مخزن أصوات؟؟
– هل من حق 440 ألف مصوت أن يطالبوا المشتركة بكشف حساب عن كل شيء.. كل شيء.. أم أن الجمهور ليس بمستوى الشعوب التي تستحق هذا؟
لا أظنها ستفعل يوما ما، لأن ملخص المسألة ببساطة هو كالتالي: الجمهور بالنسبة للمشتركة كان مجرد مخزن أصوات. وتشكيل المشتركة لم يكن “إرادة شعب”، بل إرادة وصول إلى الكنيست بكل ثمن، ودافعه فقط رفع نسبة الحسم. فلو بقيت نسبة الحسم كما كانت في السابق هل كان سيظهر جسم اسمه “المشتركة”؟ وهل كنا سنشاهد هذا الفيلم العبثي الطويل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى