أخبار رئيسيةمقالاتومضات

القلق العسكري الإسرائيلي من سياسات نتنياهو في الضفة الغربية.. مؤشرات لتصاعد قادم

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

وقفنا في الأسبوعين الأخيرين أمام تصريحات مثيرة لنتنياهو رأس الهرم السياسي الحاكم في إسرائيل تتعلق بالوجود الفلسطيني، إعلانه الشروع الفوري بتنفيذ مخطط الإصلاح القضائي والحكم في البلاد، وتسريع الاستيطان في مناطق “ج” في الضفة الغربية ومدينة القدس، وتأسيس ثلاث كتائب في الجيش متخصصة بالداخل الفلسطيني ومهمتها التدخل-إعادة احتلال، لإعادة النظام في حال تدخل واعتراض الداخل الفلسطيني على ما يحدث في المسجد الأقصى والضفة والقطاع كدروس مستخلصة من هبة الكرامة. وجاءت مواجهات جنين الاثنين الفائت، وبروز تقدم نوعي في كيفية المواجهة من قبل المقاومين، لطمة للجيش وحرس الحدود والقوات الخاصة وهو ما دفع سموطريتش للمطالبة بإعادة احتلال الضفة الغربية برسم مسؤوليته الكاملة عن الضفة الغربية في البعد الاستيطاني والأمني المُقارب للاستيطان والحياة المدنية. وهذه الحكومة كما يبدو ماضية في سياساتها التي تمَّ الاتفاق عليها ضمن ما أطلق عليه الاتفاقيات الائتلافية.

 

المضي في تطبيق الاتفاقيات الائتلافية..

كحالة مُقاربة سياسيًا للحكومات التي شهدتها إسرائيل منذ قيامها وإلى هذه اللحظة، فنحن عمليًا إذا استثنينا السنوات الأولى لحكم “مباي” وتمكين الدولة الناشئة من الأرض المنهوبة والتمكن من استعباد من تبقى من أصحابها عبر أدوات مختلفة كان من ضمنها الحكم العسكري ومصادرة الأرض والاستيطان فيها واختراقها عبر شبكات من العملاء، فنحن أمام حكومة مشابهة لتلكم الأولى، بيد أنَّ هذه الحكومة تتميز عن سابقاتها حتى كتابة هذه السطور، بفقدان بوصلتها الاستراتيجية في القضايا الحساسة الداخلية والخارجية، وقدمت أجندات فئوية- عقدية على حساب الأمنين القومي والمجتمعي الإسرائيلي. وقد أسست الاتفاقيات الائتلافية التي وقَّعها الليكود مع شركائه من الأحزاب الدينية على اختلاف درجات تدينها تأسيسًا لواقع بدأ يحرج الحكومة الإسرائيلية ليس برسم قياداتها الموجودة في الحكم، بل الأنظمة والمؤسسات التي تدير الدولة، ومن نافلة القول هنا الإشارة إلى الاعتصامات والمظاهرات الأسبوعية الرافضة للانقضاض على القضاء وتغيير بعض من معالم منظومات الحكم، بيانٌ لتصاعد الأزمات الداخلية التي باتت تضرب المجتمع الإسرائيلي من الداخل، وقد تكون المُقابلة التي أجرتها قناة 12 مع المرشح لقيادة الشرطة يورام سافير وتصريحاته المثيرة بحق المتظاهرين وموقفه من العرب ومن تداعيات الوضع السياسي السائل داخل المجتمع الإسرائيلي، إشارة إلى التحولات الجارية داخل المجتمع الإسرائيلي وبيانٌ لبدايات انتهاء الوصاية الاشكنازية على الدولة ومقدراتها.

من ضمن الاتفاقيات الائتلافية منح التيار الديني الصهيوني مسؤولية الضفة الغربية ونقل الصلاحيات من المؤسسة العسكرية إلى وزير المالية لخلق تحول بطيء ومتدرج يجعل الضفة الغربية بسكانها تخضع للولاية المدنية الإسرائيلية لتحقيق الاستيطان الشامل في الضفة الغربية، بحيث يتم إسكان أعدادٍ كبيرة من اليهود في مناطق “ج” الخاضعة للسيادة والسيطرة الإسرائيلية دون منح الفلسطيني إنسانًا ومجتمعًا حقوقًا مدنية تُقارب حقوق الإسرائيلي، أي أننا أمام حالة إحلالية فريدة تُذكر المتخصص بشؤون الكولونياليات الغربية في الثلث الأول من القرن الفائت بالاحتلال والاستعمار الجزائري الذي استلهمت الحركة الصهيونية بعضًا من معالمه وشاركت في تطوير أدواته.

هذه السياسة التي أعلنت حكومة إسرائيل يوم الأحد قبل الفائت عن نيتها بناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في الضفة الغربية والقدس، تزامنت مع تقديم الحكومة سلة من القوانين تستهدف الجليل والنقب ارضًا وسكانًا. فهي من جهة تعلن حربًا شاملة على الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم في فلسطين، وتأتي كثمرة جهود مكثفة بذلتها جمعيات ومؤسسات ومراكز أبحاث تتبع اليمين الديني راقبت عن كثب التحولات الديموغرافية- الجغرافية الجارية في مجتمعاتنا في الكل الفلسطيني وقدمت تصوراتها للحلول التي تفضي إلى تعزيز يهودية الدولة وجعل يدها الطولى من جهة أخرى، أي أننا أمام تعاضد السياسي والأكاديمي والبحثي لتمكين اليمين الإسرائيلي واقعًا سياسيًا.

كل متابع للسياسات الإسرائيلية الراهنة يُدرك أنَّ الأمور على المستوى الفلسطيني سواءً في الداخل أو المناطق المحتلة عام 1967 تتجه نحو صدام قد يكون شاملًا، فيما يبقى سؤال التوقيت وماهياته وتداعياته لاحقًا.

 

قلق المؤسسة العسكرية لمَّا يطفو على السطح

المؤسسة العسكرية والأمنية بكافة مكوناتها الأكثر استشعارًا لحجم الأزمة المقبلة على الإسرائيليين حكومة وساكنةً، خاصة وأنَّ حملة كاسر الأمواج التي لم تتوقف حتى هذه اللحظات، ولم تأتِ بنتائج كما خطط لها العسكر، وباتت هذه المنظومة مدركةً تمامًا حجم الورطة التي دخلتها خاصة في ظل تعقيدات المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط وتصاعد الفعل الدبلوماسي وابتعاد إمكانيات التطبيع مع العربية السعودية في ظل الخطوط العريضة التي وضعتها المملكة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، مما سيدفع قريبًا إلى تطورات قد تأخذ أبعادًا لمّا تتوقعها الدبلوماسية الإسرائيلية أو/و استبعدتها فيما يتعلق بتعقيدات الصراع مع الشعب الفلسطيني، وليس السلطة الفلسطينية برسم أنها إفراز محمي راهنًا.

إعلان تكثيف الاستيطان وإن كان لطمة على الولايات المتحدة ومن يقف وراء إسرائيل قوةً وحماية، هو في جوهره بيانٌ للحالة السياسية السائلة إسرائيليًا ومؤسسٌ لحالتي المدافعة والمغالبة التي يباشرها الفلسطيني إنسانًا وشعبًا، وإن كانت حتى هذه اللحظات على مستوى المخيمات والبلدة القديمة في نابلس، إلا أن استمرارها سيدفع إلى حالة من الفرز البين الفلسطيني وسيزيد من شراسة المواجهة مع الإسرائيلي المفاوض والمحتل، وهو ما يقلق المؤسسة العسكرية التي نجحت لعقود في خلق توازنات داخلية على المستوى الفلسطيني وتحييد المدينة الفلسطينية عن الصراع، فالاستيطان بهذه الكثافة مع ما يرافقه من قوانين صادمة، سيدفع القرية الفلسطينية إلى المواجهة والتي بدورها ستجر المدينة الفلسطينية إلى المقاومة رغم أنفها وسيدفع تاليًا أو مرافقًا الداخل الفلسطيني ومن ثم القطاع إلى مواجهة شاملة ستحرج إسرائيل بعد إذ ثبت أنها على استعدادٍ لاستعمال طيرانها الحربي وآلياتها ومؤهلاتها العسكرية في حربها على المدنيين كما تفعل عادة في غزة وهي تتلقى الحماية الدولية، إذ في مثل هذه الحالة لن تكون المدينة الإسرائيلية بمنأى عن الأحداث.

أصدر مركز الأمن القومي دراسة خاصة في الحادي عشر من الشهر الجاري، تناولت المخاطر المحدقة بإسرائيل نتيجة لهذه السياسة الشعبوية التي تدغدغ أحلام ورؤى التيار الديني الصهيوني الذي لا يمثل عمليًا أكثر من 10-15% من مجموع السكان اليهود، إذ ثمة فوارق بين التدين الفرداني والجماعي الذي يغزو المجتمع الإسرائيلي في العشرية الأخيرة وبين الأدلجة الدينية الصهيونية.

تنطلق المقالة المذكورة من نقطة تؤكد أن السياسة الإسرائيلية في التعامل مع ملف الضفة الغربية تعتمد الهدوء الأمني مهما طال وقته إلى لحظة نضوج الظروف المعينة على تحقيق تسوية سياسية.

التخوف الإسرائيلي راهنًا من سياسات الحكومة الإسرائيلية ينبع من أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يتمتعون بمستوى عالٍ من الحس الوطني والقومي وتقدم مستمر في محايثات المقاومة جيليًا ومكانيًا وما يتبع ذلك من تداعيات على الجيل الفلسطيني الناشئ الذي يمثل الأغلبية العضوية والديموغرافية بين الفلسطينيين والمتقن لمعنى العالم الآخر، عالم الديجتال وعالم التواصل الاجتماعي والسايبر وما يسمى اليوم في أدبيات المستقبليات جيل ال”Z”، ويعرف عن قرب النفسية الإسرائيلية ومتنبه للتحولات الجارية داخل هذا المجتمع، وهذا سيؤدي تاليًا لمواجهات لا تتوقف مع الفلسطينيين خاصة- كما يزعم التقرير- وأن الجيش منذ الاحتلال وعلى مدار العقود الخمسة المنصرفة، سعى لخلق حالة من التوازن بين البُعد المدني للفلسطينيين وتحييد البُعد المُقاوم، وهو ما بدأ يتخلخل منذ ان أعلنت حكومة لبيد-بينيت عمّا يسمونه حملة كاسر الأمواج التي استمرت بها الحكومة الراهنة والساعية لكسر شوكة المقاومة نهائيًا عبر عمليات الإرهاق المتعمد للجماهير بما في ذلك من تداعيات نفسية واجتماعية يقاربه اختراق مُستمر للهيئات المُقاومة يتم بالتعاون التام مع أجهزة أمن فلسطينية، وهو ما قد تفقده المؤسسة العسكرية مع تعاظم قوى اليمين الديني العنصري.

جاء التقرير حاملًا لعنوان :”زعزعة الوضع الراهن، الستاتوس كفو في الضفة الغربية: تداعيات تحركات الحكومة من وجهة نظر القيادة المركزية-ערעור הסטטוס-קוו ביהודה ושומרון: השלכות מהלכי הממשלה מנקודת המבט של פיקוד מרכז”.

تأتي أهمية المقالة أنها تمثل وتعبر عن وجهة نظر قيادة المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي- وهي حالة نادرة في التحليلات- أن تكتب هذه المقالة وكأنها بتفويض من المستوى العسكري. ومعلوم أن هذه القيادة تتحمل مسؤولية كافة القوى العسكرية الفاعلة في الضفة الغربية وتشكل القيادة الفعلية الاحتلالية العسكرية عبر المؤسسات المختلفة المنبثقة عنها كمثل الإدارة المدنية التي أقيمت عام 1981 في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، حيث أخرجت القضايا المدنية التي تُعنى بأمور الناس في المناطق المحتلة من يد الجيش مباشرة إلى جسم آخر منبثق عنه وتحت إشرافه المُسير لشؤون الحياة في الضفة الغربية برسم واقعها الاحتلالي، ذلكم أنَّ إسرائيل لم تعلن منذ الاحتلال عام 1967 عن ضم الضفة الغربية وفرض السلطة والسيادة المدنية عليها، وهو ما يعني أنها ما زالت تحت الاحتلال، ولذلك فهي أي إسرائيل، مُعرفةٌ على أنها قوة احتلالية ضمن توافقات دولية على منطقة مختلف عليها من حيث التعريف الاحتلالي الوارد في الأمم المتحدة للعام 1967.

وفقًا للاتفاقيات التي أبرمت بين الليكود والصهيونية الدينية يجب نقل مسؤوليات من الجيش إلى الوزير بتسلئيل سموطريتش، وزير المالية ووزير داخل وزارة الحرب الإسرائيلية، ونقل حرس الحدود إلى وزارة الأمن القومي التي يتسيدها بن غفير، وتوسيع رقعة الاستيطان عبر الاعتراف القانوني بالبؤر الاستيطانية غير القانونية إسرائيليًا، وهذا كله مشروطٌ بتمرير الإصلاحات القانونية التي يعمل عليها الائتلاف الحكومي الحالي مما سيحدث تغييرات هائلة في جدل العلاقة بين الاحتلال والمستوطنين من جهة والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وكافة أماكن تواجده في فلسطين “الانتدابية”.

القلق الإسرائيلي يتراكم باستمرار، والحديث عن مستقبل الدولة على الرغم مما تملكه من قوة سيبرانية وإعلان واستغلالها كما رشح من تصريحات نتنياهو، الذكاء الاصطناعي في حروبها القادمة، ويتجلى هذا القلق بتصريحات قيادات سياسية وأمنية وعسكرية حرصت دائمًا على واقع ومستقبل إسرائيل، وقد بات واضحًا أن هذه الحكومة تتشبث بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات في الاستمرار بالحكم لتحقيق أكبر كم ممكن من الإنجازات التي ستخلق واقعًا جديدًا وإسرائيل جديدة ستكون المراهنات على استمرارها أكبر بكثير مما يتخيل الاستراتيجيون وصُناع القرار في الدولة العبرية.

أي تصاعد عسكري قادم في أي بقعة من فلسطين “الانتدابية” يحمل في طياته تداعيات هائلة محليًا وإقليميًا وعالميًا، خاصة مع التحولات الجارية في المنظومتين الدولية والإقليمية. وقد تصحو إسرائيل يومًا على عالم جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى