أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودوليومضات

عالم بريطاني: هذا ما قد يترتب على حرب نووية

منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 لم يكن العالم قريبا من حرب نووية كما هو اليوم، ومن ثم فلنا أن نتساءل: كيف سيكون تبادل القصف النووي على نطاق واسع؟ وهل ستكون تلك نهاية العالم أم إنه سيكون من الممكن بقاء الجنس البشري على قيد الحياة، ولكن بعد قتل معظم الناس؟

من هذه الأسئلة انطلقت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية في مقال للعالم مارك ليناس، قال فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألمح إلى أنه قد يلجأ إلى الأسلحة النووية إذا ردّ عليه حلف شمال الأطلسي (الناتو) عسكريا في أوكرانيا أو إذا واجه تهديدا مباشرا لنفسه أو لنظامه، وعندئذ سنكون في مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، مع وجود احتمال واضح لحدوث تصعيد نووي.

وفي مقاله -الذي ترجمته للمجلة بيغي ساستر- أوضح العالم والمناضل البيئي البريطاني أن العديد من العلماء تناولوا هذا الموضوع من قبل، إلا أن أعمالهم غير معروفة على نطاق واسع، ربما لأنها جاءت في أوقات السلم، حين لا يكون الاهتمام كبيرا بما لا يبدو واقعيا، إلا أن الظروف الآن لم تعد في نطاق السلم، في وقت تحوم فيه ظلال السحب النووية على كوكبنا.

جرد للترسانات النووية الحالية

وأشار الكاتب إلى أن آخر تقييم للقدرة العسكرية النووية الروسية في بداية عام 2022 كان يتوقع أن روسيا تمتلك مخزونا من نحو 4477 رأسا نوويا، وهو ما يقرب من 6 آلاف إذا ضمّت إليه الرؤوس الحربية “التي تم إيقاف تشغيلها”، في حين تحتفظ الولايات المتحدة بترسانة مكافئة تقريبا من 5500 رأس حربي، 3800 منها قابلة للنشر بسرعة.

ومع أنه من الصعب تقدير القوة الانفجارية لهذه الأسلحة، فإن التقديرات القائمة على المقارنة تشير -حسب الكاتب- إلى أن ما تم تفجيره أثناء الحرب العالمية الثانية لا يتجاوز 3 ملايين طن من مكافئ مادة “تي إن تي” (TNT)، في حين أن كل غواصة بريطانية من طراز “ترايدنت” (Trident) تحمل 4 ميغا طن من مكافئ الـ “تي إن تي” على 40 رأسا نوويا، وذلك يعني أن واحدة فقط من هذه السفن يمكن أن تسبب دمارا أكثر مما حدث في الحرب العالمية الثانية بأكملها.

هيروشيما وناغازاكي

وفي عام 1945 هاجمت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنابل الذرية، وأعطتنا مثالين ملموسين لتأثير الأسلحة النووية على السكان، إذ مات ما مجموعه 140 ألف شخص في هيروشيما و73 ألفا في ناغازاكي على الفور أو في غضون 5 أشهر من الانفجار النووي والحرارة المشعة الشديدة المنبعثة من كرة النار وإشعاعاتها المؤينة.

وقد تفحّم العديد من السكان بسبب الإشعاع الحراري، بخاصة من كانوا على بعد كيلومتر واحد من نقطة التأثير، وعانى أولئك الذين يقعون في دائرة نصف قطرها 1.5 كيلومتر من حروق شديدة، مع تساقط أجزاء كبيرة من جلودهم فيما بعد، كما تحول بعض الناس، بخاصة من كانوا داخل المباني، إلى هياكل عظمية بعد أن تبخرت كل أجسادهم بفعل الحرارة.

أما بعض الناجين الذين أطلق عليهم فيما بعد باليابانية اسم “هيباكوشا” فقد عانوا من متلازمة الإشعاع الحادة بسبب النيوترونات وأشعة غاما المنبعثة من الانشطار النووي أثناء الانفجارات، ومن أعراض ذلك الإسهال الدموي وتساقط الشعر والحمى والعطش الشديد والدائم، وقد مات كثير منهم.

وما أظهرته هيروشيما وناغازاكي هو أنه باستثناء متلازمة الإشعاع الحادة، فإن الإشعاع الناتج عن التساقط الإشعاعي سيكون أقل مشاكلنا في حالة الحرب النووية، إلا أن الانهيار الاجتماعي والمجاعة وتدمير جزء كبير من المحيط الحيوي ستكون العواقب الأكثر خطورة.

نزاع نووي محدود

قبل الحرب في أوكرانيا كان يبدو من غير المرجح أن تتصادم القوى العظمى مرة أخرى، وقد نشرت دراسة تبحث في العواقب المحتملة لاستخدام الأسلحة النووية في المناطق الحضرية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند وباكستان، وقدّرت أن كل تفجير يكفي لتحويل 13 كيلومترا مربعا إلى رماد، مع 5 تيراغرامات من السخام في الغلاف الجوي والتلوث الناجم عن حرائق الغابات والمباني.

وفي سيناريو الحرب النووية “المحدودة” هذا لا تُحدّد الوفيات البشرية المباشرة كمّيا، ولكن من المحتمل أن يبلغ عددها عشرات أو مئات الملايين، كما أن العواقب على الكوكب وخيمة، لأنها ستحجب الإشعاع الشمسي وتخفض درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.8 درجة مئوية خلال 5 سنوات بعد القصف.

الدمار الذي خلفته القنبلة النووية على هيروشيما (رويترز)


حرب نووية واسعة النطاق

واستعرض الكاتب تحليلا لسيناريو حرب نووية بين روسيا والولايات المتحدة، في ضوء دراسة أُنجزت عام 2008، وتوقعت أن تطلق روسيا 2200 سلاح إلى الدول الغربية، وأن تطلق الولايات المتحدة بالمقابل 1100 سلاح إلى الصين و1100 قطعة أخرى إلى روسيا، وذلك يعني إطلاق 4400 رأس حربي بالجملة، من دون أخذ الأسلحة النووية التي تمتلكها دول أخرى في الاعتبار.

ورأت الدراسة أن مثل هذه الحرب النووية الشاملة ستؤدي إلى وفاة 770 مليون شخص بشكل مباشر، وتوليد 180 تيراغراما من السخام نتيجة حرق المدن والغابات، وسيقتل فيها خمس السكان في الولايات المتحدة على الفور.

وفي دراسة أخرى نُشرت في عام 2019، تتصور حربا نووية ذات حجم مكافئ، لوحظت تقديرات أقل قليلا، تبلغ 150 تيراغراما من السخام الجوي، يتسبب في حجب 30% أو 40% من ضوء الشمس في الأشهر الستة التالية، مما يؤدي إلى انخفاض هائل في درجات الحرارة، لتبقى أقل من درجة التجمد طوال فصل الصيف التالي في نصف الكرة الشمالي، وهو ما يعني شتاء نوويا بالمعنى الحرفي للكلمة.

وستظل درجات الحرارة في الصيف أقل من درجة التجمد على مدى سنوات، وستنخفض معدلات هطل الأمطار العالمية إلى النصف في العامين الثالث والرابع، ولن يعود الكوكب إلى طبيعته المناخية إلا بعد أكثر من عقد، وعندئذ يكون معظم الناس قد ماتوا بالفعل، بعد أن فقد إنتاج الغذاء العالمي أكثر من 90% من حجمه.

في هذا السيناريو من المرجح أن يبقى أقل من ربع السكان على قيد الحياة حتى نهاية العام الثاني في معظم البلدان، بعد دمار مخزونات الأسماك العالمية وانهيار طبقة الأوزون، بخاصة أن الصين ستشهد انخفاضا في السعرات الحرارية الغذائية بنسبة 97.2% وفرنسا 97.5% وروسيا 99.7% والمملكة المتحدة 99.5% والولايات المتحدة 98.9%، ومن ثم فإن الناجين من التفجيرات في هذه البلدان سيموتون جوعا في نهاية المطاف.

انقراض للبشرية؟

وتشير نتائج هذه الدراسة -حسب الكاتب- إلى أن بعض البشر قد ينجون ويعيدون إعمار الكوكب في نهاية المطاف، وأن انقراض الإنسان العاقل غير متوقع حتى عند اندلاع حرب نووية واسعة النطاق، إلا أن معظم البشر سيتعرضون لموت مؤلم جدا جراء الحروق والإشعاع والمجاعة، وستنهار الحضارة الإنسانية، وسيعيش الناجون على كوكب قاحل ومدمر.

وخلص الكاتب إلى أن هذا الفهم المشترك لعواقب الكارثة النووية هو الذي أدى إلى البيان المشترك الصادر عن الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان والرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في عام 1985 بأن “الحرب النووية لا يمكن كسبها ويجب عدم شنّها أصلا”، وهو ما أكده الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين في يناير/كانون الثاني 2022، ولا يزال صحيحا مع احتدام الحرب في أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى