أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةالقدس والأقصى

الخطة الخمسية في شرق القدس… استثمار في التعليم أم إعادة تعليم؟!

نير حسون (هآرتس 29/8/2018)

بعد خمسين سنة من الإهمال والاضطهاد من قبل الحكومة وبلدية القدس، يعدون بأن الخطة الخمسية لجهاز التعليم في شرق المدينة، التي سيبدأ العمل بها في هذه السنة تبشر بثورة. “نحن نحتضن بشكل حقيقي المدارس بهدف أن نعطي للطلاب أملًا”، قال افيف كينان، مدير التعليم في بلدية القدس. الفلسطينيون في المقابل، على قناعة بأن الهدف الوحيد لهذه الخطة هو تمرير عملية سريعة في جهاز التعليم الفلسطيني في المدينة بهدف الأسرلة. وهم يشيرون أيضًا إلى أن المشكلة الأساسية في جهاز التعليم في شرق القدس إقامة صفوف جديدة غير مشمولة في الخطة.

نظام التعليم في شرق القدس تم تشكيله في السنتين اللتين أعقبتا احتلال المدينة وتوحيدها في عام 1967. حاولت إسرائيل في حينه أن تفرض على المدارس المنهاج الإسرائيلي ولكن الفلسطينيين في المدينة عارضوا ذلك وعم إضراب في التعليم استمر أشهرًا طويلة.

بعد ذلك، عند إقامة السلطة الفلسطينية استُبدل بالمنهاج التعليمي المنهاج الفلسطيني الذي في نهايته يتم اختبار الطلاب لامتحانات الثانوية ـ امتحانات البجروت الفلسطينية. رغم الزيادة البطيئة في عدد المتوجهين للبجروت الإسرائيلي فإن البجروت الفلسطيني ما زال حتى الآن هو منهاج التعليم الأساسي في شرق القدس. في السنة الماضية تقدم للامتحان حوالي 93 في المئة من الطلاب، مقابل 7 في المئة تقدموا لامتحان البجروت الإسرائيلي. الإضراب نفسه الذي حدث في نهاية الستينيات أدى إلى انتقال كثيف من التعليم العام إلى التعليم الخاص أو شبه الخاص (تعليم معترف به لكنه غير رسمي). رغم الزيادة في التعليم الرسمي في السنوات الأخيرة إلا أنه ما زال يشكل 40 في المئة فقط من إجمالي التعليم في شرق المدينة.

خلال الـ 51 سنة التي مرت منذ 1967، عانى جهاز التعليم في شرق القدس من الإهمال والظلم الكبير تقريبًا في كل المجالات. الدولة نفسها اعترفت أمام المحكمة العليا بأن نقصًا يقدر بحوالي 2000 صف تعليمي في شرق المدينة. آلاف الطلاب يتعلمون في صفوف غير صالحة أقيمت في شقق سكنية. إضافة إلى ذلك، هناك 20 ألف طالب في جيل الدراسة غير مسجلين في أي إطار تعليمي، ولا أحد يعرف إذا كانوا يتعلمون أم لا. الافتراض هو أن نصفهم يتعلمون في مناطق السلطة الفلسطينية والنصف الآخر تسربوا من جهاز التعليم.

عضوة المجلس البلدي من “ميرتس”، لورا فارتون، لاحظت أن هؤلاء الطلاب تم شطبهم من سجلات البلدية هذه السنة: “ليس لأنهم استثمروا فيهم في السابق، لكن هذا الآن هو شطب وتخلّ شامل، لا يحسبون حسابهم بكل معنى الكلمة”. ومستوى التعليم كما يشهد الأهالي متدن جدًا. “ليس من النادر رؤية طفل في الصف السابع لا يعرف كتابة اسمه، لا بالعبرية ولا بالعربية”، قال أحد الآباء.

في يوم القدس الأخير قررت الحكومة الاستثمار بصورة غير مسبوقة في شرق القدس. تقريبًا من بين الملياري شيكل يتوقع أن تستثمر الحكومة 450 مليون شيكل في التعليم خلال الخمس سنوات القادمة. هذا البرنامج بلوره مكتب شؤون القدس برئاسة زئيف الكين ووزير التعليم نفتالي بينيت. الميزانية ستقسم إلى أربعة مسارات، نصفها سيخصص للاستثمار في التعليم غير الرسمي في ساعات بعد الظهر. إضافة إلى ذلك، ثمة استثمار في تعزيز تعليم العبرية، بما في ذلك إدخال معلمين يهود إلى المدارس الفلسطينية، وزيادة تعليم التكنولوجيا وتشجيع الانتقال إلى المنهاج الإسرائيلي. كذلك سيتم استثمار مبالغ كبيرة في تطوير مباني المدارس. الخطة موجهة للمدارس الرسمية فقط، وجزء من أهدافها هو زيادة عدد الطلاب في الجهاز الرسمي على حساب الجهاز الخاص.

حتى الجمعية اليسارية “عير عاميم” التي لا تظهر الارتياح من الحكومة على طريقة علاجها لشرق المدينة، تقوم بمدح استثمار الميزانيات في التعليم. انتقاد الجمعية الأساسي للخطة هو بخصوص بند الأسرلة. وحسب تحليل اوشيرت ميمون، محامية الجمعية، فإن حوالي 43 في المئة من ميزانية الخطة مخصصة لهذا البند. في بلدية القدس يرفضون هذا التحليل. وحسب أقوال كينان فإن 20 ـ 25 في المئة من ميزانية الخطة مخصصة لهذا البند. في مدارس كثيرة هناك صفوف منفصلة للمنهاج الإسرائيلي، وجزء من الميزانية المخصصة لهذا البند مخصص للمرافقة التعليمية لهذه الصفوف، وجزء آخر مخصص لتطوير مباني المدارس التي ستبدأ بالعمل حسب هذه الخطة. من هذا الجزء من الميزانية ستستفيد كل مدرسة إلى جانب الطلاب الذين يتعلمون حسب الخطة. ميمون تشير أيضًا إلى أن الخطة لا تعالج المشكلة الأخطر في شرق القدس وهي نقص صفوف التعليم، لأن هذه المشكلة ليست مشكلة ميزانيات فحسب، بل هي قبل كل شيء تخطيطية.. فهناك نقص في الأراضي المخصصة للحاجات العامة، ونقص في المخططات الهيكلية. “رغم أن 2.6 في المئة فقط من الأراضي في شرق القدس مخصصة للمباني العامة والمدارس، فإن قرار الحكومة الأخير تجاهل تمامًا الحاجة إلى حل جذري لهذا التمييز. حل كهذا يقتضي تغييرًا أساسيًا في سياسة التخطيط في القدس ووقف التمييز الصارخ ضد الفلسطينيين”، قالت ميمون. بالمناسبة، خطة مشابهة أعدت للوسط العربي في إسرائيل تضمنت فصلايتناول مشكلات التخطيط لهذا الوسط.

ردًا على ذلك، يشيرون في البلدية إلى أنه في هذه السنة سيتم افتتاح مدرستين جديدتين في شرق المدينة، الأولى ستركز على الريبوتات والثانية على اللغات. مع ذلك، فإنهم في المدينة يعترفون بوجود نقص في المناطق العامة في شرق القدس: “قبل سنة تقريبًا استكملت البلدية الأعمال الأساسية التي تشمل تحديث ألف صف، 350 صفًا هي قيد التخطيط والتنفيذ، وهذا أكثر مما بني في الخمسين سنة الأخيرة. بقية الأراضي توجد ضمن إجراءات المصادرة المعقدة”.

في مرحلة بلورة البرنامج، ثار نقاش في جهاز التعليم؛ ففي وزارة التعليم كان هناك من اعتقدوا بأنه يجب وضع أسرلة جهاز التعليم في شرق القدس كهدف أسمى للخطة. آخرون، وبشكل خاص في البلدية، اعتقدوا أن الهدف هو تحسين شامل للجهاز وليس الأسرلة. كينان قال: “ردي على ذلك كان ثلاثيًا: أولًا، قيميًا وأخلاقيًا، فنحن ملزمون بهؤلاء الأولاد. ثانيًا، أعتقد أن جهاز تعليم جيد يقوم بدوره يعطي الاستقرار والأمل لفترة طويلة. هذا أيضًا يحسن الوضع الأمني ـ لمن هو قلق من العمليات. في النهاية يجب علينا جلب 600 ـ 800 طفل إلى التعليم الأكاديمي، ويمكن الوصول إلى ذلك مع الثانوية ومع عبرية جيدة”.

بدل الأسرلة، كينان يضع هدف زيادة عدد الطلاب الفلسطينيين من شرق القدس الذين سيتعلمون في الجامعة العبرية. حتى قبل عقد تقريبًا كان الحديث يدور عن عدد محدود من الطلاب، لكن في السنوات الأخيرة حدثت زيادة كبيرة في عددهم. هذا في أعقاب إقامة جدار الفصل والاندماج المتزايد في سوق العمل الإسرائيلية.

أغلبية الطلاب الفلسطينيين من المدينة تم قبولهم بعد اعداد. وقبل نحو سنتين بدأت الجامعة في قبول طلاب في جزء من كلياتها، استنادًا إلى علامات الثانوية العامة.

كينان يتفاخر بشكل خاص بخطة المتميزين “البشاير” التي في إطارها سيتعلم في السنة القادمة 300 طالب متميز، يوم في الأسبوع في الجامعة ويلتقون مع طلاب فلسطينيين سيعلمونهم. “عندما نصل إلى 700 طالب مسجل في السنة للجامعة سيشكلون 10٪ من الطلاب، وهذا سيغير اللعبة”، قال كينان. ولكن الصورة المتفائلة التي يرسمها كينان تبدو مختلفة قليلافي الشطر الآخر من المدينة.

الكثير من أولياء الأمور الفلسطينيين، لا سيما لجان أولياء الأمور المتماهين مع السلطة الفلسطينية، على قناعة بأن الهدف الواحد والوحيد لاستثمار الأموال هو كسر احتكار وزارة التعليم الفلسطينية للمنهاج التعليمي، أو كما يسميه عدد من الآباء “غسل أدمغة الأولاد”.

“كل شيء يقومون به في شرق المدينة يهدف إلى تغيير الصورة الفلسطينية”، قال محمد أبو حمص من سكان العيسوية وعضو في لجنة أولياء الأمور في شرق القدس. “هم يفعلون هنا ما لا يمكنهم فعله مع الحريديين. وما يستثمرونه هنا ليس من أجل عيون الفلسطينيين، بل من أجل جعلهم ينسون أنهم تحت الاحتلال، وتغيير إيمانهم بأنهم جزء من الشعب الفلسطيني”، قال.

لجنة أولياء الأمور في مدرسة للبنات في رأس العامود، أعلنت هذا الأسبوع للبلدية بأنها ترفض افتتاح السنة الدراسية إلى أن يتم إلغاء المنهاج الإسرائيلي، الذي حسب رأيهم فرض على أولياء الأمور في أحد الصفوف. “نحن ننتمي للسلطة الفلسطينية، والثانوية العامة تعود للسلطة، ولا يمكننا تعليم البنات أمورًا أخرى”، قال عصام العباسي، من لجنة أولياء الأمور في المدرسة.

في بلدية القدس يقولون إن المنهاج الإسرائيلي هو استجابة لطلب من الأهالي، لأن كثيرًا من الأهالي يفضلون أن يتعلم أولادهم المنهاج الإسرائيلي من أجل ضمان مستقبل أفضل لهم. أظهر استطلاع أجرته البلدية أن 50 في المئة من أولياء الأمور يفضلون المنهاج الإسرائيلي.

لا شك في أن تغييرًا قد حدث على الأقل، والآن آباء كثيرون يرون مستقبل أولادهم في سوق العمل الإسرائيلية. ولكن الأغلبية المطلقة ما زالت تفضل الثانوية العامة. وحسب زعم أعضاء لجنة الآباء في شرق القدس، فإن الاستطلاع غير موثوق، وتم في الوقت الذي يخاف فيه الآباء من قول موقفهم الحقيقي. “خلال خمسين سنة قاموا بإضعاف جهاز التعليم، والآن يستغلون هذا الضعف من أجل إدخال السياسة التي يريدونها له”، قال حاتم خويص، مستشار لجنة الآباء.

هناك مشكلة أخرى تمس التعليم في شرق القدس، وهي أن الأغلبية المطلقة من المديرين ليسوا من شرق المدينة، معظمهم مواطنون عرب من الشمال، وغالبًا ما يشتكي أولياء الأمور من أنهم لا يفهمون حساسية المكان. وكذلك تسمع أيضًا أقوالامن المعلمين في شرق القدس الذين يشعرون بوجود سقف زجاجي فوق رؤوسهم. إذا كان هذا الوضع في السابق مرتبط بموانع أمنية، فإنه الآن مرتبط بطريقة التصنيف لوزارة التربية والتعليم. مدير المدرسة يجب أن يجتاز خطة تأهيل في معهد “أفني روشه”، ومن أكمل التعليم في شرق المدينة يجد صعوبة في قبوله لهذا البرنامج. كينان يصرح في هذا السياق بأن أحد أهدافه هو إدخال المزيد من المديرين من شرق المدينة إلى المدارس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى