أخبار عاجلةأدب ولغة

“جنين” شذا حنايشة: فوتوغرافيا الناس و”الأرض غير المحروقة”

افتتح في “دار النمر” في بيروت معرض يوثق الوقائع الاستعمارية، التي يُمارِسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين. ويضم المعرض سبعًا وأربعين صورة فوتوغرافية وقّعتها المُصوِّرة والصحافية الفلسطينية شذا حنايشة، تحت عنوان “جنين: الأرض غير المحروقة”.

وانطلق المعرض في الخامس عشر من نيسان/ أبريل الجاري، ويتواصل حتى الخامس والعشرين من أيار/ مايو المُقبل. في حين ما زالت الحملة الإسرائيلية، غير المسبوقة على جنين منذ اجتياحها عام 2002، متواصلة وقد بلغت ذروتها الوحشية يومَي السبت والأحد الماضيَين.

تتحدث المُصوِّرة الشابّة عن طبيعة المعرض الذي جُمِعت صورُه بين عامَي 2021 و2024، موضِّحةً أنّ الصور تشمل جنين ومخيّمها وطولكرم ومخيّم نور شمس، تقول: “كانت عملية اختيار الصور صعبة، كونها جزءًا بسيطًا من أرشيف أكبر. فأنا أرغب أن أحكي عن كلّ الناس، ولكن مع ذلك لا تُوجد مساحة كافية، في النهاية حاولتُ أن أُقدّم رؤيةً شاملة من خلال صُور الشهداء وعائلاتهم، أو الناس والبيوت والشوارع والتفاصيل الدقيقة المتمثّلة في الدّمار الذي يخلّفه الاحتلال وراءه”.

وتُتابع: “الصّور غير مُقسَّمة كما نرى، ولو أنّ ما يجمعها هو طابع المقاومة، وهذا يُحيل إلى العنوان ‘الأرض غير المحروقة’، فبِحُكم أنّي من جنين أولًا، فقد شهدتُ عمليات عسكرية كثيرة نُفّذت ضدّ المدينة، حيث يُحاول الاحتلال دائمًا تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، كما يُحاول تدمير البُنية التحتيّة، وفرض سياسات العقاب الجماعي، وبالتالي رسالة العنوان هي تعزيز فكرة المقاومة، بمعنى الإصرار على البقاء والاستمرارية، فبالنسبة لي بقاءُ الفلسطيني في أرضه وبيته هو جزءٌ من فعل المقاومة”.

(من المعرض)

لا يُمكن الحديث عن جنين من غير العودة إلى عام 2002، في تلك الفترة التي اُجتِيح فيها المُخيّم إبّان الانتفاضة الثانية، الحدث الذي شكّل علامة فارقة في تواريخ القضية الفلسطينية، حينها كانت حنايشة ما زالت طفلة صغيرة، وهي اليوم ما زالت تنظر إلى “من يُقاوم اليوم، وإلى الوعي الذي لا ينقطع بل يُتوارث عبر الأجيال، مَن هو طفلٌ اليوم سيكون مقاومًا في المستقبل. ومع كلّ عمليّة يقوم بها الاحتلال بحجّة ‘الردع’ سرعان ما تتحوّل في فترة زمنية قصيرة إلى وعيٍ جديد لدى الأجيال تُنبِّه على خطَرِ ما هي فيه، لتُستكمل طريق التحرُّر من جديد”.

وحين تُذكَر جنين أيضًا، سرعان ما يتبادر اسمُ المُراسِلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي قتلها جيش الاحتلال في 11 أيار/ مايو 2022، أثناء تغطيتها الصحافية، حيث كانت شذا حنايشة برفقتها لكنّها نجَت بأُعجوبة من إطلاق النار الذي استهدفهما.

تتابع حديثها: “شيرين هي جنين، كونها استشهدت في هذا المكان، وبالتالي اسمُها مرتبط بهذه المدينة، فالاحتلال لم يكتفِ بقتل شيرين بل دمّر أيضًا النُّصُب التذكاري الذي أُقيم تخليدًا لروحها، وخرّب المكان الذي كانت الناس تزوره وتضع فيه ورودًا، ما يجعلنا نتساءل إلى أي حدّ يُرعِب اسم شيرين الاحتلال؟ حتى بعد استشهادها بعامين ما زالت مصدر قلق له، فعملية اغتيالها عنوان واضح وعالمي على الوحشية الصهيونية. فضلًا عن ذلك، شيرين، وعلى المستوى الشخصي، تعني لي كثيرًا كوني شاهدةً على جريمة الاغتيال ومحاولة قتلي أيضًا، هذا شيء قاسٍ لا يمكن للكلمات أن تصفه، ولكنه يدفعُني أيضًا كصحافية فلسطينية إلى الاستمرار بفضح جرائم الاحتلال أكثر وأكثر”.

عند مدخل مخيّم جنين، تموز/ يوليو 2023

وعن سؤال: ما تعنيه جنين في حاضر الإبادة الإسرائيلية في غزّة؟ تُجيب حنايشة: “عندما يُريدون الكتابة عن جنين اليوم يقولون إنها ‘غزّة الصُّغرى’، وفعليًا ما يحدث في مخيّم جنين هو شيءٌ مُصغَّر عمَّا يحدث في القطاع، من محاولات تدمير ومَسْح للحياة الإنسانية. مع ذلك كلّ الجرائم المُرتكَبة ما كانت لتنكشف لولا المُصوِّرون وجهودُهم في تسليط الضوء عليها، والمُخاطرة بحياتهم. نسمع أنّ الإبادة اليوم ليست أقلّ من نكبة ثانية، ولكن علينا أنْ نعي دور الصحافيّين في توثيقها وفتح عيون العالَم عليها، فلولا هذا التوثيق لكانت كلّ هذه الفظاعات قد طُمست وغُيّبت”.

وتستطرد: “لو أردنا نَشْر جُزءٍ من صور هذا المعرض على وسائل التواصل الاجتماعي لمُنعت وحُجبت، ولأُغلق الحساب من أساسه. لذا، علينا التحرُّر من سُلطة هذه الشركات والإعلام الغربي المُنحاز للإبادة الصهيونية، والتوجُّه بالفعل إلى المَعارض القائمة على الأرض. هذه الصور تُشعِر من يراها بأنه قريب وموجود مع الناس. سردية الغرب تنظر إلى صورة المقاوم على أنها صُور لـ ‘إرهابي’، في حين أنّنا نلتقط لحظات من حياة المُقاوم الإنسان، الذي حمل السلاح من أجل تحرير أرضه بعد عقود من القمع والقتل والممارسات الاستعمارية، هذه السردية غير مُعترف بها في الغرب، مع أنه ما زال يُروّج لها في أوكرانيا منذ عامين”.

(من المعرض)

هناك حضور قوي للمُقاومين المُلثّمين في صور حنايشة، التي تُوضّح: “فضَّلتُ أن أُركِّز على المقاومين حتى وإن كانت وجوههم غير مكشوفة، هذه التفاصيل ربما يتجنَّبُها الإعلام الغربي وبعض العربي، هناك صور تُوضّح تلازُم المقاتلين بِغَضِّ النظر عن الفصيل الذي ينتمون إليه. لو نظرنا إلى إحداها لرأينا كيف يحمل الصديقُ صديقَه الشهيد ويُداري وجهَه من أشعّة الشمس، بقُبَّعة يحملها، في لحظاتٍ أخيرة قُبيل دفنه”. كذلك تحضر المرأة في المعرض بشكل أساسي، حيث نجدها تُوجِّه المشهد صوب الحياة وترميمها بعد أن لفّها الموت. يرتسمُ تعبٌ مُخاتل على وجوه الأمّهات، قسوةٌ تكشفُ عن ابتسامة بعيدة، تكشف عنها زنودُ شُبّان مُمسكة بالبنادق.

خيري حنون حاملاً علم فلسطين عند مدخل المخيّم (من المعرض)

بالوصول إلى الصورة الأيقونية لخيري حنون (أبو ناصر)، التي تُعدُّ إحدى أيقونيّات شذا حنايشة، ربّما، حيث التُقطت عند “القوسة” (مدخل مخيّم جنين الرئيسي)، الذي دمّره جيش الاحتلال مرّات عدّة، وبالتالي العَودة إلى هذه الصورة تُوضّح كيف كان شكل المدخل، وفقًا لحنايشة التي ختمت حديثها بالقول: “الرجل في الصورة هو الأيقونة، وليس الصورة في ذاتها، هو حاضر في كلّ تظاهُرة في جنين يأتي من طولكرم حاملًا العَلم الفلسطيني وبلباسه التقليدي، ليقف أمام آليّات الجيش بكُلِّ شموخ. في النهاية قد تكون هناك صور ليست بالقوّة المطلوبة، من زاوية فنّية، ولكن قوّتها تنبع من القصة التي تقبع وراءها”.

بطاقة
صحافية فلسطينية من مواليد بلدة قباطية التابعة لمدينة جنين. تتمتّع بخبرة صحافية ميدانية منذ عام 2015، وتُركِّز في اشتغالاتها على الممارسات الاستعمارية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين والضفّة الغربية. في أيار/ مايو 2022 وأثناء قيامها بعملها مُراسلةً لموقع “ألترا فلسطين” نجت من إطلاق النار الذي أدّى إلى استشهاد مراسلة “الجزيرة”، شيرين أبو عاقلة. حاصلة على إجازة في اللغة العربية والإعلام من “الجامعة العربية الأميركية”، وتستكمل حاليًّا دراساتها العُليا في الإعلام بـ “الجامعة الأميركية” في بيروت.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى