أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

قراءة مغايرة لما وراء قرار ترامب

حامد اغبارية

لا شك أن الغضبة الشعبية، فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة، هي تعبير عن الموقف الرافض لأي مسّ بثوابت الأمة، وعلى رأسها إسلامية وعروبة وفلسطينية القدس المحتلة، وفي القلب منها درة التاج؛ المسجد الأقصى المبارك.

فما الذي تغير عقب قرار ترامب ذاك؟  وهل تغير وضع مدينة القدس على أرض الواقع؟

نحاول هنا أن نقرأ الحدث بصورة مغايرة، ونحن نستقرئ تداعياته وآثاره، خاصة تلك الآثار بعيدة المدى.

إن أول ما يجب أن يلفت الانتباه، وما يجب أن ننطلق منه، هو أن تحركات السياسة الأميركية، في عهد ترامب هذا، هي استمرار لسياسات رؤساء سبقوه، آمنوا إيمانا قاطعا بأن حماية الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني، هي في الحقيقة عقيدة دينية لها أسسها لدى أتباع الكنيسة الإنجيلية (المعروفين باسم الصليبية الصهيونية) الذين يؤمنون بحتمية قيام مملكة إسرائيل الكبرى، (من النيل إلى الفرات)، ويؤمنون أن هذه المملكة هي التي سوف تستقبل المسيح عليه السلام في آخر الزمان، وأن عودة المسيح (عليه السلام) لن تتحقق إلا إذا قامت تلك المملكة، وأن هذه المملكة لن تقوم إلا إذا بني الهيكل الثالث (المزعوم). ولقد مارس الرؤساء الأميركيون سياساتهم من هذه المنطلقات المشوّهة، منذ نشوء الولايات المتحدة الأميركية على أنقاض ودماء شعب الهنود الحمر في القارة الأميركية. وقد تصدرت تلك السياسة أجندة واشنطن بالذات من عهد الرئيس السبق رونالد ريغن (في الثمانينات)، الذي تحدث أول ما تحدث عن معركة (هرمجدون) الحاسمة بين معسكرَي النور والظلام، أو معسكري الخير والشر، وبطبيعة الحال، فإن معسكره هو معسكر النور والخير!! ثم أطلق برنامجه المعروف ببرنامج (حرب النجوم)، وكان الهدف الحقيقي من ورائه، الاستعداد لـ (هرمجدون)، التي كان ريغان يتحدث عنها وكأنها ستقع غدا.

ولقد جاء دونالد ترامب من ذات المدرسة، أو من ذات المنطلقات الدينية، فكان إعلانه الأخير تحقيقا لـ “نبوءة”، أكثر مما هو تحقيق لوعد (سياسي) قطعه على نفسه في حملته الانتخابية…

في حقيقة الأمر فإن قرار ترامب لم يغير من واقع المدينة المحتلة شيئا، بالنسبة إلينا كفلسطينيين وعرب ومسلمين، لأن القدس لا زالت محتلة، وما يقع عليها من ممارسات وجرائم من جانب حكومات المؤسسة الإسرائيلية هي ممارسات احتلالية، والسلوك السياسي للاحتلال في المدينة المقدسة هو سلوكُ مَن يشعر بأنه لا يملك فيها شيئا، على الحقيقة، وأنه يريد إثبات ملكيته (لأي شيء) بقوة السلاح والبطش والهدم والقتل والتهجير والسجن، والاستيطان والاقتلاع… إلى آخر قائمة الممارسات والجرائم. ولسوف يحاول الاحتلال استغلال قرار ترامب لتصعيد جرائمه في القدس، وبصورة خاصة في المسجد الأقصى المبارك، من خلال تسويق وَهْم ترامب، الذي هو في الحقيقة لا يساوي الحبر الذي وقع به عليه! ولعل أصغر طفل فلسطيني لا يزال يطلق منذ تلك اللحظة القذرة صيحته في وجه الاحتلال قائلا: من يكون ترامب هذا حتى يقرر مصير ومستقبل مدينتنا المحتلة؟! ومن يكون الاحتلال هذا حتى تكون مدينتنا عاصمة له؟!!

إن من آثار قرار ترامب ذاك هو أنه كان كاشفا! فقد كشف الوجه القبيح لأنظمة العار العربية، التي مارست خيانة القضية منذ 1948، من وراء حجاب، فجاء ترامب وأسقط عن وجوهها القناع الأخير، فأصبحت الخيانة والتواطؤ جهارا نهارا عيانا… بلا ذرة من حياء، وبصلافة ضربت رقما قياسيا..

وإن من آثار قرار ترامب أنه أكد من جديد، وللمرة المليون، أن قضية الصراع على فلسطين، وفي القلب منها القدس والأقصى، هي الهمُّ الأول والأخير الذي يشغل بال كل فلسطيني وعربي ومسلم فوق هذا الكوكب المختطف من عصابات الإجرام في القارات الخمس، وأنه مهما حاولت تلك العصابات أن تشغل الأمة بفتن وأزمات دامية، كما فعلت وتفعل في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر وغيرها، فإنها لن تستطيع أن تنتزع قضية الأمة من أجندتها. وقد رأينا هذا وعاينّاه أكثر من مرة، وخاصة في العقدين الأخيرين. ذلك أن الأمة تدرك بالفطرة أن مستقبلها ووجودها متعلق بمستقبل ومصير القدس والمسجد الأقصى المبارك. بل إن عصابات الإجرام التي تمارس جرائمها ضدنا، تدرك هذا الأمر إدراكا واعيا، وتمارس جرائمها على ضوئه وبناءً عليه. معنى هذا أن مصيرها، ومصير هذا الكوكب بصورته الحالية، مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير القدس والمسجد الأقصى المبارك.

وإن من آثار قرار ترامب ذاك أنه وضع سلطة رام الله بين خيارين: إما أن تتوب عن موبقاتها السياسية وتعود إلى شعبنها وأمتها، وتلغي جريمة (أوسلو) وما نتج عنها من التهابات خطيرة في جسد القضية الفلسطينية، وإما أن تواصل ذات الطريق الذي مارسته حتى الآن، وعندها لن يكون أمامها سوى خيار الرحيل، بإرادة غضبة الشعب، الذي لا يمكن أن يتحمل، بعدُ، أكثر من هذا، ذلك أنك إذا سألت أي فلسطيني، فإنه سيقول لك: أما القدس والأقصى، فهما خط أحمر بلون دمي… وليذهب كل شيء بعدهما إلى الجحيم.

   ما وراء النهر…!

يطلع علينا الجنرال احتياط (عمرام لفين) من صقور المعسكر الصهيوني، اليوم الجمعة بتصريحات من العيار الثقيل، في مقابلة مع صحيفة (معاريف) العبرية، يقول فيها إنه “في المرة القادمة التي سنحارب فيها الفلسطينيين فإنهم لن يبقوا هنا، وسندفع بهم إلى ما وراء نهر الأردن. لقد كنا طيبين أكثر من اللازم في 1967”.

هذا كلام خطير جدا، يصدر عن جنرال مارس سفك دماء العبر والفلسطينيين طوال حياته العسكرية. وخطورة الكلام تكمن في أنه يصدر الآن على خلفية قرار ترامب بخصوص مدينة القدس، ما يعني أن وراء الأكمة مخاطر جمة تنتظر المدينة المقدسة، وتنتظر الشعب الفلسطيني. وتكمن كذلك في أنها ليست مجرد تعبير عن رأي شخصي، أو (فشة غل)، بل هي منطلقة من مبدأ يبدو أن ملفّ خُطّته موجود منذ زمن في أدراج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وأخشى ما أخشاه أن تمارس هذه الجريمة علينا وسط أجواء من التآمر الغربي والتواطؤ العربي. والسؤال هو ليس إذا ما كان يمكن أن يحاول الاحتلال إخراج هذا المخطط إلى جيز التنفيذ، وإنما السؤال: هل ستنجح المؤسسة الإسرائيلية في إلقائنا ما وراء نهر الأردن؟ وماذا ستكون نتيجة هذا؟ وماذا نحن فاعلون؟ ليس حينها، بل منذ الآن!!!

إن كرة الثلج تتدحرج بصورة مرعبة، وأنا لا أهوّل، ولا أبالغ، فالذي لا يرى من الغربال أعمى!!. وهذه الكرة الملتهبة، تنطلق باتجاهنا بسرعة هائلة، ولا أراها تتوقف إلا عند المحطة الأخيرة….

أما نحن، فسواء كنا أمام النهر، أم وراءه فإننا لا بد أن نوسع دائرة فهمنا للحدث، بل للأحداث المتسارعة، وننتقل بها من دائرتها الفلسطينية الضيقة، ومن دائرتها العربية المخدوعة، إلى دائرتها الأوسع؛ الدائرة الإسلامية، بكل مفاهيمها ومنطلاقاتها في التعاطي مع هذا الملف الضخم. بغير ذلك، فإننا سنواصل دفع الأثمان الباهظة، من دمائنا وحريتنا، ومستقبلنا وأرضنا وقضيتنا.

وسواء كنا أمام النهر أم وراءه، فإننا قدر الله الذي به سوف تتحقق مبشرات رسول الله صلى الله عليه وسلم. شاء عمرام لفين، وكل جنرالات جيشه، وكل جنرالات كوكب الأرض، أم أبوْا. فقدر الله لا يمكن لهؤلاء المساكين أن يردوه…

ملاحظات سريعة:

* لم نتوقع يوما، ولا نتوقع، ولن توقع، شيئا ذا قيمة من القمم العربية، أو الإسلامية. وحتى هذه اللحظة لم يتغير شيء من توقعتنا… قضيتنا شرفها الله تعالى بأنها ربانية… ولا يستحق أن يرفع عنها الظلم إلا الشرفاء الربّانيون…

* نعت ليبرمان؛ وزير “الأمن” الإسرائيلي أعضاء الكنيست العرب بأنهم مجرمو حرب، وأنهم قريبا سيُقذف بهم خارج الكنيست، وأن وجودهم فيه غلطة!…. مساكين أعضاء الكنيست العرب!! فهم بالكاد يعرفون من أي ثقب في المسدس أو البندقية تنطلق الرصاصة! أقول هذا بغض النظر عن الموقف من وجودهم في تلك المؤسسة الصهيونية أصلا!! مجرمو الحرب يعرفهم ليبرمان جيدا… فرائحة إجرامهم تزكم الأنوف… وتملأ فضاء الوطن…

* منذ خروج الغضبة الشعبية على قرار ترامب، لم يتوقف الإعلام العبري عن التحريض على مدينة أم الفحم. فهي تشغل باله وبال السياسة الإسرائيلية بصورة جدية وتقض مضجعه. وقد بلغ هذا التحريض درجة أن ذاك الإعلام الموجّه، راح يربط اسم المدينة بكل حدث تقريبا، حتى لو وقع على مسافة كيلومترات منها، كما حدث في أحداث عرعرة، على سبيل المثال. فذاك الإعلام البغيض، يعرف أن عرعرة تبعد نحو عشرة كيلومترات عن أم الفحم، ولكنه (اختار) أن يجعل وقوع الحدث قرب أم الفحم!! وغدا سيخرجون علينا بتقسيمة جديدة للمنطقة: شمال أم الفحم (حتى لو كان الحديث عن رأس الناقورة..) جنوب أم الفحم، (حتى لو كان الحديث عن رهط)… شوكة هذه المدينة في حلوقهم…!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى