أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

حفلة زار سياسية… “بهدلة” الميت قبل دفنه وحزب جديد بلا أي جديد

حامد اغبارية
سقوط القناع الأخير
إن أيّ إطار سياسي لا تُحرّكه خلفية إيديولوجية، أيًّا كانت، ولا ينطلق من منطلقات عقائدية (أيًّا كانت) مصيره الفشل الذريع، وفي أحسن الأحوال سيكون نسخة مكررة عن أطُر تمارس الروتين الحزبي المرتبط ارتباط اليائس بصندوق الانتخابات، أي في البرلمان (أو السلطة المحلية)، حتى إذا انتهى دوره فيه انتهى وجوده في الساحة، ولم يعد له ذكرٌ في العالمين.
هذا حال الأحزاب العربية التي تصارع من أجل الوصول إلى عضوية الكنيست الصهيوني. هذا ما نراه الآن من حرب طاحنة بين الأحزاب في حفلة الزَّار “لإحياء الميّت” واستحضار الأرواح، والمعروفة سياسيا باسم “القائمة المشتركة”. فهل بقي هناك من يشك في أن المسألة كلها لا تتجاوز المصلحة الحزبية الضيقة جدا، التي تضمن البقاء، ولو بتنفس اطصناعي مع أنبوبة أوكسجين مرافقة، وأن المصلحة العامة، وهموم الكل الفلسطيني في الداخل، وهموم المواطن اليومية هي مجرد شعارات تستغلها الأحزاب كلها على الإطلاق، لخداع الجمهور، بهدف الحصول على الأصوات؟ ألا تكفي التجارب السابقة دليلا على هذا؟ متى تعي هذه الأحزاب أن قناعها الأخير قد سقط، ولم يعد في إمكانها أن تخدع الناس؟ ألم تدرك الأحزاب بعدُ (من تجربة الانتخابات الأخيرة على الأقل) أن الجمهور قد فهم اللعبة، وأنه لم يعد في الإمكان تضليله أكثر؟!
لا أريد أن أناقش ما جرى بين الأحزاب الأربعة (الجبهة والإسلامية الجنوبية والتجمع والعربية للتغيير) وبين ما يسمى لجنة الوفاق، التي لم تُوفّق منذ تأسيسها في شيء. فقد تابعنا ما جرى وما يجري الآن، وتأكد لدينا ما ذهبنا إليه كل الوقت: إن المسألة لا علاقة لها بالمبادئ ولا بالقيم، ولا بالمصلحة العامة، ولا بمستقبل “الجماهير العربية” (ذلك المصطلح الرنان الذي يرددونه دائما)، وغاية ما في الأمر: إما أن أكون وإما أن أهدم الهيكل فوق رؤوس الجميع…. إن ما يجري الآن هو “بهدلة” للمشتركة قبل دفنها…
ضيف جديد على الحفلة..
ما قلته أعلاه ينسحب أيضا على الإطار الجديد الذي أطلق عليه مؤسسوه اسم “الوحدة الشعبية”. فهو لا يعدو كونه نسخة أخرى عما هو موجود، ولا يتجاوز كونه ضيفا جديدا على حفلة الزار التي تسمى “انتخابات الكنيست”. وهذا ليس تجنّيا، ولا استباقا للحدث، وإنما يؤكده ما جاء في البيان التأسيسي المنشور في وسائل الإعلام مطلع هذا الأسبوع.
فقد حاولت أن أعثر في البيان على شيء جديد مختلف يميز ذلك الإطار الجديد عن غيره من الأطُر، فلم أجد. فالبيان اجترارٌ لكل ما عفّرت به الأحزاب وجوهنا طوال سنوات.
وأول نقاط الضعف، وأهمها في نظري، أنه تأسس خصيصا لخوض انتخابات الكنيست، ولم يتأسس في أجواء بعيدة عن الانتخابات، ليطرح نفسه بديلا يحمل رؤية حقيقية وذات آفاق استراتيجية، وآليات تختلف عما هو موجود. وإن مجرد ظهوره لأهداف انتخابية تفقده مبدئيا نصف قوته ومصداقيته، خاصة وأن الجمهور شرب من كؤوس الأحزاب حتى تضلّع، ولم يعد في وسعه أن يستوعب نُسَخاً طبق الأصل بوجوه جديدة. وإن مجرد طرح وجوه جديدة وأسماء جديدة، حتى لو كانت ذات ثقل أكاديمي رفيع، ليس هو الوصفة المطلوبة لاختراق جدار الجمهور السميك.. فالأحزاب القائمة أيضا “اجتهدت” وقدمت وجوها جديدة، فماذا كانت النتيجة؟!
يتحدث البيان عن أن الحزب الجديد يقدم نفسه “مركزا لتيار وطني…” مع الالتزام “بالثبات على مواقف وتطلعات أهل الوطن ومصالحهم وأهدافهم واستقلالية قرارهم السياسي بعيدا عن الرشوة السياسية والأموال الخارجية وتطلعات من يقف خلفها”. لكن البيان لم يتكرم علينا بتفصيل ما هي مواقف وتطلعات أهل الوطن، وما هي مصالحهم وأهدافهم، وكيف تكون استقلالية قرارهم. ومن هو الذي يقرر ما هي المواقف والأهداف والمصالح؟ وكيف يكون شكل استقلال القرار السياسي؟ بل ما هو شكل هذا الاستقلال في القرار من خلال الكنيست الصهيوني؟ هل سألوا الجمهور –مثلا- ماذا يريد؟ هل استطلعوا رأيه حول تطلعاته المستقبلية؟ هل استمزجوا رأيه في موضوع المصالح والأهداف؟ إنها ذات السمفونية التي تعزف عليها كل الأحزاب، فما هو الجديد في الحزب الجديد؟
ثم يتحدث البيان عن “إعادة النظر في آليات العمل والنضال التي لم تُجْدِ في وقف تيار العنصرية المتفاقم الذي يميز ضدنا على أساس قومي وعرقي وديني، ويجب ابتكار أساليب وآليات جديدة…”.
أولا: هل مشكلتنا الأصلية هي مع تيار العنصرية، بحيث إذا “دحرناه” نكون قد حققنا الهدف؟ أم أن قضيتنا أكبر بكثير من مجرد مواجهة العنصرية والتمييز العرقي والقومي والديني؟
ثانيا: ما هي الآليات والأساليب الجديدة التي يتحدث عنها البيان؟ لماذا نتحدث دائما بصيغة المستقبل: سنفعل كذا، ولا بد من أن نفعل كذا؟ لماذا لا يقدم الحزب للجمهور الآليات والأساليب التي يعتقد أنها هي الكفيلة في تحقيق الأهداف؟ لماذا لا “يبتكر الآليات والأساليب” من الآن، قبل أن يطلق الطلقة الأولى، حتى يعرف الجمهور إلى أين هو ذاهب؛ إلى النار أم إلى الجحيم؟ بماذا يختلف إذًا عن الموجود؟ فجميع الأحزاب تكرر طوال الوقت تلك المعزوفة، حتى تقيأها الجمهور ولم يعد يصدقها.
أما الصادم في البيان، والذي يكشف التوجه الحقيقي والأهداف الحقيقية فهو توجهه إلى تشكيل كتلة مانعة، من خلال تكرار تجربة الجبهة والحزب العربي في حكومة رابين الثانية. أهذا هو كل شيء؟ كتلة مانعة؟ ومع من؟ مع جنرالات الدم؟ بماذا تختلفون إذًا عن الجبهة وعن الحزب العربي؟ ولماذا تريدون من الجمهور أن يفضلكم عليهما؟ وأين ستكونون عندما تقرر الأحزاب الأربعة القائمة (سواء من خلال مشتركة جديدة أم من خلال كتل جديدة) تشكيل تلك الكتلة المانعة لدعم تكتل جنرالات الدم، تحت مزاعم دحر اليمين وإسقاط نتنياهو، الذي أرى أنهم سبب رئيس في بقائه؟
أما المضحك المبكي فهو ما جاء في البيان أن تلك الكتلة المانعة (أيام حكومة رابين الثانية) أتاحت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وساهمت في تغييرات جدية – لكن ليست كافية-في تعامل الدولة والحكومة مع قضايا مجتمعنا.
أحقا أتاحت الكتلة المانعة الاعتراف بمنظمة التحرير؟ ألم يعلم مؤسسو الحزب الجديد أن كل الطيف السياسي الصهيوني، وفي مقدمته الليكود، كانوا على اطلاع على ما يجري في الخفاء ووراء الكواليس، من اتصالات مع منظمة التحرير، وأن مؤتمر مدريد (الذي شارك فيه إسحق شمير الليكودي) كان مجرد غطاء حتى “تنضج الطبخة الحقيقية”؟
ثم لنفترض أن ما يقوله البيان صحيح وحقيقي، فماذا كانت النتيجة من وراء “الاعتراف” بمنظمة التحرير، واعتراف المنظمة بحق “إسرائيل في الوجود” على غالبية أرض الوطن الفلسطيني؟ هل يقرأ هؤلاء الأحداث أم أنهم مشغولون بلعبة الكراسي؟ إلى أين أوصلنا الاعتراف المتبادل؟ ألم يدمّر هذا الاعتراف المخزي كل شيء؟ أم أنهم يريدون من شعبنا أن يعيش تجربة أوسلو من جديد، إلى أن يتمكن الاحتلال من وضع يده على كل شيء مما تبقى من أرض الوطن الفلسطيني؟
ويتحدث البيان عن “الدفع بقضايا مجتمعنا وحلّها من خلال ائتلافات عينية في الكنيست”. والسؤال: ائتلافات مع من؟ مع أحزاب صهيونية؟ مع شاس مثلا؟ مع حزب العمل؟ مع الليكود؟ مع يهدوت هتوراه؟ مع حزب ليبرمان؟ مع من؟ مع أحزاب “اليسار ” المتهالكة؟ مع ميرتس الداعم للشذوذ الجنسي؟ هذا الكلام ينطبق عليه المثل الشعبي: “من أوّل غزواته…”! تريدون دحر اليمين المتطرف ثم تعقدون معه صفقات تسمونها “ائتلافات عينية” لحل قضايا مجتمعنا؟ إنها الأسرلة متجسدة.. فمن ذا الذي يتحدث عن العمل الوطني؟
يتحدث البيان كذلك عن رفض الوصاية (وأظنه يقصد وصاية الأحزاب القائمة). فهل ما يريد هو ممارسته، وما يطرحه يختلف عن فرض الوصاية؟ ألا يطرح نفسه على أنه “تيار سياسي يمثل عموم العرب الفلسطينيين في إسرائيل”؟ أليست هذه وصاية؟ وعندما يحدد للجمهور أن الهدف هو “كتلة مانعة” دون الرجوع إليه واستشارته، أليست هذه وصاية؟! يا سادة، إنها ذات المعزوفة…
ومثلما تحدث البيان عن ابتكار أساليب وآليات جديدة فإنه يتحدث عن “التزام بالعمل على إيجاد حلول لقضايا الشباب تحديدا في مجالات المسكن والأرض والتشغيل والأمن والتعليم…الخ”. متى ستلتزمون؟ الآن أم بعد الانتخابات؟ وما هي الحلول التي تعدون بطرحها؟ لماذا لا تطرحونها الآن؟ وهل إذا فشلتم في تحقيق هذا تعدون الجمهور بالاختفاء عن الساحة وعدم تكرار التجربة؟ أم ستكونون تكرارا لتجارب سابقة؟ ثم ألا تعلمون أن حل هذه القضايا لا ينفع معها دخول الكنيست، ذلك أنها قضايا تخضع لمجهر استراتيجيات المؤسسة الصهيونية. بمعنى أنه لا مسكن ولا أرض ولا تعليم ولا شيء من هذا القبيل، لأن قاعدة التعامل معنا منذ 1948 (هل تذكرون هذه السنة؟) هي كالتالي: (نعطيهم بقدر ما يمنعهم من الموت، ولا يمنحهم الحياة). هل سمعتم بهذا من قبل؟! إن تحقيق تلك الأهداف وحل تلك القضايا لا يمكن أن يكون إلا من خارج الكنيست، وأظن أن عددا لا بأس به من الأسماء الموقعة على البيان التأسيسي للحزب، قالوا شيئا كهذا في سنوات ماضية!
ويتحدث البيان كذلك عن “بناء مشروع متكامل لإنجاز المساواة التامة، القومية والمدنية، الجماعية والفردية، وفقا للتصور المستقبلي الصادر عن لجنة المتابعة عام 2006، وأهمها تنفيذ فعلي لفكرة الحكم الذاتي الثقافي وتحصين فكرة “الكوتا”، والتي بموجبها نطالب بحصتنا النسبية لعددنا من مواطني الدولة في الموارد العامة والوظائف والميزانيات والأرض…”.
أولا: كل الأحزاب المشاركة في الكنيست دون استثناء صدّقت على ذلك التصور من 2006، (رغم أنه لم يحظ بدعم جميع مركبات المتابعة، وقد فُرض عليها فرضا، وأنتم تعرفون كيف حدث ذلك)، ولكنها لم تحقق منه شيئا، حتى عندما كانت كلها كتلة واحدة ضمن القائمة المشتركة عام 2015. وقد مرت 14 سنة تقريبا على ذلك التصور المستقبلي الذي أصبح من الماضي، وخلال تلك السنوات فعلت المؤسسة الإسرائيلية بنا الأفاعيل إلى درجة أننا لم نعد نملك القدرة (بفضل أحزاب الكنيست!!) حتى على مجرد تحسين منهاج التعليم، ناهيك عن تغييره، فكيف – بالله عليكم-ستقنعون الجمهور أنكم ستحققون له حكما ذاتيا ثقافيا، وتحصلون على 20% من ميزانية الدولة، و20% من الوظائف الحكومية، و20% من الموارد العامة؟ وهل تفكرون أيضا بتحصيل 20% من أراضينا المسلوبة منذ 1948؟ ما هي الآلية التي سوف تبتكرونها في المستقبل لتحقيق هذا كله؟
ثم بعد ذلك يتحدث البيان عن “شراكة حقيقية مع بقية الأحزاب العربية لتشكيل قائمة وطنية تمثل عموم أبناء شعبنا على أساس الأهلية والمصداقية الوطنية والشخصية”. فكيف يمكن تحقيق هذه الشراكة مع أحزاب تقولون إنها تمارس الإقصاء؟ هل مبرر وجودكم على الساحة هو التحالف أو الشراكة مع أحزاب ضيعت كل شيء؟ كيف يمكن شرح هذا للجمهور؟ وما هي الأهلية والمصداقية المطلوبة من كل الأطراف (بما فيها أنتم) حتى تتحقق هذه الشراكة؟ إن هذا في أحسن الأحوال طحن ماء في الفراغ!!
____________
الزار: مجموعة من الطقوس والشعوذات الشعبية، لها رقصات خاصة، وعبارات خاصة غير مفهومة عادة، تصاحبها دقات معينة صاخبة على الدفوف وإطلاق البخور، وذلك بهدف استحضار أرواح الموتى أو استحضار الجن والعفاريت لطرد الأرواح الشريرة من أجساد المرضى. (شيء يشبه حفلة الدجال جوشوا في الناصرة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى