أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

د. مهند مصطفى: الانقسام الحالي هو حول هوية دولة إسرائيل.. وهو صراع يهودي داخلي حول معنى إسرائيل كدولة يهودية

موطني 48| طه اغبارية

في أعقاب التغييرات الدستورية التي تعتزم الحكومة الإسرائيلية تنفيذها، والتي أقرَّت منها قانون إلغاء “علة المعقولية”، وانطلاق حركة الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي، ورفض الخدمة الطوعية في صفوف الجيش الإسرائيلي، وتداعيات ذلك على الواقع الإسرائيلي، كان لصحيفة “المدينة” وموقع “موطني 48” هذا اللقاء مع د. مهند مصطفى، رئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في بيت بيرل، ومحاضر مشارك في الكلية الأكاديمية بيت بيرل، والمدير العام لمركز مدى الكرمل.

ماذا تعني التغييرات الدستورية بالنسبة للنظام السياسي في إسرائيل؟

د. مهند: أولا يجب التأكيد أن النظام السياسي الإسرائيلي هو نظام بدون كوابح دستورية جدية وقوية، وخير مثال على ذلك هو سهولة تعديل قوانين الأساس وحتى تشريعها في الكنيست، على الرغم من أن قوانين الأساس هي بمثابة قوانين دستورية من المفروض أن تكون جزءا من دستور مستقبلي في إسرائيل. في حالة النظام في إسرائيل فإن الكابح الدستوري الوحيد على قرارات الحكومة وتشريعات الكنيست هو المحكمة العليا، لذلك جوهر التغييرات الدستورية أنها تسعى لإضعاف هذا الكابح أو إلغائه، وهذا بنظر اليمين الإسرائيلي يكون من خلال قانونين، قانون المعقولية الذي يلغي صلاحية المحكمة العليا في التدخل بقرارات حكومية، وقانون تعديل لجنة تعيين القضاة وهو يقلص من قدرة السلطة القضائية على تعيين قضاة، ويعطي الائتلاف أو الحكومة أفضلية في اختيارهم. لذلك تهدف التغييرات إلى كسر قواعد اللعبة وميزان القوة في النظام السياسي الإسرائيلي لصالح السلطة التنفيذية بدون كوابح أو رقابة عليها.

لماذا يريد اليمين هذا التغيير بشغف؟

د. مهند: هنالك الكثير من الأسباب ومن الصعب ادراجها وتفصيلها كلها، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمها، أولا تحول اليمين الإسرائيلي إلى مرحلة الهيمنة والثقة المفرطة بالنفس، هذه الهيمنة يريد اليمين ترجمتها إلى تغيير النظام السياسي ومفاصله في كل مجال بحيث ينسجم بصورة كاملة مع ايديولوجيته، هذا شبيه بما حدث مع قيام دولة إسرائيل عام 1948 عندما هيمن حزب “مباي” على الحكم وبنى الدولة بناء على توجهاته ومارس الاقصاء أيضا تجاه التيارات الأخرى في المجتمع الإسرائيلي. وهنالك أيضا الأسباب المتعلقة بالمصالح الشخصية التي لا يمكن التقليل من شأنها مثل محاكمة نتنياهو، ونزعة انتقامية لدى البعض من السلطة القضائية. ولكن يكمن السبب الأساسي في سيطرة التيار الصهيوني الديني فكريا على اليمين، هذا التيار يريد من دولة إسرائيل أن تكون متماهية تماما مع مشروعه الاستيطاني الاستعماري في الضفة الغربية. بالنهاية ما يحدث هو ليس محاولة اليمين ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وإنما ضم إسرائيل لمشروعه الاستيطاني في الضفة الغربية. اليمين الإسرائيلي لا يريد استيطان الضفة الغربية وضمها فحسب، بل احتلال دولة إسرائيل أيضا، ليس من خلال الانتصار في الانتخابات وتشكيل حكومات يمينية، بل تغيير الدولة من الداخل وإعطاء معنى مطلق لتعريف إسرائيل كدولة يهودية.

 ولكن ألم يكن هذا الأمر موجودا كل الوقت، بتواطؤ وموافقة من التيارات غير اليمينية، ما الذي تغير؟

د. مهند: هذا صحيح، الذي تغير ليس مسعى اليمين لضم الضفة الغربية وتعميق الاستيطان بغية الضم النهائي، ولم يتغير تواطؤ التيارات غير اليمينية مع المشروع الاستيطاني، الذي تغير هو زحف اليمين الاستيطاني في بُعديه الديني والقومي نحو تغيير دولة إسرائيل من أجل ذلك. هذا الأمر كان خطا أحمرا بالنسبة لمعارضي التغييرات الدستورية. يمكن تخيل تسوية تاريخية غير مكتوبة وغير رسمية تكونت في المجتمع الإسرائيلي، وهي الضفة الغربية لكم افعلوا فيها ما شئتم، ونحن نساعدكم ولن نرفض الخدمة العسكرية جراء ما تفعلونه في الضفة وقطاع غزة، ولكن إسرائيل عام 1948 هي لنا، والمقصود لنا من الناحية السياسية، والفكرية، وشكل وجوهر النظام السياسي وقيمه، وعندما زحف اليمين من الضفة الغربية نحو دولة إسرائيل، أقصد زحف سياسي وفكري وأيديولوجي من أجل استعمار دولة إسرائيل وتغييرها ظهرت حركة الاحتجاج ومظاهر رفض الخدمة الطوعية. الشعور لدى تيارات وطبقات وشرائح حركة الاحتجاج أن اليمين الاستيطاني والمتطرف لم يعد يقبل بقواعد اللعبة السياسية في إسرائيل عام 1948 ويريد تغييرها جوهريا، هذا التغيير التاريخي الحقيقي الذي دفع بحركة احتجاج غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، حركة احتجاج مثابرة للحفاظ على مشروعها عام 1948.

المدينة: هل سيكون لهذه الأزمة تداعيات على الجيش الإسرائيلي؟

بالطبع، ولكن يجب القول إن إسرائيل دولة قوية عسكريا، وإذا توقفت الأزمة عند هذه النقطة فيمكن للمؤسسة العسكرية تجاوز الأزمة على المستوى التقني والحرفي، أريد أن أؤكد أن أغلب الرافضين للخدمة العسكرية بسبب التغييرات الدستورية هم من الاحتياط الطوعي وليس الالزامي، حتى الان لم يتأثر الجيش النظامي بذلك، مع التأكيد أنَّ الوحدات والشُعب النخبوية في الجيش الإسرائيلي مثل سلاح الجو، ووحدات التكنولوجيا العسكرية ووحدات خاصة تقوم على الاحتياط الطوعي. اعتقد ان أزمة الجيش لن تكون من الناحية الحرفية، بل من الناحية الاجتماعية، قوة الجيش الإسرائيلي غير معتمدة فقط على الجانب الحرفي والتقني، بل أيضا على ثلاثة أسس اجتماعية، كونه جيش الشعب، وكون الاحتياط هو ركيزة له، وقدرته على منع الانقسام والسجال والصراع السياسي والاجتماعي والطبقي من الدخول للجيش، بل كان الجيش المؤسسة التي مثّلت مشروع بوتقة الصهر في المجتمع الإسرائيلي، هذه الأسس الـ 3 تمّ انتهاكها في الفترة الأخيرة، وهو ما يخيف الجيش الإسرائيلي برأيي.

لماذا لا يشترك العرب في الداخل في حركة الاحتجاج، ألن يتأثروا من التغييرات الدستورية؟

د. مهند: في البداية ستكون لهذه التغييرات تداعيات على الفلسطينيين في الداخل وفي الضفة الغربية، فبند المعقولية يعني أن الحكومة تستطيع اتخاذ أي اجراء دون رقابة قضائية ولن تتردد الحكومة في توجيه ذلك للعرب أيضا. أمّا لماذا لم يشترك العرب في الاحتجاج، وأقصد كشريحة واسعة وموقف جماعي وليس فرديا كما فعل بعض النواب العرب، يعود إلى أن هذا الصراع هو حول معنى إسرائيل كدولة يهودية، وليس حول هل يجب أن تكون إسرائيل دولة يهودية. ولأن التغييرات الدستورية كما ذكرت سابقا، تتعرض لمشروع دولة إسرائيل عام 1948. لاحظ أن التغيير الدستوري الحقيقي الأول كان موجها تجاه العرب، وهو قانون القومية عام 2018، وكان الاحتجاج عربيا فقط، ولم يتم تنظيم تظاهرات مثابرة ضد القانون، لأنه جاء يؤكد الطابع اليهودي للدولة، وحصرية حق تقرير المصير للمجموعة اليهودية وهو محل اجماع في المجتمع الإسرائيلي، وهو قابل للتأويل من توجهات ليبرالية ودينية وقومية، دون أن يعلن انتصار أحد في المجتمع اليهودي على أحد، ومع أنه كان موجها ضد العرب في إسرائيل وضد الفلسطينيين عموما، ومع أنه تغيير دستوري جدي كونه قانون أساس لم تحدث حركة تضامن مع العرب من حركة الاحتجاج الحالية ضد القانون. فضلا عن أن السلطة القضائية لم تكن منصفة تجاه العرب لا داخل إسرائيل ولا في الضفة الغربية فهي كانت جزءا من مشروع الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية، وجزءا من منع الاعتراف بالعرب كمجموعة قومية لها حقوق جماعية في إسرائيل، بالنسبة للعرب، ما كان سيكون، بالنسبة لليهود ما كان لن يكون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى