مقالات

معركة الثوابت (21)…. أسئلة صعبة في وجه ثوابتنا

الشيخ رائد صلاح

انتصارا لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ومتابعة لما كتبته في الحلقات السابقة وبعيدا عن “خطاب التكفير ” أو “خطاب التخوين ” أو “خطاب المزايدة” أتساءل بصوت عال أكثر من سؤال صعب عبر هذه الملاحظات الصعبة وأقول ما يلي:
1. لو أن مسلما أو مسيحيا من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني انخرط في سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلاف أسمائها ومهماتها ومواقعها لاعتبرناه بالإجماع أنه قد شذ عن ثوابتنا بغض النظر عن إسمه وعن نسبه وعن اسم البلدة التي ولد فيها أو يعيش فيها ، فلو كان اسمه “عمر” أو لو كان اسمه “جورج”، ولو كان من سكان “أم الفحم” أو من سكان “فسوطه” لما ترددنا ثانية واحدة أن نحكم عليه بالإجماع أنه قد شذّ عن ثوابتنا وأنه قد وقف في وجه مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بخاصة ، وفي وجه شعبنا الفلسطيني بعامة ، ولو رضي لنفسه أن يخدم الإحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى المباركين أو في أي موقع آخر لازداد إنكارنا عليه حدة بلا تردد.
2. بناء عليه فالسؤال الذي يُسأل بناء على النقطة السابقة : لو كان الذي انخرط من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني في سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها هو من بني معروف، ولو كان اسمه “تيمور” على سبيل المثال ، ولو كان -فرضا- يعيش في “بيت – جن” فلماذا يجب أن يختلف تقدير موقفه عند البعض عن تقديرنا لموقف المسلم أو المسيحي إذا انخرط أي منهما في سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على إختلافها ؟! هل لأنه مجبر على هذا الدور أما ذاك المسلم أو ذاك المسيحي فهو غير مجبر؟! هذا سبب مرفوض ولا قيمة له، لأنه لا يجوز لأحد منا أن يناقض ثوابته، وأن يشذ عنها حتى لو كان مجبرا، ولذلك فإن نتيجة من ينخرط في سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلاف أسمائها سواء كان مجبرا أو غير مجبر هي نفس النتيجة بغض النظر عن اسمه واسم طائفته واسم بلدته وهي الرفض المبدئي لدوره الشاذ.
3. لو أن هذا المسلم أو هذا المسيحي من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني الذي انخرط في سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها قد قُتِلَ وهو يؤدي خدمته لهذه الأجهزة، لأتفق الجميع منا على مقاطعة الصلاة عليه، وعلى مقاطعة المشاركة في جنازته ، وعلى مقاطعة بيت عزائه ، بغض النظر عن ملابسات مقتله، وعن الزمان والمكان الذين قُتِلَ فيهما ، ولو قُتِلَ في القدس والمسجد الأقصى المباركين لكان اتفاقنا بالإجماع أشد على ضرورة مقاطعة الصلاة عليه ومقاطعة تشييع جنازته ومقاطعة التعزية في مقتله.
4.بناء عليه والسؤال الذي يجب أن يسأل حتى لو كان صعبا ، لو كان الذي قُتِلَ وهو يؤدي خدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها هو درزي من بني معروف ، فلماذا يجب أن يختلف موقفنا ؟َ ولماذا يجب أن نختلف : هل نقاطع الصلاة عليه وتشييع جنازته والتعزية في مقتله أم لا ؟! هل لأنه فقط درزي من بني معروف؟! ألسنا متفقين فيما بيننا أن بني معروف في الداخل الفلسطيني هم جزء من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني؟! فلماذا هذا التمييز بين قتيل وقتيل؟! ولماذا هذا التمييز في موقفنا بين القتيل إذا كان مسلما أو كان مسيحيا أو كان درزيا إذا كان ثلاثتهم قد قُتِلوا وهم يؤدون خدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها.
5. لماذا يجب أن يقال من قبل البعض منا يجب أن نُشَيِّع القتيل أو أن نتقدم بالتعازي في مقتله إلى أهله إذا كان درزيا حتى لا تحدث فتنة طائفية ، لأنه قُتِلَ على يد عناصر فلسطينية مسلمة على سبيل المثال ، وهو يؤدي خدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها؟! لماذا لا يقال ذلك إذا كان القتيل مسلما أو مسيحيا ؟! مع التأكيد أن هذا القول مرفوض مبدئيا سواء كان القتيل مسلما أو مسيحيا أو درزيا ، فما دام هذا القتيل قد قُتِلَ وهو يؤدي خدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها فيجب أن يكون الموقف منه واضحا وواحدا ، سواء بسواء بغض النظر عن اسمه وعن اسم طائفته وبلدتها، ألا وهو مقاطعة الصلاة عليه ومقاطعة تشييع جنازته والتعزية في مقتله.
6. ثم إن من الواضح أن هذا المسلم أو هذا المسيحي الذي انخرط في خدمة سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها ، هو بين احتمالين خلال لحظات قيامه بهذه الخدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها: إما أن يقتل واحدا أو أكثر من شعبنا الفلسطيني ، وإما أن يقتله واحد من شعبنا الفلسطيني ، وكما هو واضح لدينا جميعا أنه لم يقف أي منا ويحذر من فتنة طائفية سواء قُتل أو قتل هذا الذي يؤدي خدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها إذا كان مسلما أو مسيحيا على اعتبار أنه يجب أن يتحمل جريرة ما جنت يداه بعد أن رضي لنفسه أن يشذ عن ثوابتنا.
7. ولكن السؤال الذي يُسأل في المقابل : لماذا يجب أن يختلف الأمر إذا كان هذا الشاذ عن ثوابتنا درزيا ؟! بمعنى أن الذي يدور اليوم عن هذا الشاذ عن ثوابتنا اذا كان درزيا أنه إذا قَتَلَ من شعبنا الفلسطيني واحدا أو أكثر سواء وقع ذلك في ساحات القدس والمسجد الأقصى المباركين أو في أي موقع آخر ، فكأن شيئا لم يحدث وكأنه لا يوجد هناك تخوف من إثارة فتنة طائفية ، ولكنه إذا قُتِلَ على يد واحد من شعبنا الفلسطيني في نفس الموقع الذي كان من المحتمل أن يَقْتُلَ فيه لو لم يُقْتَلْ ، لماذا تثور بعض الأصوات منا – مع التأكيد أنني لا أطعن في نواياها – لماذا تثور هذه الأصوات وتبدأ بالتحذير من فتنة طائفية، لماذا هذه المفارقات المرفوضة والمستهجنة ؟! هل لأن هذا القتيل الذي شذ عن ثوابتنا هو درزي.
8. قد يعود البعض ويقول مكابرة : هناك فرق لأن القتيل الدرزي قد قُتل وهو مجبر على القيام بخدمة سلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها ، بينما القتيل المسلم أو المسيحي هو غير مجبر!! ومرة أخرى أقول هو تعليل مرفوض مبدئيا ، لأنه لا يجوز لأحدنا أن يَقْتُلَ من شعبنا الفلسطيني أو أن يُعَرِّض نفسه لوضع قد يقتله فيه واحد من شعبنا الفلسطيني بحجة أنه مجبر!!
9. وعلى هذا الأساس كل من شذ من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني وتقدم بخدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها وقُتِلَ وهو يؤدي هذه الخدمة المرفوضة مبدئيا على يد واحد من شعبنا الفلسطيني فيجب ألا نبحث عن “خطاب تبريري” لهذا القتيل بغض النظر عن اسمه وعن انتمائه الطائفي وعن اسم بلدته التي يعيش فيها، ويجب أن نرفض مبدئيا الصلاة عليه والمشاركة في تشييع جنازته وتقديم التعزية فيه كائنا من كان ، ويجب أن نوكد أن هذا القتيل كائنا من كان يتحمل جريرة ما جنت يداه ، عندما شذ عن ثوابتنا وعندما رضي لنفسه أن يتقدم بخدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلافها في القدس والمسجد الأقصى المباركين أو في أي موقع آخر ،ويجب أن نتجنب مبدئيا إثارة النعرة الطائفية إذا كان القتيل درزيا من بني معروف أو أية طائفة أخرى.
10. وترسيخا لهذه المفاهيم الراشدة التي يجب أن تحفظ علينا ثوابتنا والتي يجب أن تُحصّن مجتمعنا في الداخل الفلسطيني على اختلاف طوائفه الإسلامية والمسيحية والدرزية ، وعلى اختلاف تعددياته السياسية المضبوطة بثوابتنا فإنني أقترح صياغة عقد اجتماعي تقوم عليه أقلام راشدة من كافة طوائف مجتمعنا الإسلامية والمسيحية والدرزية بهدف أن يخلصنا هذا العقد الإجتماعي من الإشكاليات الشائكة التي تحدثت عنها في السطور السابقة، وبهدف ألا يبقى مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بكل طوائفه رهينة لكل صوت شاذ أو لكل قلم شاذ أو لكل موقع تواصل شاذ كان ولا يزال من شأنه أن يتعجل – عن سبق إصرار – بإذكاء نار الفتنة الطائفية كلما قُتِلَ واحد منا وهو يؤدي خدمة لسلك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وخاصة في القدس والمسجد الإقصى المحتلين.
11. وأتمنى على الذين سيقومون على صياغة هذا العقد الإجتماعي ان يؤكدوا في هذا العقد ما أكدته في تغريدتي رقم(28) التي كانت بعنوان” نريد لنا ولبني معروف” والتي نشرتها على صفحتي في موقع التواصل الإجتماعي والتي كنت ولا زلت أؤكد خلالها أننا نريد لنا ولبني معروف أن نكون دعاة سلم أهلي معافيين من أية فتنة عمياء صماء بكماء لا ترحم أحدا، وألا يكون أحدنا حطبا لنار الإحتلال الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى المحتلين أو في أي موقع آخر، وأن نحرص كل الحرص لنا ولمستقبل أولادنا أن نحفظ مجتمعنا واحدا يحمل المصير الواحد حاضرا ومستقبلا لكل طوائفه الإسلامية والمسيحية والدرزية.
12. كما وأتمنى على الذين سيقومون على صياغة هذا العقد الإجتماعي أن يؤكدوا فيه ما أكده كاتب من بني معروف هو السيد محمد نفاع عندما كتب يقول في مقالة له بعنوان “السبب جهنمي والنتيجة مرة “نشرتها صحيفة الإتحاد بتاريخ 21/7/2017 :”…ويُسأل السؤال: لماذا هذا الموت الكثير جدا بين الجنود الدروز وهو أضعاف نسبتهم!! والجواب واضح، وهو جزء من المخطط الإجرامي السلطوي الصهيوني الإسرائيلي للإستمرار في عملية فصل الدروز عن شعبهم وأمتهم وحتى عن إنسانيتهم، ولا يجب أن يغيب عن بالنا تصريح أحد رجال السلطة الإسرائيلية في رومانيا قبل سنوات والذي وصل الى رتبة رئيس ووزير عندما قال:” جنودنا اليهود حضاريون مهذبون ، أما هذا الطيش والمنكر فهو من الجنود الدروز.. هل الرصاصة اللبنانية أو الفلسطينية مثلا وهي تقاوم الإحتلال تعرف الجندي الدرزي من اليهودي أو البدوي !!هل الدرزي مستهدف لأنه درزي!! هذا وهم مزروع… نحن نعرف أنه ليس من السهل رفض الخدمة العسكرية الإجبارية والعقوبات المترتبة على ذلك… لكن على الأقل تعالوا نطالب الآن رسميا وشعبيا وقانونيا وحقوقيا وأخلاقيا بعدم الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة فسكان وأهل المناطق المحتلة هم أبناء شعبنا وأمتنا”…
13. وكذلك أتمنى على الذين سيقومون على صياغة هذا العقد الإجتماعي ان يؤكدوا فيه ما أكده الشيخ كايد سلامة من حرفيش في مقالة له بعنوان” لا تزاودوا علينا… التاريخ شاهد”، نشرتها صحيفة “كل الناس” بتاريخ 21/7/2017 حيث كتب يقول:”… لا أدافع عن هؤلاء الذين في سلك الأمن وبالأخص الذين يخدمون بالقدس الشرقية. على الأهل تقع المسؤولية الكبرى بعدم توجيه أولادهم ومشاركتهم في قرارات العمل وانخراطهم بتلك الوحدات المرابطة في الأراضي المحتلة سنة1967، عليهم منعهم بكل الوسائل لا يعقل أن نوافق على إرسال أولادنا إلى أكثر الأماكن الحساسة في العالم، وأن لا نتوقع أحداثا كتلك. هل نقبل أن تكون أماكن عبادتنا محتلة ومدنسة ؟ هل نقبل أن تكون أسواقنا مكتظة بشرطة معادية؟! من المفروض ما لا نقبله على أنفسنا أيضا أن لا نقبله على الآخرين، وأتمنى على شبابنا إعادة النظر مجددا بكل ما يتعلق بالخدمة الأجبارية ، أقله رفض الخدمة بكل المناطق المحتلة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى