أخبار عاجلةمقالات

الاغتيال… الجريمة والعنف، أم الفحم كمثال..

صالح لطفي… باحث ومحلل سياسي.

شهدت مدينة ام الفحم خلال الاسابيع المنصرمة العديد من اطلاق النار على شباب أسفر معظمها عن دخولهم المستشفيات حتى بات يقال في مستشفى العفولة إنّ هذا القسم لمدينة ام الفحم لكثرة زواره ممن يطلق عليهم النار ، وفجر يوم الثلاثاء الماضي أطلقت رصاصات قاتلة على امام مسجد التوحيد الشيخ محمد عبد الغني – ابو عبيدة- قبيل صلاة آذان الفجر بدقائق  اثناء ترجله من سيارته فمات رحمه الله تعالى شهيدا حميدا  من اهل الفجر ، ويكفيه  أنه مات وهو في ذمة الله تعالى ولا نزكيه على الله ، بيدَّ أنَّ اغتيال إمام مسجد يجب أن  يدفع اهل الحل والعقد في مدينة ام الفحم من سياسيين وارباب عائلات وحمائل ومؤسسات مجتمع مدني للوقوف  مليا امام الذي حدث حتى لا يقال أكلت يوم اكل الثور الابيض..

لا يدعي احد قط أن مجتمعنا العربي ” المسلم” في الداخل الفلسطيني ومن ضمنه مجتمعنا الفحماوي هو مجتمع ملائكي  وإن كان للصحوة الدينية حتى هذه اللحظات مكانها القوي في هذا المجتمع خاصة منطقة المثلث ، حيث ترتفع نسبة الجريمة بكل انواعها ، والعنف بكل انواعه كذلك ، وهذه الاحداث الجارية تعبير دقيق عن واقع مجتمعي مترهل لَّما يتلبس الدين حياته مكتفيا بوضعيات طَقسية كحال اليهود والنصارى وهذا من دلالات أزمة التدين في مجتمعنا وهي مؤشرات حقيقية لرد فعل قادم على مجتمعنا فلكل فعل رد فعل، يساويه في الشدة، ويعاكسه في الاتجاه والحال الذي وصل اليه مجتمعنا الفحماوي مع وجود علماء ودعاة وأكثر من عشرين مسجدا ودروس اسبوعية وخطبة جمعة يشهدها اسبوعيا الالاف من المصلين والمصليات  ، كل ذلك ينبئنا وفقا لسنن المدافعة وحتمياتها التاريخية والسننية أننا أمام تحولات لا أخالها بعيدة سيشهدها مجتمعنا العربي ومن بينها مدينة ام الفحم سيذهل الناس من شدة وطأتها عليهم خاصة وأنَّ وطأة الاحداث التي صارت تعصف في مجتمعاتنا ما عاد يتحملها العامة وباتت هموم الناس يتداخل فيها اليومي والمطلبي والسياسي مضاف اليه العنف الدامي المسكوت عنه عمدا سلطويا ، ومع كل عملية قتل وجريمة عنف تعصف بمجتمعنا  يتغول القتلة والمجرمون لأنهم يعتقدون أنهم بمأمن من العقاب فالسلطات الرسمية من شرطة ومخابرات تحميهم ومقابل هذه الحماية  تبتزهم وهم بدورهم اخترقوا هذه المنظومة المسماة الشرطة والفضائح في هذا الجهاز صارت حديثا اعلاميا في السنوات الاخيرة  حتى صرنا نسمع عن عمق العمالة للجريمة المنظمة داخل  هذه الاروقة ، وفي المقابل تتعمق الجراح ضمن شرائح المجتمع ويزداد الحنق داخله على الاحداث مما سيدفع الى لحظة الانفجار العظيم  ولات حين مناص.

ادوات قتلنا …

اهتدى مجتمعنا ككل المجتمعات المسلمة بمنظومات اخلاقية تحولت الى قيم واعراف بين الناس هي من ممكنات الدين في حياة الخلق ابتداء من توقير الكبير واحترام الصغير ومساعدة المظلوم والمنكوب وانتهاء بالوقوف امام الظالم والضرب على يده ، وهذه المنظومات تآكلت مع مرور الزمن لعوامل كثيرة منها ما هو داخلي مخصوص ومنها ما هو خارجي مدروس وممنهج هَدَفَ  إلى تحقيق سيطرة المجتمع الوافد المتحصن عسكريا والمدعوم دوليا وكان من ادوات هذه الوافد المدجج عسكريا والمحمي الى هذه اللحظات عربيا ودوليا: العملاء على مختلف انواعهم، والمجرمون والقتلة ،  والجريمة المنظمة والعنف ونشر السلاح والمخدرات وكلها ادوات ورثها ” الاسرائيلي” عن راعيه ” البريطاني-الفرنسي-الامريكي” كقوى شر سيطرت على امم ومقدراتها عبر هذه الادوات الى جانب ادوات القهر والقتل والتشريد ولا أخال اداة من أدوات الاستعمار المعاصر إلا واستعملتها المؤسسة الاسرائيلية مع شعبنا الفلسطيني ولا استثني من هذه الادوات الاغتيالات السياسية لرموز شعبنا الفلسطيني من سياسيين وعلماء ومفكرين وائمة مساجد، فقتل الرموز في منظور الاستعمار أي كان هو ضرب وشلَّ للقوى السياسية والمجتمعية وإدخال لليأس والقنوط لهذه المجتمعات.

عقدنا الاجتماعي المتآكل..

الكثير منا يذهب الى اتهام البيوت ومؤسسات المجتمع المدني  وهيئاته التمثيلية بالمسؤولية المباشرة عن الاحداث الجارية  محملين في الوقت ذاته ولو بدرجة أقل المؤسسة الرسمية ممثلة بالشرطة المسؤولية علما ان السلطان\السلطات  يملك من الادوات الرادعة ما لا يملكه الاباء والمؤسسات المجتمعية ، وغير صحيح ما يقال عند البعض من الجريمة عموما والجريمة المنظمة خصوصا لا يمكن للسلطات الرسمية كبحها ، فهذا افتئات وتخرص وإن كنا نعلم أن عفن الرأسمالية يتجلى واضحا في العالم السفلي والجريمة المنظمة بيدَّ أن الامر عندنا له بعد اضافي فالمؤسسة الاسرائيلية عازمة على تفكيك مجتمعاتنا من الداخل خاصة المجتمع الفحماوي  ومن عنده أدنى اطلاع على  السياسات الاسرائيلية  يعلم صدق ما اقوله .

المشكلة ليست في هذه الحقيقة بل المشكلة في عقدنا الاجتماعي الذي شرع يتفكك منذ ان دخلت الينا مفاعيل المدنية من الابواب والشبابيك فخلف منا خلف اضاعوا القيم والاخلاق واتبعوا الغيَّ والمنكرات فكانت العاقبة انتصار – ولو لحظي- للقيم المادية والسلوكيات المادية ومن راقب مسبرة مجتمعاتنا في العقدين الاخيرين يدرك حجم الانحراف الذي ابتليت به عن الجادة وهو انحراف  ادى الى تفكك عرى مجتمعاتنا وصارت قيم دخيلة لا تمت الى  ديننا  واخلاقنا واعرافنا بصلة هي المؤثر فينا، وعندنا ان المجتمعات تتلاقي  ويؤثر بعضها ببعض  ويكون حجم التأثر بحجم الحصانة سلبا وإيجابا .

ومعلوم للناظرين في آيات القران الكريم ان سنة المدافعة التي هي الاساس “التكويني” لحركة الحياة بين المسلمين ومع الاخرين تخضع لمنظومات سننية توجهها وتسيرها ومن اهم هذه الموجهات المنظومتين الاخلاقية والسلوكية المنبثقات عن المنظومة العقدية بشقيها التوحيدي والتعبدي ، ويوم يترهل الناس ولا يقفون عند هذه المنظومات استجابة وعملا فقد هددوا حياتهم واضحوا مثل غيرهم تحت سنن الهلاك والغلبة والدمار استعدادا لتحقيق سنة الاستبدال واذا وقع العذاب بمجتمع “ما” فقد ساء صباحه وانتهى دوره وأذن برحيله وتكون العقوبات نسبية  وطردية تبعا لحجم الفواحش المرتكبة وسعتها بين ظهرانيهم ومدى “حجم” السكوت على المنكرات وأعظم المنكرات قتل النفس التي حرم الله ومن ثم فترك سنن المدافعة يستجلب العذاب والعقوبات وقد انبئنا القرأن ان سنة الدمار والابادة والفناء كانت من نصيب الامم الشاردة المعادية للأنبياء قبل مجيء موسى عليه الصلاة والسلام ، فلما جاء بالرسالة انتقلت مشاهد العذاب ببعدها التدميري الشامل الى مشاهد عذاب تتعلق بعمل الاقوام التي وصلتها الرسالات، وامتنا الاسلامية ليست بدعا من الامم والاقدار لا تجامل احدا قط كما ان السنن لا تحابي فالقاعدة القرآنية الابدية ” لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا –النساء 123″ ..

هموم تنذر بانفجار..

الانسان العادي في مجتمعنا يعود من عمله الشاق  يحمل الهموم وهي كما اشرت كثيرة منها همُّ البيت والاسرة والمستقبل ومع كل نشرة اخبار يستمع اليها او صفحة يجول بها في عالمة الافتراضي الخاص  تتراكم الى جانب ما ذكرت هموم  وطن وأمة ومع  تراكم الأحداث في ضميره ووجدانه فأنها تخلق من حيث لا يدري حالة ” خاصة ” من الغليان تنتظر لحظة الانفجار تماما كحال البركان في الارض يمور مورا الى ان يضرب قشرة ضعيفة فينثر حممه الغاضبة ، ذلكم ان الاحداث الجارية في مجتمعه ومحيطه ” الكبير ” تؤثر فيه وتنحت ببطيء بعقله ووجدانه  وهذه الاحداث هي التي تصنع التاريخ ، والاحداث ابطالها بشر فهم صناع الحياة ولك ان تتخيل ان الداخل الفلسطيني اليوم يصنع احداثه عصابات من القتلة والمجرمين  تسيرهم اجهزة مختلفة همها الاساس كما اشرت تفتيت المجتمع ، فيكون وفقا لهذا المنطق هؤلاء الخلق مجموعات من العملاء سواء بعلم او بغير علم يخترقون المجتمعات لصالح مكاسبهم الشخصية وهم يظنون انهم يحسنون صنعا ..وهكذا فان لحظة خلاص هذا الانسان \المجتمع  ستكون عندما  يتعرض للإهانة والاستبداد، أو يتعرض للظلم والغبن  والقهر أو يتعرض للاعتداء من أي كان .عندئذ تكون قد اقتربت لحظة الخلاص  الفردي والمجتمعي… هذا الخلاص قد  فرديا وقد يكون جماعيا .. يكون له كفرد باعتباره احد افراد الجماعة او المجموعة ..  وقد يكون للجماعة التي يعيش فيها من أجل تبديل طرق ووسائل عيشهم، وإنقاذهم من الآلام والأوجاع القاسية التي يعانون منها 0 حينما يشعرون بأن النظام القائم لا يلبي احتياجاتهم الشعب أو انحرف عن مضمون العقد الإجتماعي الرابط بينهم فهل بقي في مجتمعنا نظام حاكم أي عقد اجتماعي نحتكم اليه؟

الجريمة الاولى والاغتيال ..

في  سياق المدافعات التي حدثنا عنها القران الكريم ثمة تطرق واضح لمسألة الجريمة وبداياتها الانسانية  الاولى واول جريمة ارتكبت على الارض ، فقد اخبرنا القران الكريم عن قصة قابيل وهابيل ، وطبعا هذه القصة ليست للتمتع والتعرف على مسيرة الانسان ” ادم” الاول بقدر ما فيها من اعتبارات وعبر وحِكَم … قال تعالى ” قال تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة: 27-32].” ….قال الطاهر بن عاشور  في معرض تفسيره لهذه الايات معلقا على استعظام القتل ” … [والظاهر  أنَّ هذا اجتهاد من هابيل في استعظام جُرمِ قتل النفس ولوكان القتل دفاعا . وقد علم الاخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح الحيوان والصيد فكان القتل معروفا لهما، ولهذا عزم عليه قابيل، فرأى هابيل للنفوس حرمة ولو كانت ظالمة ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النفوس لإكمال مراد الله من تعمير الارض. ويمكن ان يكونا تلقيا من ابيهما الوصاية بحفظ النفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدفاع ولذلك قال “إني اخاف الله رب العالمين”]، وواضح من القصة القرآنية ان الحسد اوغر صدر قابيل فتمكنت منه رذيلة الحسد، فتمكنت منه وزينت له البغي والعدوان فكانت من مقدمات الاسباب التي حملته على قتل اخيه وقد جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ -نصيب-من دمها؛ وذلك لأنه أول من سن القتل) متفق عليه. وأخرج الطبري عن عبد الله بن عمرو، قال: إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب، عليه شطر عذابهم، فهل نحن في بدايات العودة الى مقدمات ابن ادم الاول؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى