أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودوليمنوعات

مترجم: لماذا تبدو إحصائيات فعالية لقاحات كورونا غير مطمئنة بشكل كافٍ؟

نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي تقريرًا أعدَّته سورانا فرودا، أستاذ مشارك في قسم الرياضيات بجامعة كيبيك في مونتريال، وفابريس لاريبي، أستاذ الإحصاء في قسم الرياضيات بجامعة كيبيك في مونتريال، تناولا فيه ما الذي تعنيه إحصائيات وحسابات فعالية لقاحات كورونا، وشرَحَا مصطلح فعالية اللقاحات.

 

ما الرابط بين الإحصائيات ومدى فعالية اللقاحات؟

في مستهل تقريرهما، يُشير الكاتبان إلى أن جائحة كوفيد-19 نبَّهت الرأي العام إلى مصطلح فعالية اللقاح. لكن ما دلالات أرقام مدى فعالية اللقاحات المضادة؟ على سبيل المثال، وللوهلة الأولى قد تفهم من أن نسبة فعالية أحد اللقاحات تساوي 70% أن هذا اللقاح لا يوفر الحماية لحوالي 30% من حالات الإصابة، وقد يُصيبهم المرض. لكن هذا لا يُمكن أن يحدث، إذ يبدو جليًّا أن 30% من الأشخاص الذين يتلقون اللقاح لا يُصابون بالمرض. ويبدو أن هذه النسبة تُشيع الَّلبس والبلبلة.

يقول الكاتبان إنه بصفتَينا أُستاذين متخصصين في الإحصاء، ويُمكننا شرح المفاهيم التقنية لغير المتخصصين، رأينا أن نُلقي الضوء على هذه النسب والأرقام. وترتبط الفكرة التي نريد توضيحها بالتجارب العشوائية المنضبطة (RCT)، مثل تجارب المرحلة الثالثة التي أُجريت على لقاحات مودرنا وفايزر، وبيونتيك وأسترازينيكا.

ويُوضح التقرير أن التجارب العشوائية المنضبطة تلي عادةً دراسة التعرض، ويطلق عليها أيضًا دراسة الأتراب (دراسة مراقبة تتضمن مجموعتين كبيرتين إحداهما معرضة لعوامل خطورة والأخرى غير معرضة لعوامل الخطورة)، وهما متشابهتان في الطرق ذات الصلة (على سبيل المثال، في التوزيع العمري والانتماء العِرقي). وفي هذه الدراسة، تُحقن إحدى المجموعات بلقاح حقيقي جديد، بينما تُحقن المجموعة الأخرى بلقاح وهمي ليس له أي تأثير في المناعة.

وفي هذه التجارب، يُوزِّع المشاركون عشوائيًّا على المجموعتين للحصول إما على اللقاح الحقيقي وإما الوهمي (لهذا السبب، يُطلق عليها تجربة عشوائية)، لكنهم لا يحصلون على اللقاحات في اليوم نفسه. وفي مواعيد محددة بعد الانتهاء من التطعيم بالجرعة الأولى، يحصل المشاركون في التجربة على الجرعة الثانية. وأثناء المتابعة، يُحصى عدد الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالمرض، كما يُحصى عدد الحالات التي احتاجت الدخول إلى المستشفى أو عدد الذين تُوفوا بسبب الإصابة بالمرض، بالإضافة إلى إجراء موازنة بين المجموعتين.

 

فعالية اللقاحات: مقياس نسبي

يلفت التقرير إلى أنه من أجل الوصول إلى جوهر فعالية اللقاح، يستخدم الكاتبان قيمًا افتراضية بسيطة، وهذا يجعل الإحصائيات والأرقام دقيقة بينما تظل على مقربة من التي رُصدت في التجارب. ويُمكن افتراض أن هناك دراستين عن اللقاحات، لقاح (أ) ولقاح (ب)، وتتضمن كل دراسة مجموعتين (محصنتين باللقاح وغير محصنتين) ويشارك في كل منهما 10 آلاف شخص.

وبعد مرور عشرين يومًا من الحقن باللقاح، نُحصي عدد الذين ثبتت إصابتهم بالمرض ونُسجل مدى فعالية اللقاح كالآتي: نسبة فعالية اللقاح (أ) تساوي 60%، بينما كانت نسبة فعالية اللقاح (ب) تساوي 80%. كيف حُسبت هذه القيم؟ وماذا تعني؟ يكمن مفتاح الحل في الموازنة بين عدد المحصنين باللقاح وغير المحصنين.

وللتوضيح، يفترض التقرير أنه خلال وقت إجراء الدراسة، رُصدت حالة إصابة واحدة يوميًّا من بين 10 آلاف شخص من عامة السكان. وبِناءً عليه، إذا كان لدينا متوسط إصابة واحدة يوميًّا في مجموعة مكونة من 10 آلاف شخص غير محصنين باللقاح، فإنه وبعد مرور 20 يومًا تكون المحصلة لدينا من المصابين بالمرض 20 شخصًا من مجموع غير المحصنين باللقاح. فماذا عن المحصنين باللقاح؟

ويتابع التقرير أنه إذا افترضنا وجود ثمانية أشخاص مصابين بالمرض في الدراسة (أ) وأربعة أشخاص مصابين بالمرض في الدراسة (ب). ومن خلال إجراء موازنة مع مجموعات اللقاح الوهمي والتي يُوجد فيها 20 مصابًا بالمرض، يُمكننا أن نلاحظ أن اللقاح قلَّل عدد الأشخاص المصابين بنسبة 12% في الدراسة (أ) وبنسبة 16% في الدراسة (ب).

تاريخ الإصابة خلال 20 يومًا، لقاحان حقيقيَّان وآخر وهمي: تُوضح كل خطوة عدد الحالات الجديدة في يوم محدد. الافتراضات: حالة واحدة يوميًّا لكل 10 آلاف شخص، فعالية اللقاح (أ) = 60% فعالية اللقاح (ب) = 80%.

 

وعلى هذا الأساس، يكون التأثير الوقائي هو النسبة المحسوبة من فعالية اللقاح على النحو التالي:

وتُوضح الصيغة الرياضية أعلاه حقيقة أن فعالية اللقاح تُحدد معدل الانخفاض في خطر الإصابة بالمرض عند الموازنة بين شخص محصَّن باللقاح وآخر غير محصَّن، وليس خطر العدوى نفسها. وفي المثال الرقمي الذي ضربناه، نجد أن خطر الإصابة بالمرض وصلت نسبته من دون وجود لقاح إلى إصابة واحدة بالمرض يوميًّا من بين ما مجموعه 10 آلاف شخص. فإذا كانت فعالية اللقاح تساوي 80%، ينخفض معدل خطر الإصابة بالمرض بنسبة 80%: أي تنخفض نسبة الإصابة بالمرض مع التطعيم بهذا اللقاح بنسبة الخُمس (أو 100-80 = 20%) أكثر من الإصابة بالمرض في حالة عدم التطعيم باللقاح. ولذلك، فإن خطر الإصابة بالمرض في حالة التطعيم باللقاح تصل نسبتها إلى إصابة واحدة يوميًّا من بين ما مجموعه 50 ألف شخص.

ويُجيب التقرير عن سؤال ماذا لو كان مدى فعالية اللقاح يساوي صفرًا في المئة؟ موضحًا أن: هذا يعني أن التطعيم باللقاح يُعرض الناس للإصابة بالمرض بالقدر نفسه إذا لم يحصلوا على اللقاح. أما إذا كانت فعالية اللقاح تساوي 100%؟ فهذا يعني أنه لن يُوجد مصابون بين المحصنين باللقاح. وخلاصة القول، لا تشير فعالية اللقاح إلى نسبة مئوية للمجموعة ولا إلى نسبة مئوية للسكان، ولا تعني فعالية اللقاح سوى النسبة المئوية لأعداد المصابين المحتملين المحصَّنين باللقاح. ويؤدي تحديد الوقت أيضًا دورًا محوريًّا.

العدد المتوقع للمصابين بالمرض بعد 10 أيام: معدل الإصابة 10 مصابين يوميًّا من كل مئة ألف شخص، فعالية اللقاح = 80%.

هل يمكننا إجراء موازنة بين إستراتيجيات أو سياسات التطعيم باللقاحات؟

ألمح التقرير إلى ظهور مسألة أخرى في الأخبار الخاصة باللقاحات المضادة لمرض كوفيد-19، وهي سياسات التطعيم. ويقترح الكاتبان إجراء موازنة بين إستراتيجيتين للتطعيم باللقاحات، إستراتيجية التأجيل أو عدم توزيع جرعة ثانية من اللقاح في إطار زمني مدته 40 يومًا. مع افتراض الآتي:

 

معدل الإصابة بالمرض في حالة عدم التطعيم باللقاح: إصابة واحدة من كل 10 آلاف شخص.

فعالية اللقاح (1) = 60%: الفعالية بعد الجرعة الأولى.

فعالية اللقاح (2) = 80%: الفعالية بعد الجرعة الثانية.

إعطاء اللقاح لمجموعة مكونة من 20 ألف شخص مُقسَّمين إلى مجموعتين نطلق عليهما إتش1، وإتش2.

صحيحٌ أن اللقاحات المضادة لمرض كوفيد-19 ليس لها تأثير تحصين فوري لأنها تستغرق تقريبًا 14 يومًا للحصول على نتيجة ملموسة، لكن للتوضيح، سنفترض أنه لا يوجد بطء في فعالية التحصين. وفي السيناريو الأول، نعطي اللقاح للمجموعة إتش 1 فقط، الجرعة الأولى في اليوم الأول، ونعطيهم الجرعة الثانية في اليوم الحادي والعشرين. وفي السيناريو الثاني، نمنح اللقاح لكلا المجموعتين إتش1 وإتش2 ولكننا سنعطيهم جرعة واحدة فحسب.

ما السيناريو الفائز؟ وما السيناريو الذي ينتهي به المطاف بعدد أقل من المصابين بعد مرور 40 يومًا؟ الإجابة موضَّحة في الرسوم البيانية أدناه:

يُوضح التقرير أن عدد حالات الإصابة في السيناريو الأول كانت أكثر بنسبة 18%، لكن ما السبب في ذلك؟ وجدنا في هذا السيناريو، حتى إذا حصل الأشخاص في المجموعة إتش1 على جرعتين كاملتين من اللقاح، فإن الأشخاص في المجموعة إتش2 يحافظون على الإصابة بالمرض بمعدلات غير منخفضة لأنهم لا يحصلون أي لقاح. ولهذا، يدل هذا المثال المبسط على أن تأجيل الجرعة الثانية ومواصلة التطعيم بجرعة واحدة لبعض الوقت قد يكون مجديًا.

بيد أنه في التطبيق العملي، توجد اعتبارات كثيرة خطيرة، مثل ضغط حالات الإصابة وشدتها، ومعدل الوفيات، أو معوقات إعطاء اللقاح. وفي الواقع، إذا كان الأشخاص في المجموعة إتش1 أكثر عرضة للأنواع الأكثر حدة من المرض، خلال العشرين يومًا الماضية، فإن عدد هذه الحالات الخطرة في السيناريو الثاني تتضاعف بالموازنة مع السيناريو الأول. وبذلك، لن نحصل على فائز واضح، نظرًا إلى أن السيناريو الثاني قد يتضمن حالات أكثر خطورة، بينما تكون حالات الإصابة في السيناريو الأول أكثر عددًا. وتوضح هذه الرسوم التوضيحية الرقمية (أعلاه) أن التحدي يتمثل في التوصل إلى إستراتيجيات أفضل للتطعيم باللقاح.

 

عدد حالات الإصابة بالمرض يوميًّا: كثيرة أم قليلة؟

وينتقل التقرير إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية، متسائلًا لماذا ننزعج إذا كان معدل الإصابة حالة واحدة يوميًّا من بين 10 آلاف شخص؟ خاصة أن هذا المعدل يبدو منخفضًا. في الواقع، يُعد هذا المعدل مرتفعًا بموجب معايير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

ويمكنك التأكد من ذلك: في دولة مثل كندا، يبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، يمكن أن يصل عدد حالات الإصابة إلى 26600 حالة جديدة أسبوعيًّا، أي 10 أضعاف أكثر من حالات الإصابة التي شهدتها كندا في بداية يوليو (تموز) 2021. وفي صيف عام 2020، في مجموعات اللقاح الوهمي لدراسات التجارب العشوائية المنضبطة، كان معدل الإصابة يتراوح تقريبًا بين حالتين وأربع حالات يوميًّا من كل 10 آلاف شخص.

 

في الختام: ماذا عن فعالية لقاحات كورونا بنسبة 50%؟

ويُشير التقرير إلى أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية حددت في يونيو (حزيران) 2020 النسبة الأدنى المقبولة لفعالية اللقاح بمعدل 50% فأكثر. وإلى حد كبير، تجاوزت بعض اللقاحات المضادة لمرض كوفيد-19 هذا الحد، إذ أفادت بعض التقارير أن بعض اللقاحات تصل فعاليتها إلى 95% أو 94,1% بعد تلقي جرعتين.

ومع ذلك، يظل اللقاح الفعَّال بنسبة 50% جدير بالاحترام والتقدير؛ إذ يُمكنه الحد من خطر الإصابة بالعدوى أو الحاجة إلى الدخول إلى المستشفى إلى النصف. بل ويمكن لهذا اللقاح نفسه، في الواقع، أن يُوفر فاعليات متفاوتة، اعتمادًا على الظروف؛ إذ أثبت لقاح أسترازينيكا فعالية بنسبة 100% في حالات الإصابة الشديدة والحالات التي تطلب دخولها إلى المستشفى.

هناك تحليلات أكثر تعقيدًا بشأن الدراسات الميدانية المستمرة التي تشمل الفكرة المرتبطة بفعالية اللقاح. وسنتطرق إلى هذه الأمور في مقال جديد لم يُنشر بعد، لكن هذا فصل آخر في قصة اللقاح، بحسب ما يختم الكاتبان تقريرهما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى