أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

MEE: لماذا تُستهدف قطر بالذات في قضية استغلال العمال؟

سلطت الكاتبة، كريستال إيه إينيس الضوء على أسباب استهداف قطر بالذات عبر اتهامها باستغلال العمالة المهاجرة، بينما يواجه هؤلاء العمال في كل أرجاء العالم، من الشرق إلى الغرب، أوضاعاً بائسة ويتعرضون للاستغلال.

وقالت إينيس في مقال لها نشرته “ميدل إيست آي“، إن الاستفراد بقطر وخصها بموضوع استغلال العمال دون غيرها يسمح للمراقبين بتجاهل الانتهاكات على المستوى العالمي، وكأنها شيء يخص مجتمعات وثقافات شعوب الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن النموذج القاطع على ذلك هو كيفية الانتشار كالنار في الهشيم لخبر غير دقيق حول وفيات العمال المهاجرين، وكأنما المقصود هو نشر حكايات حول المنطقة للتأثير على القراء وتشكيل قناعات مسبقة لديهم.

وشددت الكاتبة على أن الضغط الذي مورس على قطر خلال العقد المنصرم آتى أكله. فقد بدأت الدولة في منح العمال تعويضات، وفتحت مكتباً لمنظمة العمل الدولية، وبدأت بالتعاون الفني لإصلاح ظروف العمالة. وقد أنجزت بالفعل عدة تحسينات من شأنها أن تجعل التنظيمات منسجمة مع معايير العمل الدولية.

وقالت إن من الأمور التي يمكن ملاحظتها بوضوح أن إصلاحات 2018 سمحت أخيراً للعمال بمغادرة البلد دون الحاجة إلى الحصول مسبقاً على إذن خروج، بينما مكنت إصلاحات 2020 العمال من تغيير وظائفهم قبل انتهاء مدة العقد دون الحاجة إلى إذن من رب العمل.

ومن خلال تقليص سلطان أرباب العمل على العاملين لديهم، استحقت هذه الإصلاحات الإشادة من قبل البعض باعتبارها تفكيكاً لنظام الكفالة، إلا أن الاستغلال ما زال مستمراً.

 

وفي ما يلي نص المقال كاملا:

 في حزيران/ يونيو 2021، وُجد خمسون عاملاً أجنبياً في ظروف معيشية مريعة: أماكن صغيرة قذرة، نوافذ مزودة بقضبان من الحديد، لا وجود لأجهزة استكشاف الحريق ولا لطفايات، بينما تتواجد داخل غرف النوم مواقد تعمل بالغاز حيث يعيش في كل غرفة ما بين أربعة إلى ستة أشخاص. زعم العمال أنهم تعرضوا للضرب من قبل المشرف عليهم. وبعد أن تدخلت البلدية اختفى العمال.

في وقت لاحق هذا الخريف، صرح عشرون عاملاً أجنبياً لنقابة مهنية محلية بأنهم لم يتقاضوا رواتبهم بعد أسابيع من العمل. كما أن ظروف العمل لم تكن كما كان معلناً عنها، بل ساعات العمل طويلة وأماكن السكن مزدحمة وتتفشى فيها الحشرات. وطُرد أحد العمال بعد ثلاثة أسابيع فقط حينما طلب استراحة حتى يتسنى له الذهاب لقضاء الحاجة. وعندما طلب أجرته المستحقة له، قيل له إن عليه المغادرة فوراً وإلا “كسرت الوكالة رقبته”.

وبينما توشك مباريات كأس العالم لعام 2022 على الانطلاق، راحت الأضواء تسلط على حكايات استغلال العمال المهاجرين.

كان فوز قطر في عام 2010 بالمنافسة على استضافة كأس العالم لحظة مثيرة في الشرق الأوسط، فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يحظى فيها واحد من بلدان المنطقة باستضافة هذه اللعبة. ولكن، منذ ذلك الحين، لم تزل العملية موحلة في الجدل وغارقة في خطابات الإثارة الاستشراقية حول ظروف العمالة المهاجرة القهرية والفاسدة والمسيئة استفراداً بمنطقة الخليج.

ليس المقصود هنا القول بأن ظروف العمال المهاجرين المستقدمين من أفريقيا وآسيا للعمل في مرافق كأس العالم القطرية ليست شنيعة. فمنظمات حقوق العمال، مثل إكويديم ومركز الموارد الخاص بالأعمال وحقوق الإنسان، تتحدث عن انتهاكات خطيرة بما في ذلك نهب الأجور، وتعريض الصحة والسلامة للأخطار، والوفيات في مواقع العمل، ورسوم التوظيف غير القانونية، والتمييز العرقي والجندري، بل وحتى التحرش الجنسي.

يشير هذا السجل المرعب إلى توجه عالمي حيث يتزايد الاستغلال وتتفاقم الظروف المحفوفة بالمخاطر داخل أوساط القوى العاملة على المستوى العالمي. ولقد أفادت مؤخراً منظمة العمل الدولية في تقرير لها بأن خمسين مليون إنسان حول العالم واقعون في أسر العبودية الحديثة، وبأن هذا العدد زاد بشكل كبير خلال نصف العقد الأخير.

ولكن بينما تشير النماذج المذكورة أعلاه في مقدمة المقال إلى انتهاكات يتعرض لها العمال المهاجرون، إلا أن أياً منهما لم يحدث في مواقع الإنشاءات الخاصة بمرافق كأس العالم القطرية. بل حصل كلاهما في هولندا، حيث يتعلق الأول بعمال المزارع ويتعلق الثاني بعمال مصانع اللحوم. وثمة روايات مشابهة لانتهاكات تجري في مختلف أرجاء أوروبا، حيث تنتشر على نطاق واسع عمليات استغلال العمال، وخاصة المهاجرون منهم الذين يفدون بتأشيرات دخول مؤقتة. فقد بات ذلك متضمناً في هياكل الرأسمالية العالمية التي تحفز قطاع الأعمال والمنظمات المختلفة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلال استخدام عمالة متدنية الأجر.

ولهذا فإن الاستفراد بقطر والحديث عنها من خلال نظرة استشراقية ومعادية للإسلام إنما يفضي إلى صرف الانتباه بعيداً عن معالجة الاستغلال البنيوي المتواصل وانعدام المساواة.

أجور متدنية وحقوق مهضومة

بات حجم العمالة المهاجرة المؤقتة هائلاً ولم يزل في حالة من التنامي. فما يقرب من ستين بالمائة من العمال المهاجرين حول العالم، والذين يقدر تعدادهم بحوالي 164 مليونا، يتواجدون في الدول العربية وفي منطقة أمريكا الشمالية وفي أوروبا. يشير مصطلح الهجرة المؤقتة إلى مختلف أشكال العمالة المهاجرة ذات المدد المحددة، مثل العمالة الوافدة أو برامج العمالة الفصلية. إلا أن كثيراً من العمال المهاجرين باتوا في وضع الهجرة “المؤقتة”، حيث يدخل تسعون بالمائة من العمال المهاجرين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من خلال الحصول على تأشيرات دخول مؤقتة.

منذ أن بدأت جائحة كوفيد-19 برز المزيد من الحكايات حول الظروف المسيئة التي تنفذ بها برامج الهجرة المؤقتة حول العالم. وهذه تمس عمال الزراعة الفصليين في كندا وهولندا، وعمال الإنشاءات في سنغافورة، والعمال الوافدين في تايوان، وكذلك العمال الوافدين في بلدان منطقة الخليج والذين يعملون من خلال نظام الكفالة.

لا يحظى المهاجرون المؤقتون الذين يتقاضون أجوراً متدنية بأي منافع أو رعاية صحية، ويحصلون في العادة على حقوق وفرص أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها أولئك الذين يستمتعون بالمواطنة أو بحقوق الإقامة الدائمة. فبطبيعتها، تربط برامج العمالة الوافدة حقوق العمال المهاجرين في الإقامة والعمل داخل البلد بالجهة التي توظفهم، وتلك هي السمة الأساسية لنظام الكفالة وبرامج العمالة الزراعية الموسمية، وهي بذلك تشجع على العلاقات العمالية التفاضلية وتزيد من مخاطر الاستغلال.

لماذا إذن ارتفعت بشكل حاد شعبية الهجرة المؤقتة؟ يرى بعض العلماء وصناع السياسة أن ذلك يعود إلى سيناريو “الكسب الثلاثي”، فبينما يحصل البلد المستضيف للعمالة على عمال “رخيصين” يساهمون في تعزيز الإنتاجية والنمو، يحصل البلد المصدر للعمالة على تحويلات مالية ويتخفف من عبء البطالة والرعاية الاجتماعية، بينما يتقاضى المهاجر دخلاً أعلى. إلا أن هذا التفسير القائم على افتراض أن النتيجة بالإجمال إيجابية يتجاهل الاختلالات الحاصلة بين العمال بناء على وضعهم كمهاجرين، ناهيك عن الهرميات العنصرية في سوق العمالة على المستوى العالمي.

بل تتفشى أنظمة الهجرة المؤقتة لأنها مربحة جداً، حيث يستفيد جميع المعنيين، من أرباب عمل ومكاتب توظيف وشركات وحكومات، من هياكل سوق العمالة العالمية ومن الاستغلال الذي يتعرض له العمال.

إدراك عالمي

يعتبر كأس العالم لكرة القدم 2022 حدثاً رياضياً دولياً ببصمة عالمية، من الذين يشيدون البنى التحتية إلى من يملكون الشركات التي تدير المشاريع، من أولئك الذين يقدمون الرعاية إلى أولئك الذين ينظمون العمل والهجرة، من أولئك الذين يلعبون في المباريات إلى أولئك الذين يجلسون للتفرج عليها داخل الملعب أو عبر التلفاز.

هناك جمهور عالمي للأحداث الرياضية، وهناك بنى تحتية تجارية على المستوى العالمي تمكن لذلك الحدث. شركات الإنشاءات التي تعمل في قطر ليست مقتصرة على المنطقة، بل وفد بعضها من بريطانيا ومن هولندا ومن فرنسا ومن غير ذلك من البلدان. ولسوف تقيم فرق المنتخبات والمشجعون لها في فنادق معروفة ومشهورة أخفقت في النأي بنفسها عن العمالة القسرية كما فشلت في التصدي للمزاعم بارتكاب انتهاكات.

ونظراً لأن استغلال العمال المهاجرين ليس بالأمر الشاذ، فإن الكثير من المنظمات غير الحكومية تعتبر كأس العالم 2022 فرصة سانحة أمام المجتمع المدني العابر للحدود لرفع مستوى الوعي. لربما كانت تلك لحظة مطلوبة من أجل التعبئة الكلية، إلا أن الهتاف بشعار “لا لقطر بعد الآن” يعتبر عملاً أجوف ما لم يتم أيضاً الوقوف في مواجهة الكثير من الشركات الأوروبية التي تستفيد من عقود كأس العالم أو من استغلال العمالة المهاجرة في أماكن أخرى حول العالم.

على الرغم من الضغط السياسي الذي يمارس في العديد من البلدان الأوروبية من أجل مقاطعة كأس العالم، إلا أن منظمات حقوق الإنسان وحقوق العمال يقولون إن ذلك لن يحسن من ظروف العمل. بل قد يفقد المهاجرون وظائفهم وينتهي بهم الأمر إلى أن يعادوا إلى أوطانهم.

كما أن النشطاء في مجال حقوق المهاجرين ممن تحدثت معهم في جنوب وغرب آسيا يعارضون وقف الهجرة أو كأس العالم، ويحثون بدلاً من ذلك المجتمع الدولي على تحسين ظروف الهجرة بحيث تصبح منظمة وآمنة، كما تدعو إلى ذلك الأمم المتحدة.

ومن هنا جاء إطلاق تجمع من المنظمات غير الحكومية الدولية حملة بديلة هذا العام بوسم “على فيفا أن تدفع أكثر”، وأتبعوا ذلك بخطاب يطالب رئيس الفيفا جاني إنفانتينو بتعويض العمال عما يتعرضون له من انتهاكات. والمبلغ الذي تطالب به لا يقل عن 440 مليون دولار من أموال الجائزة التي تمنحها الفيفا للفرق المشاركة.

كانت الفيفا على دراية بالاستغلال منذ البداية، كما تقول، ولكنها أخفقت في وضع آليات حماية. بموجب أحكام السلوك الواردة في المبادئ المرشدة للأمم المتحدة بخصوص قطاع الأعمال وحقوق الإنسان، تتحمل فيفا وقطر والشركات جميعها المسؤولية. وحتى منتصف أكتوبر / تشرين الأول، لم تلتزم فيفا بعد بدفع أي تعويضات. ولم تعلن عن موافقتها على النداء حتى الآن سوى سبعة من اتحادات كرة القدم المؤهلة، وذلك في خضم موجة من العبارات المبتذلة والاحتجاجات.

جغرافيا الاستغلال

لقد آتى بعض الضغط الذي مورس على قطر خلال العقد المنصرم أكله. فقد بدأت الدولة في منح العمال تعويضات، وفتحت مكتباً لمنظمة العمل الدولية، وبدأت بالتعاون الفني لإصلاح ظروف العمالة. وقد أنجزت بالفعل عدة تحسينات من شأنها أن تجعل التنظيمات منسجمة مع معايير العمل الدولية.

ومن الأمور التي يمكن ملاحظتها بوضوح أن إصلاحات 2018 سمحت أخيراً للعمال بمغادرة البلد دون الحاجة إلى الحصول مسبقاً على إذن خروج، بينما مكنت إصلاحات 2020 العمال من تغيير وظائفهم قبل انتهاء مدة العقد دون الحاجة إلى إذن من رب العمل. من خلال تقليص سلطان أرباب العمل على العاملين لديهم، استحقت هذه الإصلاحات الإشادة من قبل البعض باعتبارها تفكيكاً لنظام الكفالة – إلا أن الاستغلال ما زال مستمراً.

لا ريب في أن الاهتمام دفع باتجاه إجراء بعض التغيير، إلا أن الاستثنائية والإثارة أشاعا النمطيات الاستشراقية، وهذا أبعدنا كثيراً عن محاربة عدم المساواة على مستوى العالم، وشد الانتباه أكثر إلى الأداء والعلاقات العامة بدلاً من السعي إلى إحداث تغيير جذري في المنظومة ذاتها.

إن الاستفراد بقطر وخصها بذلك دون غيرها يسمح للمراقبين بتجاهل الانتهاكات على المستوى العالمي، وكأنها شيء يخص مجتمعات وثقافات شعوب الشرق الأوسط. والنموذج القاطع على ذلك هو كيفية الانتشار كالنار في الهشيم لخبر غير دقيق حول وفيات العمال المهاجرين، وكأنما المقصود هو نشر حكايات حول المنطقة للتأثير على القراء وتشكيل قناعات مسبقة لديهم. لا شك أن الحقائق تهم إذا أردنا فعلاً إحداث تغيير.

إن الاستغلال الذي يتم في أجواء أنظمة الهجرة المؤقتة أبعد ما يكون عن الاستثنائية وينبغي فهمه باعتباره أمراً بنيوياً. من المؤكد أن علينا أن نسلط الضوء على الاستغلال وأن نغضب إزاء أي انتهاكات تمارس، ولكن لا ينبغي بحال أن يصور ذلك كما لو أنه أمر يخص قطر دون غيرها.

بدلاً من ذلك، انظر فيما إذا كنت فعلاً منزعجاً من الانتهاكات التي يتعرض لها العمال المهاجرون في بلدك أنت. عبر عن تضامنك مع العمال القريبين من وطنك والبعيدين عنه، وخاصة العمال المهاجرون. واضغط على الرأسمال الدولي الذي ينتفع من ظروف الاستغلال في سياقات مختلفة.

الأمر في نهاية المطاف لا يتعلق بقطر. وإنما يتعلق بجغرافيا الاستغلال الكامن في الاقتصاد العالمي الذي ينجح أو يفشل بناء على القدرة على تحقيق أكبر كسب بأقل قدر من التكاليف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى