أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

أسمع كلامك… أشوف أمورك!!!

حامد اغبارية

كل شيء يمكن أن يمر على الشعوب إلا أن تكذب عليها، أو تخدعها، أو توهمها بأنك على شيء بينما أنت لست على شيء. هكذا فعل محمود عباس ومجلسه المركزي في اجتماعه الأخير.

في آذار 2005 عقد المجلس المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية اجتماعا مماثلا لذلك الاجتماع الذي عقد مؤخرا هذا الشهر، واتخذت قرارات أوهمت الناس أنها (أي القرارات) ستلقن الاحتلال درسا، وستمرغ أنفه في التراب. هكذا تصنع “البطولات” الوهمية في الأنظمة الفاسدة، والأنظمة التابعة، والأنظمة التي لا تعمل لصالح شعوبها. هذا إذا افترضنا جدلا أن سلطة دايتون هي نظام حاكم أصلا، وليست مجرد أداة صنعها الاحتلال بمساعدة واشنطن، وعدد من أنظمة العار العربية، لتؤدي ذات الأدوار القذرة التي كان يؤديها الاحتلال، ولكن بـ “نكهة فلسطينية”!

تحدثت تلك القرارات – على سبيل المثال- عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، فهل توقف التنسيق الأمني، أم تصاعد وازداد شراسة؟!

لم يتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، حتى أثناء اتخاذ قرار وقفه عام 2005، بل وحتى أثناء لعلعات رجالات سلطة دايتون على الفضائيات حول وقف التنسيق. ببساطة متناهية: إنهم لا يستطيعون وقف التنسيق الأمني، لأنه إحدى ضمانات بقائهم.

وهذه المرة أيضا لن يتغير شيء.. رغم أن ظروف عقد اجتماع اللجنة المركزية مختلفة، ولها علاقة بأهم بند في ملف “أوسلو”، وهو مستقبل ومصير مدينة القدس.

سوف يستمر التنسيق الأمني، كما هو، ولن يتوقف للحظة واحدة، كما كان حاله منذ بدأ، وسوف يواصل الاحتلال سياساته الاستيطانية، والزحف إلى ما تبقى مما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، وسوف يواصل تهويده للقدس، وسوف يواصل تنفيذ مخططاته في المسجد الأقصى المبارك. وأقصى ما يمكن أن تصنعه سلطة رام الله ومنظمة التحرير – رحمها الله تعالى- هو عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات التي لا يلقي لها أحد بالا. فالسلطة الفلسطينية لها دور مرسوم ووظيفة محددة لا تستطيع إلا أن تؤديها، ولا يمكنها أن تخرق شروطها.

إذا كان محمود عباس غاضبا إلى هذا الحد من الرئيس الأميركي ترامب، فلماذا دعا القنصل الأمريكي لحضور اجتماع اللجنة المركزية؟ هل أراد أن يسمعه مباشرة وهو يقول لرئيسه (يخرب بيتك)؟ أم أنها مقدمة لعودة حليمة إلى عاداتها اللئيمة…؟ سيتضح هذا في الأيام والأسابيع القادمة.

ولعلنا نسأل: لأي شيء دعها محمود عباس إلى إعادة النظر في بنود اتفاقيات أوسلو ووضعها على الطاولة وبحثها من جديد؟ على من يضحك؟ ومن يريد أن يخدع؟ ماذا سيبحث في هذه الاتفاقية؟ وأية بنود يريد تغييرها أو تعديلها؟! كلام فضفاض لا يسمن ولا يغني من جوع، وهو عملية خداع تلفزيوني لا أثر له على أرض الواقع. فأوسلو ببنودها الحالية، أو ببنودها المعدلة، كانت وستبقى كارثة على الشعب الفلسطيني، حتى لو جلس يبحثها من جديد ربع قرن آخر! وهل يتوقعنّ أحدٌ أنه لو استطاع عباس أن يضع أوسلو على الطاولة من جديد، أن ينصاع الاحتلال وتتغير الأحوال؟! على من تضحكون؟! على من يضحك الرئيس عباس وهو الذي استعرض في خطابه الطويل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، والتي لم ينفذ منها شيء؟! وماذا لو تشكلت هيئة دولية لرعاية مهزلة المفاوضات، كما اقترح عباس في خطابه؟! هل هذا هو الذي سيحل القضية الفلسطينية؟ وما هو الحل الحقيقي لقضية الصراع على فلسطين؟ هل هو فقط ما تطرحه سلطة دايتون؟ وهل ما تطرحه تلك السلطة هو حقيقة ما يريده الشعب الفلسطيني؟ أم أن هيئة دولية على طريقة أبي مازن ستخرج السلطة من أزمتها، وتمد في عمرها بضع سنين إضافية؟! أليس المجتمع الدولي هو الذي أذاق شعبنا كل هذا العذاب؟!

إن مطلب الشعب الفلسطيني هو إلغاء أوسلو وطي صفحته. فلماذا لم يطرح عباس في خطابه – مثلا- أنه سيجري استفتاء شعبيا بخصوص أوسلو والاعتراف بالدولة العبرية ومستقبل السلطة وما يسمى حل الدولتين؟! ألا يثق بشعبه؟!!!

ملاحظة أخيرة: كي تكتشف أن عباس في خطابه الطويل كان يخدع شعبه، لاحظ معي عندما قال إنه ذهب إلى الأردن وقال لهم: نريد أن نكون معا في وفد واحد، في مفاوضات مؤتمر مدريد عام 91، وكأنه أراد أن يقول إن تشكيل الوفد إياه كان بمبادرة فلسطينية، بينما الحقيقة التاريخية أن إسحق شامير، رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت هو الذي اشترط أن يكون الفلسطينيون المشاركون في المؤتمر جزء من الوفد الأردني، لأنه لم يعترف بهم، ولم يكن يراهم من سنتمتر واحد! هذه هي الحقيقة التي يعرفها عباس، مهندس مدريد وأوسلو. ومع ذلك جلس عجزة اللجنة المركزية يصفقون له، وربما شاركهم التصفيق القنصل الأمريكي.

لن تطول الأيام حتى (تعود مياه الصرف الأمريكية إلى مجاريها)، وسوف يجد عباس من الكلام والمصطلحات ما يخاطب به الشعب الفلسطيني، كي يقنعه بأن ماء المستنقع الأمريكي الآسن يصلح للوضوء….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى