أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (105): 28.3.1996 مرة أخرى… ملاحظات حول ما قاله الأستاذ عبد المالك دهامشة بخصوص انقسام الحركة الإسلامية (1-3)

حامد اغبارية

هذا الأسبوع، بثّ راديو “الناس” برنامجا حول ما اصطُلح عليه اسم “انشقاق الحركة الإسلامية” عام 1996، شارك فيه، من ضمن من شاركوا، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، المحامي الأستاذ عبد المالك دهامشة، أدلى فيه بأقوال وتفسيرات واتهامات، صريحة تارةً ومُبطّنة تارةً أخرى، كان من الضروري تسجيل ملاحظات حولها وتحديد نقاط تتعلق بأهم المحطات التي قادت في نهاية المطاف إلى ذلك الحدث الهام، الذي- دون شك- أثر تأثيرا كبيرا على مسيرة الصحوة الإسلامية في البلاد.

تضمنت افتتاحية البرنامج جملة على لسان مقدمته الزميلة شيرين يونس، وفيها أن هناك من همس لها بأن هذه مسألة حساسة يجب أن يطويها التاريخ. وبغض النظر عن الشخص أو الجهة التي قدمت هذه “النصيحة”، فإن حدثا ضخما كهذا هو من أهم صفحات تاريخ الصحوة الإسلامية في البلاد خاصة وتاريخ الداخل الفلسطيني بشكل عام، ولا يجدر بأحد- أيًّا كان- أن يسعى إلى طيّ هذا الملف المليء بالتفاصيل المعلوم بعضها والمجهول بعضها الآخر، وربما أن المجهول منها هو الأهم والأخطر، خاصة وأن ما نعيشه اليوم من أحداث فيما يتعلق بدور الصحوة الإسلامية ومسيرتها وتوجهات تيار منها والنهج الذي مضى فيه، ضاربا بعرض الحائط كلَّ شيء، إلى درجة حدوث غليان خفي (حاليا) بدأت تظهر بوادره مؤخرا داخل صفوف ذلك التيار، يحتم على كل عاقل ومسؤول أن يبين ما غمض ويوضح ما التبس، لأن من حق الناس أن يعرفوا حقيقة الأمور وخفاياها وخلفياتها ودوافعها وحقيقتها. وما كتبناه ونكتبه الآن وما سنكتبه غدا إنما هو تبيان للحق كما نفهمه وكما نعرفه بتفاصيله التي اطَّلعنا عليها أو فهمناها أو قرأناها بين السطور وفي خلفيات السلوك، حتى تعلم الأجيال حقيقة ما حدث، فلا تبقى في حيرة من أمرها، وحتى لا يبقى هذا الموضوع وكأنه سر من الأسرار النووية التي يجب ألا يطلع عليها أحد إلا من يحمل الحقيبة.

بدأ الأستاذ عبد المالك دهامشة حديثه قائلا إن الانشقاق- حسب فهمه الديني الإسلامي- هو كبيرة من الكبائر، ومن أعظم الذنوب، والذي يتحمل مسؤولية شق الحركة الإسلامية يجب أن يتوب إلى الله ويتراجع ويضع حدا لهذه الكبيرة!

فمن هو الذي يتحمل مسؤولية الانشقاق؟ بطبيعة الحال فإن الأستاذ دهامشة وإخوانه/ إخواننا في الجناح الجنوبي، يحمّلون المسؤولية للشيخين رائد صلاح وكمال خطيب. فهل هذه هي الحقيقة؟

لو أن المسألة بهذه البساطة والسطحية لما كانت النتائج والآثار بالشكل الذي شهده مجتمع الداخل، على صورة تنظيم حمل اسم “الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح غيّر الكثير من المفاهيم والمدارك وأحدث نقلة كبيرة في حياة الناس في المجتمع، ولكان الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب قد راحا في حال سبيلهما، ولبقيت الحركة على ذات النهج مع كل أبنائها. غير أن الأمر لم يكن كذلك. فقد كان هناك نهج خطير قاده الشيخ عبدالله نمر درويش رحمه الله، ومعه مجموعة من قادة الحركة، وهذا النهج هو في الحقيقة الذي قاد إلى ذلك الحدث/ الانشقاق/الانقسام. وهو نهجٌ له خلفيات وفيه ملفات وأسرار أغلبها لم يظهر إلى العلن، وهي أسرار لها علاقة بقيادات سياسية وغير سياسية في المؤسسة الإسرائيلية وبجهات فلسطينية في منظمة التحرير، سيأتي يوم يرفع عنها الغطاء ليعرف مَنْ ما زال في قلبه ذرةٌ من شك أن المسألة أكبر بكثير وأخطر بكثير مما قد يخطر في باله. ولعل مما يدلّل على ذلك بعض ما ورد في تقرير عن الانشقاق نشر هذا الأسبوع في موقع (واي نت) العبري، للصحافي سمير عبدالهادي، والذي أكد فيه رئيس جهاز الشاباك السابق عامي أيالون أنه حضر لقاءات بين الشيخ عبدالله وشمعون بيرس ساهمت في النهج الجديد الذي سار فيه الشيخ عبد الله –غفر الله له- مما نرى آثاره ونتائجه الكارثية اليوم. غير أن ما قاله أيالون- فيما يبدو لي- هو نقطة في بحر من التفاصيل والأمور الكثيرة التي حيكت ونسجت.

وإذا كان هناك من يتحمل مسؤولية تلك “الكبيرة” وعليه أن يتوب إلى الله تعالى منها، ويتراجع ويضع حدا لها هو الذي نظّر للذهاب إلى الكنيست واستقتل من أجل ذلك وأوصل الصحوة الإسلامية إلى ذلك الأتون الملتهب الذي ديس فيه على ثوابت الصحوة وعلى ثوابت الأمة والشعب دون أن يرف له جفن. إذ أن نهج المشاركة في الكنيست، والذي أوصل القوم إلى المشاركة في ائتلاف لحكومة صهيونية، هو الكبيرة التي تحتاج إلى توبة نصوح وتراجع وعودة إلى الحق واعتراف بالذنب.

ولو أن كل شخص أو مجموعة أو ثلّة قررت السير في طريق مغاير أو مخالف لأنها رأت أن النهج القائم يقود إلى كارثة تُتهم بأنها منشقة ومرتكبة كبيرة، لوجدنا في تاريخنا الإسلامي الطويل الكثيرين من القادة الذين خلدهم التاريخ يعتبرون من مرتكبي الكبائر حسب نظرية الأستاذ دهامشة، لمجرد أنهم قرروا السير في طريق مختلف بعد أن رأوا ضرورة لتصحيح المسار والسعي لمصلحة الأمة. ويمكنك أن تقرأ على سبيل المثال – لا الحصر- تاريخ عماد الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي ويوسف بن تاشفين، الذين تجد في تاريخهم مواقف مشابهة (أحيانا إلى درجة التطابق) لما فعله الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب عندما تصديا لذلك النهج الخطير وغير المسبوق في تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة في فلسطين خاصة.

وأضرب مثالين اثنين لتقريب الصورة، الأول من تاريخ القائد المسلم عماد الدين الزنكي الذي ظهر في فترة كانت الأمة فيها في حالة من الضعف والتفكك والتردي والاستهداف من الصليبيين.

عندما تولى عماد الدين الزنكي ولاية الموصل رأى الأوضاع في بلاد الشام عن قرب، وأدرك المخاطر التي تحدق بها خارجيا بسبب الاحتلال الصليبي، وداخليا بسبب الصراعات بين الإمارات الشامية والتناحر والتنافر بينها، والذي وصل في أحيان كثيرة إلى حد الاقتتال وسفك الدماء. وكان أغلب هؤلاء الولاة موالين للصليبيين ممالئين لهم، مقدمين فروض الطاعة حفاظا على ملكهم، أو قل تسييجا لهذا المُلك حتى لا ينقضَّ عليه الصليبيون!!

ويْكأن الذين اختاروا “التسييج” على أنفسهم ظنًّا منهم أنهم بذلك يوفرون لأنفسهم طوق أمان، ما فتئوا – على مرّ العصور- يرددون الآية التي تقول فيهم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة:52).كذلك كانت سائر بلاد المسلمين في تلك الفترة من تفكك وضعف وصراعات، سواء في حاضرة الخلافة أو في السلطنة السلجوقية. لكن هذا الواقع لم يمنع عماد الدين من أخذ زمام الأمور والمبادرة لمواجهة هذا الواقع بدلا من الاستسلام له. وكان يمكن لعماد الدين أن يتذرع بألف سبب وسبب كي يستخذي وينكص ويتذرع بالضعف وعدم توفر الإمكانيات. لكنه لم يفعل، بل قرر التقدم لتحرير بلاد الشام من الاحتلال الصليبي. وكانت أولى خطواته أنه بنى قاعدة أو نواة صلبة قوية متينة من ثلة قليلة من المخلصين استطاع معهم تغيير واقع الأمة كلها. وما فعله عماد الدين يعتبر معجزة سياسية وعسكرية وضعت الأسس المتينة لتحرير بيت المقدس وتطهير بلاد المسلمين من الاحتلال الصليبي، ذلك الإنجاز الذي واصل وضع دعائمه ابنه نور الدين محمود زنكي، والذي تحقق على يدي الناصر صلاح الدين الأيوبي.

أما المثال الثاني فهو ما كان بين الرئيس التركي أردوغان وبين أستاذه الراحل أربكان، رحمه الله، من خلاف على التوجه والنهج، مع العلم أن الإخوة في الجنوبية يتذرعون دائما بسياسة أردوغان المنفتحة والمرنة والعقلانية!

وبحسب “نظرية” الأستاذ عبد المالك دهامشة فإن عماد الدين وأردوغان يعتبران منشقين عن جماعة المسلمين، يستحقان العقوبة، لأنهما ارتكبا كبيرة عليهما أن يتوبا منها!!

سوف أناقش في المقالين القادمين أهم النقاط التي تحدث عنها الأستاذ دهامشة، وخاصة ما يتعلق بالمؤتمر العام للحركة الإسلامية عام 1992، ثم قضية الحرام والحلال والفتاوى التي صدرت في حينه، وما الذي حدث بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995، وجلسات مجلس الشورى المتتالية، وجلسات المؤتمر العام عامي 1995 و1996، وإضافة أعضاء جدد للمؤتمر الثالث واستثناء أعضاء آخرين، وما الذي دفع الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب إلى بيان تصحيح المسار بعد أن كانا قد أعلنا التزامهما بقرار المؤتمر العام الذي أقر المشاركة في انتخابات الكنيست، وقصة “برِكة السياسة الوسخة”، وكيف يجب أن نفهمها على حقيقتها، ومن الذي أفشل جهود رأب الصدع وعطل مفاوضات إعادة اللحمة، وكيف حدث فجأة أنه قبل مرحلة وضع اللمسات الأخيرة لإعادة الوحدة عام 2013، قرر الجناح الجنوبي المشاركة في الانتخابات التي أعلن نتنياهو عن تقديم موعدها بشكل مفاجئ. (يتبع).

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى