أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرالضفة وغزةومضات

الحكاية الشعبية لعبت دورا في نحت الهوية الفلسطينية

موطني 48

للحكاية الشعبية في فلسطين قيمة تراثية وتشكل رمزا للهوية الثقافية والوطنية. فقد ساعدت العادات والتقاليد والميثولوجيا في صناعة الحكايات الشعبية والتراثية الفلسطينية الأولى، وصبغتها بألوانٍ مستقاة من طبيعة الأماكن التي نشأت فيها.

فهي حكايات بألوان مظلمة، جبلية، مأخوذة من التراب والأرض والفِلاحة، من عالم المشقة، وأبطالها إما أبناء للموت أو للأسطورة التي تخلدهم بعد انتصارهم على الغيلان والوحوش.

والواقع أن تراث الحكاية الفلسطينية بقي شفهيا لفترة طويلة إلى أن صدر كتاب نمر سرحان “الحكاية الشعبية الفلسطينية”، ضمن سلسلة “كتب فلسطينية” الصادرة عن “مركز الأبحاث الفلسطيني”، ونشر فيه الحكايات الشفوية الفلسطينية، والقصص التي ترويها الجدات والأمهات والعمات والخالات. ودائما ما تكون المرأة هي من يروي هذه الحكايات للأحفاد وللأبناء.

ويعتقد الباحث سرحان أن نشأة هذه الحكايات كانت على أيدي رواة متأدبين لهم مكانتهم في المجتمع، ثم تم إهمالها من قبل هذه الطبقة لتستقر بين أيدي الطبقة الشعبية ويجري تداولها بينهم مع إضافة وحذف وتعديل وخيال جديد بقصد التعلم، ما غير من شكل الحكاية عبر الزمن.

يستهل نمر سرحان مؤلفه بالإشارة إلى اهتمامه بجمع الحكاية الشعبية الفلسطينية منذ عام 1966، حيث كانت نصوصا متفرقة دونها كما وردت على لسان رواتها من منطقة رام الله بالتحديد، وكما هي كل الأشياء التي لا تكتب فتنسى، زاد اهتمامه بتوثيق هذه المرويات الشعبية عاما بعد عام لما لها من أهمية اجتماعية وتاريخية وسياسية في بعض الأحيان.

ورسمت في أذهان الأطفال الفلسطينيين صورة “الغول” الذي يظهر من الجبال ومن الكهوف والمغارات.. ضخم الجثة، كثيف الشعر، أسنانه بارزة وحادة، يأكل فقط الأطفال المشاغبين الذين لا ينامون باكرا ولا يشربون الحليب ولا يحترمون الكبار، يأكلهم ويبقون في بطنه إلى الأبد.

و”الغول” رمز لشخصية مخيفة وقاسية في فلسطين استخدم كثيرا في القصص الخيالية التي سمعها الأطفال من جداتهم. هو يجسد من خلال القصة شخصية متسلطة مرعبة وقوية تحاول أن تخطف الأطفال وتسرق حاجياتهم. من جهتها، تقدم الحكواتية الفلسطينية فداء عطايا مفهوما مختلفا لـ “الغول” بوصفه كائنا مخيفا “يمثل الاحتلال الإسرائيلي في معظم القصص التي سمعنا بها عنه”.

ويعتقد أن جذور حكاية “الغول” تعود إلى عصر الجاهلية الذي اخترع هذا الكائن الخيالي، فصوره على أنه مخلوق بقوى غيبية، عيونه حمر متوهجة، صوته كصوت الكلب حين يهم بالهجوم، كائن ضخم أظافره طويلة وقذرة، كائن ليلي يتوارى في النهار.

ولكنه رغم القذارة والتخفي قادر على فعل أي شيء، وطبعا هو نوع من أنواع الجن والشياطين حيث تختلط بعضها ببعض في الحكايات. وإلى جانب “الغول” يقف “أبو رجل مسلوخة” وهو امتداد مشوه لـ “الغول”، بتحويرات لا تخلو من شيطنة وصفية، فهو “غول” نصفه الأعلى إنسان ونصفه الأسفل حمار، بفخذين مسلوخين حمراوين، وله ذيل طويل.

ونتيجة لعدم توثيق هذه الحكايات فقد استعانت الحكايات الشعبية بالعديد من الشخصيات الخيالية الخارقة في تفاصيلها، ومعظم الحكائيين كانوا لا يميزون بين أحد منها في رواية الحكاية بل كان وجود هذه الشخصية ضرورة للقيام بفعل خارق للطبيعة البشرية، الذي يؤدي بالنهاية إلى تحقيق الهدف المرجو من الحكاية.

وتتفاوت هذه الشخصيات الخيالية من حيث خيرها وشرها بين حكاية وأخرى، وهي عادة ما توجد في البراري والغابات وقرب المياه الراكدة والأماكن الخالية من البشر.

ومن الكتب المتميزة في هذا الموضوع كتاب “قول يا طير: نصوص ودراسة في الحكاية الشعبية الفلسطينية” تأليف شريف كناعنة وإبراهيم مهوي، الذي يضم 45 حكاية روى معظمها نساء في جميع أنحاء فلسطين، وكتبت باللهجة الدارجة لكل منطقة.

الحكاية الشعبية هي بشكل مختصر “رواية نسوية” بالأساس من المرأة إلى أطفالها، وفيها تعبر عن آلامها وآمالها ورسائلها، وهي تستخدمها للتفريغ ترويحا عن النفس والترفيه لها ولسامعيها وللتربية ولغرس بعض القيم الاجتماعية الحميدة عبر الحكايات الخيالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى