أوريان 21: ريح عاصف تهب على مسلمي فرنسا
تهب ريح عاصف على الحقوق والحريات في فرنسا، ويجد مسلمو البلد أنفسهم في دوامة هذه العاصفة، إذ تعمل الأغلبية السياسية -عبر تتالي حلّ الجمعيات وسن القوانين سنة بعد سنة- على جعل أفراد الأقلية المسلمة بفرنسا مواطنين من الدرجة الثانية.
هذا ما لخص به الكاتب الفرنسي رفيق شكات مقالا له -بموقع “أوريان 21” (Orient XX1)- تحت عنوان: “ريح عاصف تهب على مسلمي فرنسا”، ليبرز في بدايته أن أي مبادرة تنبع من المسلمين بفرنسا حاليا توصم بأنها طائفية ومنافية لحرية التعبير أو العلمانية، أو بأنها مظهر من مظاهر الإسلام السياسي.
انطلاقا من تلك النظرية، يقول الكاتب إن مساجد وجمعيات خيرية وأخرى حقوقية، ومدارس ودور نشر، ونوادي رياضية، بل وحتى مجرد محلات بيع لوجبات خفيفة تعرضت إلى الحل أو الغلق، أو أنها موضوع تنفيذ هذه الإجراءات حاليّا.
وأكد الكاتب أنه لم يبق هناك مجال للشك في دوافع هذا “القمع الجاري، وهو ردع أي خطاب ناقد ينبع عن المسلمين، والرغبة المعلنة والدائمة في تحييد الفضاء العام”، على حد تعبيره.
وأوضح أن ذلك يتم من دون مراعاة لعدم تجانس المستهدفين، وكذلك من خلال التلاعب القانوني ببعض أسباب حل تلك الهيئات أو إغلاقها.
وضرب الكاتب مثالا على ذلك: إعراب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان عن ارتياحه لتجميد أصول نحو 200 جمعية “قريبة من الحركة الانفصالية” (ويقصد الوزير بذلك من يتهمهم الوزير برفض الاندماج في المجتمع الفرنسي) من دون أن يكلّف نفسه عناء تفسير المقصود بهذا “القرب”.
وعلق الكاتب على ذلك بقوله إن هذه هي الطريقة التي يتم بها إخماد الأصوات المسلمة باسم حماية حرية التعبير، في حين يتم سن قوانين للانفصال وتسييس كل حدث مرتبط بالإسلام باسم مكافحة “الانفصالية” و”الإسلام السياسي”.
ويحتل موضوع حرية التعبير مكانة مركزية في النظام الخطابي للإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام)؛ إذ يتم تصوير المسلمين ومن يوصفون بأنهم “متواطئون” معهم على أنهم يشكلون التهديد الرئيسي لهذه الحرية، ويُتهمون باستمرار بأنهم يعملون على منع أي نقاش حول دينهم، بل ويتم رفض مصطلح الإسلاموفوبيا بشدة، ويُنظر إليه من بعض الأطراف على أنه محاولة لفرض الرقابة، دائما وفقا للكاتب.
ويوضح الكاتب أن الحضور الدائم لموضوع الإسلام والمسلمين في النقاش الفرنسي العام، والحملة الرئاسية الحالية، يكشف التهميش السياسي لأولئك الذين يقدمون على أنهم تهديد للتعددية الديمقراطية، والمفارقة -حسب قوله- أنه يتم التحدث باستمرار عن المسلمين في وسائل الإعلام الرئيسية، وفي الوقت نفسه تكرار بأنه لا يمكن التحدث عنهم أبدًا.
يعرض الكاتب بعض الأمثلة التي تعكس السياسة الجديدة للدولة الفرنسية للتضييق على المسلمين، فيذكر أن ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا -وهو نص سياسي لا مثيل له في الديانات الأخرى، يجب على المسؤولين عن المساجد توقيعه تحت طائلة إجراءات ردعية إدارية مختلفة- ينص على ما يلي:
“غالبًا ما يكون مسلمو فرنسا ورموز هذه العقيدة أهدافًا لأعمال عدائية. هذه الأفعال من صنع أقلية متطرفة لا ينبغي الخلط بينها وبين الدولة أو الشعب الفرنسي، لذلك، فإن شجب عنصرية مزعومة للدولة، وتقمّص موقف الضحية، يُعدّ تشهيرًا، ويغذّي ويؤجج في الوقت نفسه الكراهية ضد المسلمين وضد فرنسا”. (المادة 9)
ويستغرب الكاتب أن هذه المادة تجعل المسلمين مسؤولين عن الاستياء ضد فرنسا وعن العنصرية التي يتعرضون لها في الوقت ذاته.
ويوضح أن قانون “تعزيز المبادئ الجمهورية” -والمعروف أكثر بقانون “مكافحة الانفصال”- يميل هو الآخر إلى إعاقة قدرة المسلمين على ممارسة حياتهم الاجتماعية على أكمل وجه.
ويرى أن هذا النص ذو هدف قمعي أساسا (وقد أقرّ بذلك مجلس الدولة في رأيه الصادر في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2020)، كما يُعد انتهاكا واضحا لحقوق وحريات الأقلية المسلمة في فرنسا -وهي الأكثر عددًا في أوروبا-، لا سيما تلك المتعلقة بتكوين الجمعيات وممارسة الشعائر الدينية.
ويختم الكاتب بالتحذير من أن إلغاء عدد من الضمانات التي تحمي نوعا ما المسلمين من التعسف السياسي، وإجبارهم على اتخاذ موقف دفاعي، وما إلى ذلك من الإجراءات التسلطية، ولّد لديهم الغضب والإحباط، “ونحن نعلم كيف يمكن أن يستغل هذا الغضب، الذي لا يجد مساحات ليُعبّر فيها ويُسمع، وكيف يمكن توظيفه لأغراض مشؤومة”.