أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

هل وصلنا مرحلة الحالة الثورية؟..إما المتابعة بالانتخاب المباشر وإما إطار جديد يستثني المُعطِّلين

حامد اغبارية
أفرزت انتخابات الكنيست الأخيرة حالة جديدة من الواقع السياسي، أصبح الموقف الشعبي في مركزها، بعد أن أكد الجمهور أنه ليس في جيب أحد تلقائيا، وأنه هو فعلا صاحب القرار إذا جدّ الجد، وبعد أن وجه الجمهور الفلسطيني في الداخل رسالة قوية إلى الأحزاب، من خلال إحجامه الجارف عن المشاركة في عملية التصويت العبثية.
وسواء وصلت الرسالة إلى قيادات الأحزاب أم ارتطمت بجدار المصالح الحديدي، فإن المطروح الآن هو بديل جامع حقيقي، يلتف حوله الجميع، ويدعّمونه بكل قوة. فما هو هذا البديل؟ وهل تحقيقه ممكن؟ وهل تحقيقه سيساهم في حلحلة الأوضاع وحل الأزمات؟ وهل ستستجيب الأحزاب التي اختارت طريق الكنيست لهذا البديل؟ وهل ستدعمه وتدفع بكل قوتها لإنجاحه ومأسسته وديمومته؟ وهل سينجو هذا الإطار من الاستهداف ومحاولات التعطيل والشيطنة والتهميش والإلغاء والحظر؟
هذه أسئلة جدير بنا أن نفكر بها جيدا، ونبحث لها عن إجابات صريحة، حتى لو كانت صادمة، كي تكون الأمور كلها عن بيّنة.
عندما تشكلت لجنة المتابعة في مطلع الثمانينات كان الهدف الأساس من ورائها دعم اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية، والمساهمة في حل أزماتها المالية وأزماتها الأخرى أمام وزارة الداخلية الإسرائيلية وغيرها من المؤسسات الحكومية. وقد ضمت المتابعة في صفوفها يومئذ أعضاء وممثلين من مختلف التيارات والتوجهات، بمن فيهم أعضاء في أحزاب صهيونية وفي مؤسسات صهيونية، مثل الهستدروت. ثم جاءت الانتفاضة الأولى عام 87 فنقلت المتابعة من هذا المربع الخدماتي إلى مربع الفعل السياسي ذي الطابع الوطني، وصدرت عنها نشاطات عديدة داعمة للأهل في الضفة والقطاع، جراء ما يتعرضون له من قمع احتلالي قاده إسحاق رابين وجنرالات الاحتلال. ثم تطورت المتابعة مع مرور الوقت، وأصبحت إطارا يطمح إلى أن يكون ذا طابع وطني خالص، يلفظ من داخله كل من له علاقة بأي حزب صهيوني أو مؤسسة صهيونية. لكن إحدى الإشكاليات، التي لا تزال المتابعة تعاني منها حتى الآن، هي أنها تضم لعضويتها تلقائيا كل رئيس سلطة محلية عربية جديد، استنادا إلى نظامها الداخلي. ومن بين هؤلاء الرؤساء من لهم ارتباطات بأحزاب صهيونية، ومنهم من هو عضو نشيط في أحد الأحزاب الصهيونية، بدءا من حزب العمل، ومرورا بحزب شاس وأشباهه، وليس انتهاء بحزب الليكود، ومؤخرا ذلك الحزب- الفتنة الجديدة، “أزرق- أبيض”، الذي ساهمت الأحزاب العربية- من حيث لا تقصد ربما- في تحسين صورته وتجميله في عيون الناس، من خلال تركيزها على عبثية “دحر اليمين”. وفي التالي فإن لجنة المتابعة ليست نقية كليا من آثار الارتباط بالأحزاب الصهيونية، وهذا أحد أسباب الأزمة التي تعاني منها، وخاصة حالة الدوران حول الذات. وهذا في أحسن الأحوال. ورغم ذلك فإن لجنة المتابعة، ومع مرور السنوات تمكنت بشكل أو بآخر من فرض الطابع الوطني على سلوكها السياسي وعلى نشاطاتها. وهذا يعني أنها تملك القدرة الذاتية والآليات للتطهير الداخلي من أي أثر أو تمثيل ظاهر أو خفي لأي حزب صهيوني أو مؤسسة صهيونية. ولكن يبقى السؤال: هل تملك الرغبة في هذا، أم تواصل سياسة “التسديد والمقاربة” التي هي أشبه ما تكون بالطبطبة؟ من هذا يمكنك أن تفهم أنه طالما أن المتابعة تمكنت عبر السنوات من تحسين أدائها وتطويره ونقله إلى مستويات أعلى، فإن في إمكانها أن تنتقل إلى مرحلة جديدة من إعادة الهيكلة والانتخاب المباشر. ولكن السؤال: إذا ملكت القدرة، فهل تملك الإرادة والرغبة في هذا؟
إن نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة وضعت لجنة المتابعة أمام محك صعب، فإما أن تكون على مستوى الحدث والمسؤولية، أو لا تكون؟
وبحسب تقديري المتواضع فإن ما حدث من سلوك الجمهور في انتخابات الكنيست الأخيرة، يمكن أن نطلق عليه نوعا من الحالة الثورية، أو على أقل تقدير مقدمة لحالة ثورية، انطلاقا من مفهوم أن الحالة الثورية تعني تغيير اتجاه البوصلة والاتجاه إلى إحداث تغيير جذري، يقلب الواقع وينقل المجتمع إلى واقع جديد مغاير. ولذلك فإن المطلوب من لجنة المتابعة الآن أن تقرأ المشهد من هذه الزاوية، وأن تتعامل معه على أنه فعلا حالة من الثورة على الواقع الذي فرضته غالبية الأحزاب بأجنداتها وسياساتها المستهلكة، التي لم تحقق شيئا سوى طحن الماء وفرم الهواء.
ولنسأل السؤال المركزي: هل تستطيع لجنة المتابعة أن تنتقل هي الأخرى إلى مرحلة من الحالة الثورية؟ بمعنى أن تغير هي أيضا اتجاه البوصلة وتتخذ وُجهة مغايرة تماما لما سارت عليه حتى الآن؟
إن اللجنة تعاني منذ سنوات من حالة من الترهل والعجز عن تحريك الجماهير، التي اتضح أنها متقدمة عليها كثيرا. وتعاني إلى جانب ذلك من فقدان ثقة الجماهير بسياساتها ونشاطاتها، كما تعاني من حالة من التجاذبات السياسة الفكرية الإيديولوجية التي تطفو على السطح في كل مرة يتطلب فيها الأمر حسم قضايا واتخاذ قرارات مصيرية أو قرارات ذات وزن. بل إن هذه التجاذبات هي السبب الرئيس في حالة الركود والنكوص التي تعاني منها اللجنة. وفي التالي فإن المطلوب الآن التخلص من حالة الترهل، والعمل على إخراج اللجنة من أزمتها، واستعادة ثقة الجمهور بأدائها وبقياداتها وقراراتها. كيف يمكن هذا؟
ليس هناك سوى طريق واحد: الانتخاب المباشر للّجنة؛ رئاسة وعضوية، والتخلص من بلاء العضوية التلقائية المرتبطة بانتخابات السلطات المحلية أو انتخابات الكنيست الصهيوني.
وإن أولى الخطوات لتحقيق هذا هو استقالة أعضاء الكنيست العرب، ليس احتجاجا على سياسات حكومية، بل انطلاقا من موقف مبدئي وطني.
هل يمكن أن يحدث هذا؟
في هذه المرحلة أستبعد حدوث هذا. فقد دعونا أعضاء الكنيست العرب إلى الاستقالة في مناسبات كانت تشكل فرصة حقيقية كي يثبتوا للجمهور أنهم فعلا يريدون مصلحته. دعوناهم للاستقالة أثناء الحرب على غزة عام 2014، ولم يفعلوا.
وقبل ذلك دعوناهم إلى الاستقالة عقب مجزرة حكومة براك في هبة القدس والأقصى عام 2000 ولم يفعلوا.
ودعوناهم إلى الاستقالة بسبب مجزرة هدم البيوت التي لم تتوقف حتى الآن، ولم يفعلوا.
ودعوناهم إلى الاستقالة عقب حظر الحركة الإسلامية عام 2015، فلم يفعلوا.
ودعوناهم إلى الاستقالة عقب أحداث البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى عام 2017، ولم يفعلوا.
ودعوناهم إلى استفتاء الجمهور استفتاءً حقيقيا حول السلوك السياسي والأجندة السياسة، فلم يستجيبوا.
ودعوناهم إلى إعادة هيكلة لجنة المتابعة وإعادة صياغة دستورها العام ونظامها الداخلي، فعطّلوا كل مبادرة، ولم يفعلوا.
لقد ضيّعوا الكثير من الفرص، كي يعودوا إلى أحضان شعبهم ومجتمعهم، ولم يُقْدم أي تيار منهم على مجرد استثمار فرصة واحدة حتى من خلال مجرد التلويح بالاستقالة..
فما العمل إذاً؟
هل يفترض أن ينتظر الجمهور سنوات طويلة قادمة حتى يحدث زلزال يوقظ هؤلاء من غفلتهم ويطيح بكل شيء، بما في ذلك الأمل في إطار قوي نحقق من خلاله ما فشلنا في تحقيقه حتى الآن؟
الحالة لا تحتمل الانتظار. ولما أن أعضاء الكنيست- فيما أرى ويرى الجميع- لن يستقيلوا ولن يتنازلوا عن الامتيازات، فإنهم سيبقون – مع بعض الأحزاب- عناصر معطلة لتطوير لجنة المتابعة ونقلها من وضع الترهل إلى وضع التأثير وصناعة التغيير.
ولذلك فإن الواقع الذي يفرض نفسه الآن: إما أن تستفيد المتابعة من الدرس الأخير، وتقرر البدء بإجراء التحضيرات لانتخابها انتخابا مباشرا، وإما أن يشكل إطار جديد يستثني كل المعطِّلين الذي يقفون حجر عثرة أمام إحداث نقلة نوعية وثورية داخل المتابعة…
من خلال التعاطي الإعلامي مع لجنة المتابعة على مدار أكثر من ربع قرن، يمكنني القول إننا نستطيع أن نشير إلى كل الأسماء المعطِّلة، أحزابا وأفرادا داخل المتابعة. ويبدو أن لحظة الحسم تقترب بسرعة البرق، إذ لم يعد في الإمكان الانتظار أكثر من هذا، فالجمهور قال كلمته، وهو جاهز لمساندة كل تغيير حقيقي، ودعم القيادات التي يعنيها فعلا وحقا الهمّ العام، وتحمل على أكتافها القضايا الساخنة، سواء القضايا الداخلية، أو قضايا شعبنا كله، وهي قضايا لا يمكن فصلها عن قضايا الأمة التي تعاني في هذه المرحلة نوعا من الانهيار شبه التام. وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى