أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الكنيست وليس البرلمان

توفيق محمد
يحلو للبعض استعمال مصطلح انتخابات البرلمان الإسرائيلي، بدل المصطلح المعتمد إسرائيليا وهو انتخابات الكنيست، وأعتقد أن هذا الأمر ليس صدفة، بل هو متعمد لإيهام العقل الباطني لدى المتلقي أننا ذاهبون لانتخابات برلمانية كتلك التي تجري في كل الدول، وأن “البرلمان” المعني هو “برلمان” الشعب كله، وفي واقع الأمر فإن العقل الصهيوني، بل العقل اليهودي عندما اختار مصطلح الكنيست لتسمية “مجلس الشعب” الذي يريد له أن يمثل شعبه في التشريع لم يختره عبثا، ولا اعتباطا إنما اختاره بعناية فائقة وانتباه شديد، وانظر الى تعريف الكنيست في موقع الكنيست على الأنترنت: “أطلق على البرلمان الإسرائيلي اسم “الكنيست” نسبة إلى اسم مجلس الحاخامين الوارد في الميشناه : “قبل موسى التوراة من سيناء وسلمها ليشوع، ويشوع للشيوخ، والشيوخ للأنبياء، والأنبياء سلموها لرجال الكنيست الكبير (=المجمع الكبير).” (أول جملة في الميشناه) (المصدر: ويكبيديا) و”اشتقاق الاسم”، “وتحديد عدد الأعضاء” (120)، مأخوذان من “كنيست هجدولا” وهي الهيئة التشريعية لليهود فيما يسمى بعهد الهيكل الثاني. (وكالة وفا).
إذا فاختيار الإسم جاء للدلالة على الذين ستخدمهم هذه الكنيست ولمن هي معدة، ولذلك فإن استعمال مصطلح غير الذي سماه دهاقنة المشروع الصهيوني للتدليل على ما ليس هو معد له يحمل مغالطة وخداعا للناس، فلتكونوا صريحين مع أهلنا ومع ناسنا ومع جماهيركم وقولوا لهم أنكم ذاهبون لانتخابات الكنيست الإسرائيلي أو الصهيوني أو اليهودي، فكلها مسميات تدل على الناس الذين صمم الكنيست الإسرائيلي لخدمتهم، وعضو الكنيست الذي سينتخب هناك، هو عضو في هذا الكنيست.
ولذلك فعندما نطالب أعضاء الكنيست العرب بمختلف الطلبات والبرامج الوطنية، فإننا حقيقة نحملهم فوق طاقاتهم، وعندما يَعِدونا هم بهذه البرامج، فانهم يعدون بما لا يمكنهم أن ينفذوه.
أعتقد جازما أن أعضاء الكنيست العرب – سوى أنهم يرغبون بهذا المقعد، وما له من امتيازات مالية وسياسية وإعلامية و”جاهاوتية” وهو حق طبيعي لهم، ولأي سياسي، بل ولأي تنظيم سياسي- أعتقد أن أعضاء الكنيست العرب صادقون بمحاولات خدمة قضايا شعبهم الوطنية والحياتية، ولكن نظام الكنيست وتركيبتها وأهدافها ليست لهذا الغرض، بل هي معدة لسلب حقوق الفلسطيني أاينما كان ومعدة لسن القوانين الكفيلة بفعل ذلك، وقد لاحظنا كم هي القوانين التي أقرت في الكنيست في السنوات الأخيرة من هذا القبيل وعلى رأسها ما بات يعرف بقانون القومية الذي سيؤصل لعشرات القوانين التي ستسن حتى يتم إنزال قانون القومية إلى أرض الواقع وحتى يحقق الفوقية اليهودية في كل مجالات الحياة.
إذا كان واقع الكنيست كذلك، وإذا كانت القوانين العنصرية، بل قل الإضطهادية باتت تسن بالعشرات ألا يجدر أن يكون في الكنيست أعضاء عرب حتى يقوموا بالدفاع عن الحقوق العربية الفلسطينية من أن تداس تحت أقدام المشرعين اليمينيين في الكنيست؟ ولماذا نترك هذا المنبر الهام دون أن يكون لنا صوت وتأثير به؟ ولماذا نترك الساحة للعنصريين يصولون ويجولون هناك؟ كل هذه وغيرها الكثير من الأسئلة المُوَجِهة التي يروج لها أنصار خوض انتخابات الكنيست حتى يقنعونا بجدوى المشاركة في هذه اللعبة.
في الواقع فإن واقع الحال هو من يجيب على هذه التساؤلات، وغيرها من المبررات التي يحاول أنصار الكنيست تسويقها لإقناعنا بجدوى المشاركة في انتخابهم للحصول على المميزات المالية والسياسية والجاهاوتية والإعلامية من خلال عضوية الكنيست.
واقع الحال يقول إن تأثير أعضاء الكنيست من اليسار الإسرائيلي – وهو على فكرة ممن جاءت الكنيست لخدمتهم- على سياسات الحكومة اليمينية، أو على قرارات الكنيست اليميني أصبحت ضئيلة وقليلة جدا، بل ومنعدمة أحيانا، فكيف بأعضاء الكنيست العرب ممن جاءت الكنيست لسلبهم ولسب شعبهم على جانبي الخط الأخضر حقوقهم وأراضيهم ومقدراتهم، وأنا لا أتطرق للقضايا المطلبية هنا، فهذه ربما يكون فيها بعض إنجاز هنا وهناك، ولكنها تبقى في إطار عمل رؤساء السلطات المحلية الذين من الممكن أن يجتهدوا في تحصيلها لناخبيهم عبر اجتهادهم في المؤسسات التمثيلية التي يشغلونها كاللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية أو كمركز الحكم المحلي الذي يخدم كل السلطات المحلية، وهو يعنى بالقضايا المطلبية التي نعي أنه لا بد لنا من العمل من داخلها، كما ندرك أننا لا بد لنا أن نشارك في خدمة أهلنا من خلال السلطات المحلية والبلديات والمجالس، ذلك أن هذه المؤسسات هي مؤسسات خدماتية وليست مؤسسات تشريعية لا نملك أدنى تأثير عليها.
أدرك أننا لو قدر لنا ان نكون ذوي تأثير وقرار في الكنيست في قضايانا الكبرى وليست المطلبية لكان هناك مجال ربما للتفكير في الكيفية التي من الممكن أن نحقق هذا التأثير، لكنني في نفس الوقت أدرك تماما أن الوجود العربي في الكنيست ليس إلا وجودا تجميليا لمؤسسة تسعى لنزع كل حقوقنا ومقدراتنا بل لنزعنا من وطننا وأرضنا، وأدرك أن هذا الوجود التجميلي لبشاعة العنصرية الممارسة ضدنا ليس إلا وجودنا كشهود زور أقروا من حيث شاءوا أم أبوا بالسياسات القمعية التي باتت سمة المرحلة – ومتى لم تكن أصلا- ضدنا وضد شعبنا في كل أماكن وجوده.
ويجب علينا جميع أن ندرك أنه ليس على الخبز وحده يعيش الإنسان، وأن الذي يحيا ليأكل فقط، فان حياته بلا معنى ولا مضمون، ولذلك فإن حياتنا ليست منصبة على قضايانا المطلبية التي من الممكن أن يتذرع بها البعض وإن لم تكن مثار الإهتمام هنا، لكن قضايانا الوطنية وفي صلبها القدس الفلسطينية العربية والأقصى الفلسطيني العربي الإسلامي، وقضايا شعبنا الفلسطيني وقضايا الأرض والمسكن … هي في صلب اهتمامنا، وندرك جيدا المحاولات الإسرائيلية المستميتة لحصرنا وحصر اهتمامنا في القضايا المطلبية وأحذر من ذلك فشعب يستكين لحصر اهتمامه في أوسط جسده من شهوتي البطن والفرج كبر عليه تكبيرة الجنازة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى