أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة جنين.. وماذا بعد؟

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

ثمّة ثأر بين الاحتلال ومخيم جنين تعود سنواته إلى بدايات الألفية التي نعيش حين اندلعت الانتفاضة الثانية وسَطَّر المُخيم أسطورة قتالية مرغت جيش الاحتلال وقياداته ورئيسه شارون بالوحل، واستحال المُخَيم إلى أيقونة فلسطينية رغم الهدم والدمار الذي تعرض له وما قام به آنذاك آفيف كوخافي رئيس هيئة الأركان السابق الذي قاد حملة كاسر الأمواج مطلع العام المنصرم(2\2022) ظنًا منه ومن هيئة الأركان وأعمدة الأمن أن عملية متواصلة ستنهي المقاومة في هذا المخيم الذي بات يشكل أنموذجًا لدى الشباب الفلسطيني.

هذه المعركة التي خاضها الاحتلال بوحدات خاصة ونخبوية وبمشاركة أمنية دقيقة وكثيفة، وصمت أمني فلسطيني- من باب حُسن الظن- وتواطؤ دولي في مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر كل عملية إسرائيلية دفاعًا عن النفس وكل فعل فلسطيني إرهابًا.

مخيم جنين هاجس يقلق عدة مجموعات في منطقتنا رغم صغر مساحته، يقلقها لأسباب عديدة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أنه يُذّكر الجميع بأصل القضية الفلسطينية ويعيدهم إلى مربعات القضية الأساس، إلى وعد بلفور والنكبة والتشريد، ويقلقهم أيضًا لأن نظرية الآباء يموتون والأبناء ينسون تحطمت على أرض هذا المخيم وحددت معالم الطريق، طريق العودة بعيدًا عن أوسلو وتداعياتها السياسية والمدنية وما خلفته من اختراقات أممية لعديد مكونات الشعب الفلسطيني. ويقلقهم لأن المخيم يهز أخلاقهم يوميًا ويذكرهم بمعنى الأخوّة والتعاضد المطلوب، ويقلقهم لأنه يقول لهم إن التطبيع وكل ما له علاقة بلين الموقف مع الاحتلال يسقط أمام حقيقته المتجلية في عدوانه الدائم عليه وعلى كل من يرفض الاحتلال، ويقلقهم لأن المخيم يذكرهم أن القضية الفلسطينية ليست متعلقة بسكانه فحسب، بل وبأصحاب المصالح الاقتصادية والتجارية الذين يتسولون رضاء المحتل، كما إنه تذكير لأصحاب ربطات العنق الزرقاء والمجتمع المخملي أن القضية الفلسطينية حية وحياتها ما زالت إلى هذه اللحظات تنبض بفضل هؤلاء، أبناء المخيمات.

أمَّا من يصيبهم الأرق والقلق فور حدوث مواجهات في المخيم الذي بات يواجه المخرز بالحديد فهم ثلاث مجموعات، الأولى من النخب الفلسطينية التي تدعو أن يُنهي الاحتلال المخيم الذي بات يؤرقهم أخلاقيًا ومعنويًا، وهم من اعتادوا السهر مع أسيادهم في مدن الساحل الفلسطيني وجالسوهم في الليالي الحمراء، وينسق بعضهم مع السيد بل ويفيده في معلومات هامة، ومجموعات من التجار ورؤوس الأموال الذين يعتقدون أنَّ تجارتهم قد تضررت من جراء مقاومة المخيم وينتظرون بصمت لحظة الخلاص من مقاوميه، وأمَّا المجموعة الثالثة فهي من السياسيين العرب الذين يخافون أن تنتقل العدوى، عدوى المقاومة إلى بلدانهم رغم جرائمهم وظلمهم واستبدادهم السياسي والأمني، إذ الخوف سيد الموقف خاصة في ظل حالتي الهوان والذل التي يعيشها العرب في عصر الدويلات.

لن تكون هذه المعركة الأخيرة مع الاحتلال الذي يصدر مشاكله الداخلية على حساب الشعب الفلسطيني طمعًا لتحقيق لحمة إسرائيلية جامعة تتجاوز المُشكَل السياسي القائم مع هذه الحكومة، ولن يرعوي الاحتلال عن إعمال القوة والبطش والتنكيل ما دامت الهيئات الأممية تدافع عن الاحتلال وتعتبر ما يحدث معها في أراض محتلة عام 1967 دفاعًا عن النفس.

 

تصحيح المسار..

من المفترض أنَّ الدم الفلسطيني الذي شربته أرض المخيم ومشاهد التهجير القسري والتدمير الذي طال كافة المرافق الحياتية في المخيم، أن يدفع السياسة الفلسطينية إلى إعادة النظر في مساراتها السياسية مع إدراكنا التام للقدرات والامكانيات وحجم التحالفات، إذ سلطة رام الله أضحت ضرورة أمنية إسرائيلية وعربية وأوروبية وأمريكية ولن يتم التخلي عنها مُطلقًا، إذ التصريحات الإسرائيلية شيء والتعاطي مع السلطة شيء آخر، وإذا كانت الفصائل الفلسطينية على اختلاف توجهاتها قد التحمت وشاركت في مواجهة الاحتلال، فقد باتت الفرصة مفتوحة للاتفاق السياسي الفصائلي على قضايا مرحلية تُرفع فلسطينيًا سعيًا لتحقيقها بعيدًا عن شيطنة الواحد للآخر، ذلكم أنَّ المرحلة تتطلب من الفلسطينيين من أصحاب الخبرة والتجربة مراكمتها سياسيًا ومدنيًا والمقاومة والعمل السريع على إعداد أرضية ما قبل الدولة، أرضية تُحضرُ وتهيء الفلسطيني إنسانًا ومجتمعًا ومؤسسات إلى اللحظة القادمة. وهذه اللحظة القادمة قد شرعَ المخيم بالإعداد لها منذ مواجهته للاحتلال مطلع هذه الألفية. وتصحيح المسار يستوجب من الكل الفلسطيني الوقوف وكأنهم بنيان مرصوص لإعادة ما تهدم وترميم ما تضرر وكفالة الأسر التي تدفع ودفعت أثمان الاقتحامات الإسرائيلية التي تجبي في كل حملة العديد من الشباب والعديد من الإصابات، وقد باتت تُخلف هذه الهجمات المغولية المتكررة على المخيم فقرًا صار حديث العامة والخاصة.

تصحيح المسار واجب أخلاقي بعد هذا العدد الكبير من الشهداء والإصابات الحرجة والشديدة والمصابين والمعتقلين، وإذا كان الاحتلال يعيد بين الفينة والأخرى تقييم مواقفه المتعلقة بمواجهة المقاومة والحيلولة دون وصولها إلى مراحل متقدمة من الفعل المقاوم، فمن باب أولى أن تعمل الفئات الفلسطينية المختلفة على الاجتماع والتفكير والسعي لتحديد مخرجات معنى المواجهات وكيف يمكن ترميمها بعدئذ يتم تحديد الأهداف المرحلية والاستراتيجية.

سيكون من العبث أن تُزهق الأرواح وتُهجر النساء والأرامل وتبقى الفصائل مختلفة لا تلوي على شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى