هبة هريش عواودة من كفر كنا تناقش أطروحتها في الدكتوراة
بحثت في مسألة "التقدير الذاتي الفردي والجماعي لدى الشبان العرب"... موصية ببرامج ونشاطات تهدف لتمكين الشباب العرب من الانخراط في هموم مجتمعهم
بحثت في مسألة “التقدير الذاتي الفردي والجماعي لدى الشبان العرب”… موصية ببرامج ونشاطات تهدف لتمكين الشباب العرب من الانخراط في هموم مجتمعهم
طه اغبارية
ناقشت الباحثة هبة هريش عواودة من بلدة كفركنا، يوم الجمعة الفائت، أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراة وكان عنوانها “التقدير الذاتي الجماعي لدى الشباب العرب في البلاد منخفض ومنظومته القيمية مرتبكة”.
وأعدّت عواودة أطروحة الدكتوراة ضمن برنامج أكاديمي تعاوني ما بين جامعة “بار ايلان” في تل أبيب وجامعة ميدلسكس البريطانية. هذا وجرت المناقشة من قبل لجنة أكاديمية من بريطانيا.
وتعمل د. هبة هريش عواودة مستشارة تربوية في المدرسة الثانوية- كَفر كنا، وحصلت على اللقب الأول في العلوم السياسية من الجامعة العبرية في القدس، واللقب الثاني في الاستشارة التربوية من خلال بعثة لجامعة “ديربي” البريطانية في حيفا، إلى جانب ذلك تدرس في الوقت الحالي موضوع “العلاج الإدراكي السلوكي”. ود. عواودة متأهلة من الدكتور يوسف عواودة رئيس مجلس محلي كفر كنا السابق والقائم بأعمال رئيس المجلس حاليا وقد رزقهما الله بأربعة من الذكور.
استلهام موضوعة الأطروحة
في مقابلة مع صحيفة “المدينة”، قالت د. هبة إنها استلهمت موضوعة الأطروحة من خلال عملها في الاستشارة التربوية في ثانوية كفر كنا (عدد الطلاب نحو 800 طالب وطالبة) واطلاعها بشكل عام على وضع الشبان والشابات في المجتمع العربي والتراجع الحاد في السلوكيات عبر ممارسات تفتقر للقيم ما انعكس بأشكال متعددة من الانحدار الخّلقي القيمي وأدى لبروز مظاهر العنف المختلفة واستفحالها في السنوات الأخيرة.
وأضافت أن مجمل هذه المستجدات السلبية لدى شريحة الطلاب والطالبات والشبان والشابات في المجتمع العربي بالداخل الفلسطيني، دعتها- وبالتزامن مع دراستها العليا للقب الثالث في جامعة بار إيلان- إلى تقديم مقترح للرسالة ضمن مادة “علم النفس التدريبي” في سياق قراءة هذه المتغيرات ومحاولة الوقوف على الأسباب الذاتية الداعية لهذه النمطية في سلوك الشبان والشابات العرب، وتضمين ذلك بطبيعة الحال للأسباب والعوامل الخارجية المرتبطة بسياسات المؤسسة الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب في هذه البلاد.
منطلقات وفرضية الأطروحة
بنت د. هبة هريش عواودة رسالتها للدكتوراة على سؤالين جوهريين حول “التقدير الذاتي الفردي والتقدير الذاتي الجماعي” وافترضت بداية وجود تقدير ذاتي فردي منخفض وتقدير ذاتي جماعي منخفض لدى فئة الطلاب والطالبات، بمعنى كيف يقيم الطالب نفسه من حيث تقديره لذاته (رضاه عن ذاته) وتقديره لمجتمعه وجماعته في البعد القومي أو الأيديولوجي.
وفصّلت بالقول “في مسألة التقدير الذاتي الجماعي نحن نتحدث عن شعور بالدونية وحالة من الاغتراب والنفور من المجموعة (العرب-العروبة) التي ينتمي إليها الشاب أو الفتاة، وربما هذا الشعور كان سببا مهما في ظاهرة الفردانية التي تجتاح المجتمع مع ارتباط ذلك بكل تأكيد بالسياسات العنصرية الإسرائيلية تجاه مجتمعنا العربي، فالدولة لا توجد عندها مشكلة ان تكون كعربي مديرا لمستشفى، ولكن مشكلتها تبدأ مع العربي عندما ينخرط في هموم مجتمعه”.
الشعور بالنفور من المجموعة
منهجيًا وفي إطار بناء الرسالة (الأطروحة) انطلاقا من فرضية “التقدير الذاتي الفردي المنخفض والتقدير الذاتي الجماعي المنخفض”، ركّزت د. هبة عواودة استقراءاتها من خلال المدرسة التي تعمل فيها ويبلغ عدد طلابها نحو 800 طالب وطالبة، فأخذت عيّنة كبيرة من 400 طالب وطالبة وبدأت مرحلة البحث على مرحلتين، كمية ونوعية، واعتمدت في البحث الكمي على استبيان أجرته ضمن العينة الكبيرة توجّهت فيه بالعديد من الأسئلة للمجموعة المستهدفة. وقالت إن النتائج في مسألة التقدير الذاتي الفردي لم تكن متوقعة وفقا لفرضية البحث، إذ كانت مشاعر التقدير الذاتي الفردي لدى المجموعة مرتفعة في معظمها! وقد فسّرت ذلك بأن الشخص في تقريره العام عن تقديره لذاته يميل في العادة إلى عدم جلد الذات ويحاول إظهار الجوانب الإيجابية في شخصيته متجاوزا السلبيات. بينما تناسقت نتائج البحث الكمي مع الفرضية وبيّن تحليل المعطيات أن التقدير الذاتي الجماعي (مشاعر الفرد تجاه مجموعته مجتمعه العربي) منخفضة.
في المرحلة الثانية (البحث النوعي) اختارت عواودة عيّنة عشوائية من 10 طلاب (5 طلاب و5 طالبات) بهدف تكثيف الدراسة والقراءة المعمقة للنتائج التي حصلت عليها في البحث الكمي.
اعتمد البحث النوعي على المقابلات الشخصية وفحص التقدير الذاتي الفردي والتقدير الذاتي الجماعي لدى الفئة المستهدفة بصورة مباشرة وغير مباشرة، وكان البحث النوعي عبارة عن دورة تدريبية من عدة لقاءات للطلاب والطالبات معا وانقسم البحث إلى 3 مراحل: مقابلة فردية، دورة تدريبية للجميع، ومقابلة فردية بعد الدورة التدريبية.
وانتهجت د. هبة هريش عواودة خلال الدورة التدريبية على ما يسمى “التدريب بواسطة القيم”.
النتائج والتوصيات
تقول د. هبة إن البحث النوعي مكّنها من فهم أعمق لموضوع التقدير الذاتي الفردي والجماعي، مشيرة إلى أن التقدير الذاتي الفردي والذي كان مرتفعا ضمن الاستبيان في البحث الكمي كان يشكل حالة للدفاع عن النفس من قبل الطلاب، كما اتضح أن هناك التباس كبير في مسألة القيم وبلبلة بين المهارات والقيم، وقالت ضمن مرحلة الاستنتاج: “نربي أبناءنا على القيم بطريقة خاطئة وكأنها مادة جافة. علينا أن نشعر بالقيم ونذوتها ونتصرف وفقها. فهي موجّهات سلوكية. مثلا “الحب” قيمة، ولكن المهم هو السلوك الذي ينتج عن الحب”.
وفي النتائج أيضا، أضافت “هناك شعور مقلق فيما يخص التقدير الذاتي الجماعي عند الشبان والشابات، وهو إلى حد بعيد شعور بالدونية من “عروبتهم”، كأن يقول أحدهم “ليتني لم اولد عربيا! “. لذلك ركزت الحديث مع الطلاب خلال الدورة التدريبية على مسائل تعزز الشعور بالانتماء الجماعي والانتماء للعروبة والإسلام من خلال الحديث عن قيم التضامن والتكافل الاجتماعي عندنا والفروقات الهائلة بيننا وبين الآخرين في هذه القيمة، كذلك تطرقنا إلى ظاهرة سلبية هي “التنمر” وكيف أنها عند المجتمعات الأخرى (الغربية، اليهودية) بشعة للغاية ولا يمكن مقارنتها بـ “التنمر” في مجتمعنا العربي.
وفي سؤالها عن “تناقض ما” بين نتائج البحث وبين ما نراه من حراكات شبابية فاعلة في المجتمع العربي، قال عواودة “لا شك ان هذه الظاهرة محمودة ورائعة وهي تشكل نافذة أمل، ولكن علينا الاطلاع بشكل علمي على نسبة الشباب المنخرطين في قضايا مجتمعهم وكم يشكّلون من المجموع العام لهذه الشريحة الجيلية، وفق نتائج البحث، اعتقد أن نسبة قليلة من الشبان منخرطة بالفعل في الهموم العامة لشعبنا ومجتمعنا وهذا يعود إلى التقدير الذاتي الجماعي المنخفض والميل إلى الفردانية والانخراط في الهموم والإنجازات الشخصية”.
وأوصت د. هبة بحسب نتائج أطروحتها: “علينا أن نبث في أبنائنا تقديرهم لذاتهم ثم تقدير المجموعة”. وأوصت بـ “هناك حاجة ماسة لوجود وبناء برامج تدخل للشباب تستهدف رفع تقديرهم الذاتي الفردي والجماعي، التدريب بواسطة القيم يمكن أن يكون وسيلة ناجعة جدا لتحسين الشعور بالتقدير الذاتي الفردي والتقدير الذاتي الجماعي. البحث بيّن وجود نقص كبير بوعي طلابنا اتجاه قضية القيم ونقص في مسألة الشعور ومصطلحات مثل التقدير الذاتي والتقدير الذاتي الجماعي. هناك حاجة لأبحاث قادمة لاستقطاب الاهل والمعلمين والطلاب فالتغيير بحاجة الى اكتمال اضلاع المثلث: الطالب الاهل والمعلم”.
دور الزوج والأهل
استغرقت الدراسة للقب الثالث 6 سنوات بين دوام وانقطاع بسبب المشاغل وتربية الأولاد، تقول د. هبة. وتطرقت إلى دور زوجها الدكتور يوسف عواودة قائلة “الحمد لله رب العالمين، كان نعم المعاون في كل شيء. خلال دوامي في جامعة بار إيلان كان هو من يقلني إلى الدراسة ويبقى معي حتى انتهاء برنامجي، ناهيك عن الدعم المعنوي الذي لقيته منه خاصة فيما يتعلق إتقاني للغة الإنجليزية، لغة الأطروحة”.
ونوّهت إلى تضمينها للأطروحة- بحسب طلب الجامعة-“رؤيتها الذاتية في الحياة” مؤكدة “تحدثت عن كوني مسلمة مؤمنة مأمورة بالتغيير والتفكر والبحث. وهذا أسعدني في الحقيقة لأن البحث يمثلني على الصعيد الذاتي وليس بحثا مجردا عن انتمائي وأيديولوجيتي”.
في نهاية لقائها مع “المدينة”، توجهت د. هبة هريش عواودة بالشكر “إلى الله تعالى أولا وآخرا، والشكر لزوجي وقبله إلى والدتي ووالدتي، الذين ساهموا بتكويني وتمكيني منذ الطفولة، حتى وصلت إلى هذه المرحلة. لذلك أؤمن أن أعظم لقب ممكن أن تحصل عليه أي أم أو زوجة هو لقب المربية الفاضلة لأن ذلك المنطلق الأساس لتكوين أبنائنا وتمكينهم الذاتي والمجتمعي”.