أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ما بعد مرسي: أنموذج الاخوان المسلمين في مصر… تطور الفكر السياسي عند الاخوان في مصر (3)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

استهلال..
تعتبر جماعة الاخوان المسلمين المصرية الاب الروحي والعملي للحركات الاسلامية في كل العالم ذات الصبغة والفكر الاخواني، ولا تزال هذه الجماعة تمثل لعديد القيادات والتنظيمات الاسلامية أنموذجا يحتذى به، فضلا عن انها لا تزال تشكل الأنموذج والمرجعية العالمية دون الخوض في تفاصيل هذا الموضوع، ويرتبط جوهر هذه المرجعية بفكر الامام المؤسس وصلابة التنظيم من جهة وبالأعداد الكبيرة التي تخرجت من صفوف هذه الجماعة وساحت في الارض حيث أثرت في كثير من مسارات العمل الاسلامي على مختلف تشعباته، فضلا عن أنها أول جماعة إسلامية في التاريخ تُحَوِلُ الافكار والقيم المنصوصة الى واقع معاش يدبُّ على الأرض يعيشه الناس ويلمسونه بعد غياب دام عدد قرون، وأول جماعة تضع معالم واضحة لفكرها السياسي ومشروعها النهضوي الاصلاحي المؤسس على قيم تربوية وتربية سياسية ومعالم فكرية سياسية، تؤسس لنهضة جديدة لمصر وللمسلمين، هذا الى جانب أن هذه الجماعة أكثر جماعة قدمت تضحيات من اجل افكارها ومبادئها ولم تتزحزح قيد أنملة عن أمهات المسائل مهما كان حجم التضحيات، ومن نافلة القول الإشارة الى أنه من بين ثمانية من المرشدين الذين تسلموا مقام الارشاد في الجماعة استشهد مرشدان، قتلتهم أجهزة الامن المصرية، الامام البنا في عهد فاروق، والمرشد السابق محمد مهدي عاكف حيث قتل في سجون السيسي وقد مات بسبب الاهمال الطبي، وقدمت هذه الجماعة كوكبة من علمائها وقياداتها من أجل طروحاتها وأفكارها وكان من هذه القامات العملاقة العلامة القانوني صاحب التشريع الجنائي في الإسلام، أول مسودة شرعية قضائية في التاريخ الاسلامي تكتب بلغة القانون المعاصر، عبد القادر عودة، والعلامة المفكر صاحب الظلال سيد قطب إبراهيم والقائمة طويلة، وقد وثق الإخوان جميع شهدائهم منذ أن تأسست الجماعة الى هذه اللحظات، ولذلك أقول إنّ هذه الجماعة عصية على الكسر، ومن ظنَّ أن طغاة العرب والغرب يستطيعون تفكيك هذه الجماعة وإنهائها، فهو في وهم شديد، ذلك أنهم لَّما يستوعبوا بعد العمق الروحي داخل هذه الجماعة، ونظامها السياسي بشقيه الفكري والتربوي وكيفية عمله داخل مكوناته الخاصة والمتأثرة بها، ويكفي أن نعرف مثلا أن عبد الناصر اعتقل ثلاثمائة ألف من الإخوان وسامهم سوء العذاب والقتل (أنظر من داخل الاخوان، يوسف ندا،ص8-2012) .

مصطلح الفكر السياسي
كل باحث منصف في تاريخ هذه الجماعة سيدرك أن لها تصورات فكرية وسياسية في مختلف القضايا مبنية مداميكها على رؤية سياسية وفكر سياسي خلاَّق، استقته الجماعة من موروثها الاسلامي بشقيه المُؤَسس ممثلا بالكتاب والسنة ومورث العلماء والفقهاء على مدار مسيرة هذه الامة.
من الضرورة بمكان أن أعَرفَ القارئ الكريم والقارئة الكريمة بمعنى مصطلح الفكر السياسي الذي أرومه في هذه المقالة، فالفكر السياسي في جماعة الاخوان المسلمين في الحالة المصرية كما أراه هو مجموعة الافكار والطروحات والنظريات التي تناولتها الجماعة عبر أدواتها المختلفة الرسمية وغير الرسمية، أي الصادرة عن الجماعة بشكل مباشر أو عن ابنائها من مفكرين ومصلحين وعلماء أو مقربين منها، وإن لم يكن لهم انتماء تنظيمي مباشر، وهذا الذي ذكرت يعبر عن التراث السياسي الاخواني بسياق زمني، ويتناول عديد الظواهر التي يعيشها المجتمع المصري، ويقدم لها الحلول بناء على أيديولوجيته السياسية ذات المرجعية الإسلامية، فأفكار زمن الرخاء مختلفة عن أفكار وطروحات زمن الابتلاء والمحنة، وافكار زمن التدافع مختلف عن أفكار زمن الانكفاء، وهو ما يؤكد زمانية الفكر الاخواني السياسي.
تشكل أفكار وطروحات الامام البنا سواء تلكم التي جمعت في الرسائل أو تلكم التي كتبها في الصحف والمجلات المصرية على مدار عمره القصير منذ أن شرع بالكتابة، والتي جمعت في أكثر من ثلاثة عشرة مجلدا تحت اسم: “من تراث الإمام البنا”، من إعداد مركز البصائر للبحوث والدراسات، وأشرف على هذه الموسوعة القيمة، المفكر والمربي الكبير جمعة أمين عبد العزيز رحمه الله تعالى، وما صدر من موسوعات عن تاريخ تلكم المرحلة المرجع الأساس لمتابعة تطور الفكر السياسي للجماعة عموما ولشخص الامام البنا، كما تشكل كتابات سيد قطب والعديد من المفكرين الاسلاميين المتأثرين بالفكر الاخواني، إلى جانب كتابات المودودي وردود الاخوان من خلال كتاب “دعاة لا قضاة”، تشكل أهم معالم تتبع التطور السياسي للجماعة في تلكم المرحلة، فيما تعتبر مجلة الدعوة والمجلات والمنشورات والمطبوعات والسيل الكبير من كتابات الاخوان ومن ردّ عليهم، المرجع الاساس لمتابعة تطور فكر الجماعة السياسي في المرحلة الثالثة والرابعة.
مراحل التطور في الفكر السياسي
مرَّ الفكر السياسي الإخواني في الحالة المصرية في تصوري المتواضع بأربع مراحل تاريخية من حيث الأزمنة والمجايلة التاريخية، تأثرت مباشرة بواقع الجماعة المعاش إن في علاقاتها مع محيطها السياسي المحلي ممثلا بالمجتمع المصري والتحولات السياسية والاجتماعية والمجتمعية وبنظام أو/ و بالأحزاب والهيئات والجماعات أو في علاقاتها الداخلية البينية، أي الداخلية، والمراجعات والمعالجات التي تمت داخل المكون الاخواني، أو بعلاقاتها المباشرة مع المجتمع، وبالقضايا ذات الصلة بالعالمين العربي والاسلامي خاصة ما تعلق بفلسطين والقضية الفلسطينية التي كانت الشغل الشاغل لهذه الجماعة.
لاحظت أنَّ تطور الفكر السياسي داخل جماعة الاخوان له أزمنته الخاصة بالجماعة أذ أن تطور هذا الفكر نبع كما أشرت سابقا من تواصل زماني ومكاني أحيانا إثرَ اشتباك بين الجماعة والاحداث السياسية والمجتمعية المحلية/ المصرية، ويتجلى هذا الامر على سبيل المثال بتطور الفكر السياسي لدى الامام البنا إذ نلاحظه تصاعديا من خلال رسائله المبثوثة في كتاب الرسائل، ومن خلال المقالات التي كتبها في صحف الاخوان، وقد تم توثيقها كاملة في عهد المرشد الشهيد مهدي عاكف، ولعل تتبع مفهوم الدولة الوطنية والتعاطي معها أو الحزبية والعمل السياسي، يكشف جانبا مما أقول.
في الخضم السياسي وتعاطي الجماعة مباشرة مع الحدث السياسي واصطدام الفعل السياسي بشقيه الاجرائي العملي والتنظيمي المرتبط بالجماعة مع منظوماتها التنظيرية المؤسسة للفكر السياسي للجماعة، أي اصطدام الواقع بالنظرية و/ أو الممارسة والتطبيق، تتجلى معالم هذا التطور إذ التجارب السياسية والتنظيمية والمجتمعية شكلت الاطار البنيوي لتطور الفكر السياسي عند هذه الجماعة وكدالة مشتقة من هذا التصادم فقد حدث في تاريخ الجماعة ثلاثة انشقاقات في عصر “حياة الإمام المؤسس” كان الأول عام 1940 إذ انشقت مجموعة من الشباب أطلقت على نفسها جماعة “شباب محمد”، لا يزال الى يومنا هذا لهم مدرستهم واثارهم الفكرية، وسبب الانشقاق حول تعامل الاخوان مع القضايا السياسية ومن بينها قبولهم المشاركة في الانتخابات العامة، والانشقاق الثاني كان عام 1947 عندما انشق الشيخ أحمد السكري ويعتبر هذا الانشقاق الاكثر ايلاما في تاريخ جماعة الاخوان لتشابك السياسة والزعامة والريادة وخطوط العمل والتواصل فيه، والثالث كان عام 1948 يوم أعلنت الحكومة المصرية المؤتمرة بأوامر من الاحتلال البريطاني ومتهمة بالتواطؤ مع الحركة الصهيونية وتمكينها من فلسطين حيث صدر قرارًا عسكريًا من قبل حكومة النقراشي بحل جماعة الإخوان المسلمون، ومصادرة أموالها، واعتقال أفرادها، وسبب ذلك الموقف السياسي للإخوان من القضية الفلسطينية .
في هذه المقالة سأتناول مرحلة التأسيس التي كان فيها للإمام المؤسس دورا أساسيا، والتي أرى انها مرحلة البناء والتأسيس، ومن ثم مرحلة الفتنة والانكفاء، ومرحلة الانفتاح مع ما فيها من منغصات ومرحلة التدافع التي لا تزال تعيش لحظاتها الجماعة رغم العودة الى عصر الفتنة والارهاب السلطوي المنظم، وهذه الفتنة لن تطول حيث باتت ارهاصاتها تؤذن بانتهائها، الا إذا تداخلت مسارات دولية واقليمية ستكون سببا في انفلات أمنى داخل مصر يجبي ضحايا لا حصر لها.
هذه المراحل ألخصها من حيث زمانيتها على النحو التالي – انظر جدول –

زمانية المرحلة ماهية المرحلة معالم المرحلة
1928-1948 تأسيس وبناء تطور فكري لافت تصاعدي في فكر الجماعة ممثلا بطروحات الامام البنا ومكتب الارشاد خاصة في مجالات الحكم والسياسة وشكل النظام ومسائل الخلافة والاستاذية كعلاقة تعاضدية واخلاقية بين الفكر والسياسة في المنظومة الاخوانية.
1949-1970 مرحلة الفتنة والابتلاءات والانكفاء ظهور فكر الحاكمية والمجتمع الجاهلي كأثر من الاستبداد الناصري والبطش وتدافع داخل الجماعة حول هذه الافكار
1971-2000 مرحلة الانفتاح والتوسع ظهور فكر المغالبة كأثر من افكار سيد وبروز مدرسة الوعي السياسي كتحصين فكري اخواني لازم في مرحلة ما بعد الخروج من آتون الفتنة الناصرية وتمثل ذلك بمجلة الدعوة وكتاباتها في القضايا السياسية المختلفة المؤسسة لفكر سياسي اخواني له رأيه في كافة القضايا في تلكم المرحلة وقبولها المشاركة السياسية ( مثلا مع الوفد العدو اللدود التاريخي).
2000- مرحلة التدافعات داخل المجتمع المصري وارتفاع منسوب الفساد السياسي والاجتماعي. تغلغل الاخوان في مفاصل المجتمع المصري ونجوعه وتعاطيها المباشر مع كافة الاطر السياسية على اختلاف توجهاتها وبروز نظريات المغالبة والمشاركة والمدافعة في السياقات السياسية.

مرحلة التأسيس والبناء
امتازت مرحلة الإمام البنا بعملية سياسية وفعل وطني راغم الحياة السياسية المصرية التي ارتبطت بإيقاعات المستعمر البريطاني وكان لها الاثر الكبير على الصيرورات والتحولات التي حدثت معه شخصيا وتركت بصماتها في مسيرة الجماعة الى جانب موقفها- اي الجماعة- من القضايا الكثيرة التي عاشتها مصر في تلكم المرحلة التاريخية التي كانت تمور مورا، ومثال ذلك تطور الفكر السياسي المتعلق بالعمل السياسي والتعاطي معه عموما، ومن ثم المشاركة السياسية وكيف يجب أن تكون متجاوزة الحزبية الضيقة، ومزامنتها للاستعمار البريطاني ورفض الاخوان لهذه الحزبية بوضعياتها المختلفة ووضع تصور أخلاقي فيما بعد للمشاركة السياسية، وفي هذا، مثلا، صدر منشور من مكتب الارشاد تحت رقم “2” السابع من صفر للعام1355هـ وفق 28-4-1936م تحت عنوان: “إلى الاخوان المسلمين في مختلف دوائرهم بمناسبة الانتخابات “وجاء من ضمن ما جاء فيه: “أيها الاخوان: إنَّ أشرف معركة هي معركة الانتخابات لمجلس التشريع الاعلى في البلد، فمن اهم الواجبات ان تكون على اطهر حال وأشرف مثال، بعيدة عن السباب والشتائم لا تُنالُ فيه الاعراض ولا تنتهك فيه الحرمات ولا تدنسها الغيبة الفاحشة والنميمية الكاذبة، والرياء القاتل والنفاق الوبيل… لا مانع من أن يعرض الانسان منهاجه او منهاج من يناصره ويتكلم عن مزاياه وفضائله ويدلي بالحجج والبراهين على صلاحيته ولكن لا يصح مطلقا أن يغتاب المنافس ويسبه ويشتمه ويلصق به المعايب والتهم بحق أو بغير حق “اوراق من تاريخ الاخوان الكتاب الثالث ص34″، وكتدليل آخر على تطور الفكر السياسي مبكرا في الاخوان، موقف الامام البنا من الخلافة وضرورة إعادتها حيث جعلها مقدمة وأولوية على المطلب الوطني الى حين وقد راغم في هذا التصور الاحتلال والقصر والجمعيات التبشيرية البروتستانتية، وذلك في خضم الحملة الشرسة التي قادتها بريطانيا ومعها الجمعيات التبشيرية وأصوات التغريب الليبرالي المصري وظهور عدد من الازهريين من نفوا مسألة الخلافة وسكتوا على مظاهر الطعن بالدين، ولذلك قال المفكر والدستوري طارق البشري “مطلب الخلافة أخذ عند البنا الأولوية على مطلب الاستقلال الوطني، وقد أعلن الشيخ البنا في العيد العاشر للجماعة أن الإخوان يعطون الأولوية لاسترداد الخلافة”، ولكن الامام البنا نفسه حرص على الدستور المصري وإن وجه له انتقادات شديدة تتعلق ببعض نصوصه ولكن في العموم ثمة مناصرة والتفاف حول هذا الدستور الذي كفل الحريات الشخصية للمصريين وتأكيد الدستور على الشورى واستمداد السلطة من الأمة وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاماً آخر كما بين الامام البنا، مما يعني أنه قارب بين الفكرة الدستورية الوطنية أي المشرعة للدولة الوطنية، وبين فكرة الخلافة الجامعة المحافظة على الامة الإسلامية، وفي سياق معاني الأزمنة سنجد أن البنا تأثر حين طرح مسألة الخلافة بالأحوال التي المت بالواقعين المصري والعربي-الاسلامي وسقوط الخلافة وارتدادتها السلبية وبين الطروحات السياسية المحلية المصرية المتأثرة من الاحتلال البريطاني من جهة والتي سعت لوضع دستور للمصرين عام 1923 يخرج مصر من انسداد العلاقة التي توترت بين الانجليز والمصريين عام 1906 وعام 1919، وكل ملاحظات البنا على الدستور كانت رهينة للتحولات السياسية المصرية ومواقف الاخوان منها، مما يعني اننا مام تطور لافت في سياق إجرائي للفكر السياسي الاخواني ابان العصر الملكي لا كما طرحه بعض المفكرين من انه نتاج خوف الجماعة من الحكومات المصرية، ولذلك اذهب الى القول إن جماعة الاخوان في عصر الإمام البنا أقرت بالدولة الوطنية وتعاطت معها بالكامل كحقيقة قائمة، وإن لم تنف رؤيتها اتجاه مستقبل مصر والامة من خلال طروحات الخلافة والاستاذية معتمدة التطور التالي: رفض الوطنية الحزبية والدولة الوطنية المرتبطة والمصطبغة بصبغة الفرعونية ( يسعى لإحيائها السيسي ومن معه من الليبراليين وبقايا القومية الناصرية ) ومن ثم قبولها الوطنية كشعور فرداني وجماعي ينتمي لوطن يجب تحريره ( بالأمس كانت الضرورة تقتضي التحرر من الاستعمار الاجنبي واليوم تقتضي الضرورة التحرر من الاستعمار العسكري المحلي/ الوطني) وأخيرا الوطنية ذات المضمون الاسلامي الموجود كمدماك في مداميك النهضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى