أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

هل كانت القائمة المشتركة تجربة فريدة أم مولودًا معاقًا؟!

الشيخ كمال خطيب
قبل سنة بالتمام وتحديدًا يوم 13/3/2020، وبعد عشرة أيام من انتخابات 2/3/2020 والتي أدخلت فيها القائمة المشتركة خمسة عشرة عضوًا إلى الكنيست الصهيوني وحيث مظاهر النشوة والهيصة التي عاشها هؤلاء ومشجعوهم، فقد كتبت يومها تحت عنوان “تجربة فريدة أم مولود معاق”. وها أنا ذا أعيد كتابة هذه الفقرة اليوم وقبل أربعة أيام من انتخابات 2021، وبعد إذ تفككت المشتركة والموحدة وتدور بينهم الملاسنات والتراشق والتخوين والتكفير:
“طالما سمعنا وما نزال نسمع من يفاخر بأن القائمة المشتركة هي تجربة فريدة ورائدة، ويتمنى لو أن كل العرب وكل المسلمين والفلسطينيين يتعلمون من هذه التجربة لأنها الأولى فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا!!! وأنها استطاعت أن تذيب الفوارق بين الإسلامي والشيوعي وبين العلماني والمتدين وبين المسلم والمسيحي، في ديباجة أقرب أن تكون إلى الخيال والوهم.
مع الأسف فإنه وخلال نشوة الحديث فإن هؤلاء يريدون أن يغيّبوا عن شعبنا حقيقة أن هذا “المولود” – القائمة المشتركة في الكنيست الصهيوني – قد رضع حتى الفطام من أموال أمريكية كانت دنسًا ورجسًا وشبهة حتى فترة قريبة، فإذا بها تصبح حلالًا زلالًا، لا بل إنني ما زلت أسأل وأتساءل عن أهداف وخلفية ليس فقط زيارات البعض من قيادات الجبهة والحزب الشيوعي لأمريكا والالتقاء بقيادات من اليهود الأمريكيين في الكونغرس، لا بل إنهم من غير الحزب والجبهة الذين ذهبوا إلى أمريكا وقضوا أسابيع فيها قبيل الانتخابات بقليل، ورجعوا دون أن يذكروا أو ينشروا ماذا فعلوا هناك وهم نشطاء بارزون، ولعلّ نشاطهم هذا قد يقفز بهم إلى مواقع قيادية في أحزابهم وحركاتهم!!! والحديث هنا عن نشطاء إسلاميين في القائمة الموحدة.
ولي أن أتساءل عن حقيقة الوحدة بين ومع من يسخر من الحجاب ولم يعتذر من المحجبات من بناتنا وأخواتنا من بنات شعبنا، بل إنه بأصواتهن ومع الأسف وصل إلى الكنيست الصهيوني إنه أيمن عودة، ولا مع الذين تقدموا بمشروع تجريم ومنع الزواج من اثنتين كما يبيح الشرع، ومن صرّحت أنها ستعلن الحرب على هذا الفعل في النقب من خلال عملها في رئاسة لجنة المرأة في الكنيست – المقصود طبعًا هي السيدة عايدة توما سليمان. ولا مع الذين تقدموا ودعموا مشروع إباحة الشذوذ الجنسي وزواج الرجال من بعضهم، والنساء من بعضهن.
نعم إنهم اعتبروا الزواج من زوجتين جريمة، والزواج بين رجلين حرية شخصية، وهؤلاء هم من مركبات المشتركة “النموذج الفريدة والمفخرة الوطنية”. الذين دعموا وبادروا لتشريع قوانين لنزع الصلاحيات من المحاكم الشرعية الإسلامية والسماح للمرأة المسلمة التقاضي أمام المحاكم المدنية وليس الشرعية فيما يتعلق بقضايا الأسرة فأي تجربة فريدة ورائدة هذه”.
إن هيصة ونشوة فوزهم مجتمعين الجبهة، التجمع، العربية للتغيير، إسلامية الكنيست جعلت الرعاع من أنصارهم يقومون بحملة إعلامية كاسحة ضد من قاطعوا الانتخابات، وتحديدًا ضد أبناء المشروع الإسلامي وقد وصلت إلى حد أن يقول أحدهم “أنه يتمنى أن يهدم المسجد الأقصى ويجتاحه المستوطنون ليرى ماذا سيفعل المقاطعون من غير أعضاء الكنيست الصهيوني العرب”. لا بل وصل الأمر ببعضهم للنيل والتطاول والشتم والاستهزاء بفضيلة الشيخ رائد صلاح الذي كان قابعًا في حبس منزلي وإقامة جبرية هي ضريبة مواقفه في الحفاظ على ثوابت شعبنا.
وحيال المصير الذي آلت إليه القائمة المشتركة وتفككها، والسجال بل والتراشق الذي وصل إلى أدنى مستوى دينيًا ووطنيًا وأخلاقيًا فهل كان صحيحًا أن القائمة المشتركة كانت مفخرة شعب وتجربة فريدة أم أنها كانت حالة مزايدات ومجاملات وشعارات فارغة، ومصالح شخصية متبادلة أملتها عليهم ظروف قانون رفع نسبة الحسم وخوفهم من عدم تجاوز هذه النسبة لو دخلوا متفرقين إلى الانتخابات.
إن القائمة المشتركة لم تكن تجربة فريدة وإنما مولود معاق بتشوهات خطيرة ستقود حتمًا إلى موت ذلك المولود وقد مات!!

أيهما أفضل نتنياهو أم أبو يائير؟
في قضية المصالح يمكن الموازنة بين شرّ وشرّ آخر، وبين سيء وأسوأ وفق قاعدة “اتباع أخف الضررين”، ولكن هذا لا يكون صحيحًا وغير مقبولًا أبدًا في قضايا العقيدة والمبادئ والثوابت، حيث المفاضلة والموازنة لا تكون إلا بين خير وشرّ، وبين حق وباطل، وبين حلال وحرام لأن غير ذلك يعني تمييع المشروع وانحراف المبدأ وتشويه الدين والإساءة إليه.
وهل تمييع وتشويه أكثر من أنهم في انتخابات 1996 قالوا بأن بيرس جزار قانا أفضل من نتنياهو وأقل خطرًا منه، ونادوا له عبر مآذن المساجد. وفي انتخابات 1999 قالوا أن الجنرال الدموي باراك أفضل وأقل خطرًا من نتنياهو ودعوا له عبر مآذن المساجد فكافأهم بمجزرة وقتل 13 شهيدًا من أبناء شعبنا في الداخل في هبة القدس والأقصى. وقبل سنة قالوا أن غانتس سفّاح غزة في حرب 2014 أفضل من نتنياهو وأوصوا به أمام الدولة العبرية ليكون رئيسًا للوزراء، فصفعهم غانتس وتحالف وشكل حكومة برئاسة نتنياهو. وفي هذه الأيام ما بقي إلا أن يقولوا أن “أبو يائير” أفضل وأقل خطرًا من نتنياهو ويمكن أن يكونوا شركاءه وداعميه إذا ما شكل حكومة مع شركائه بن غفير وسمورطيتش وكبار المتطرفين. بربكم أيها العقلاء فهل تشويه وتمييع أكثر من هذا؟

قاتل الله الغباء
أنا حينما أكتب وأعلن عن موقفي الرافض للمشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني فلأنه حقي في التعبير عن رأيي وموقفي أولًا، وأما ثانيًا فإنه من واجبي في الحفاظ على بوصلة دعوتي ومشروعي الإسلامي الذي أرى من يسعى لتشويهه وحرف بوصلته عبر سياسات خاطئة.
إنني فيما أكتب فإنني لا أنافس أحدًا، ولا أماحك أحدًا ولا يزعجني ولا يهزّ شعرة في بدني فلان أو علّان وموقف هذا أو ذاك وهذا الحزب أو غيره من الأحزاب كما يتبجح البعض. ولكن لأن حزبًا من هذه الأحزاب يطرح نفسه باسم الحركة الإسلامية التي ليست ملكًا له ولا لأي شخص في الدنيا أيًا كان وهم بذلك يشوّهون تاريخًا حافلًا وناصعًا، فإن من حق أي غيور أن ينتصر لهذا الاسم فكيف بمن كان أحد بُناته ولا فخر، وكيف بمن كان في أول لقاء تم فيه الاتفاق على اللافتة التي نعمل تحتها، كانت لافتة “الحركة الإسلامية” وكان ذلك في العام 1985. وإنني لا أتردد بالقول لو أن من يطرحون أنفسهم ويستعطفون الناس عبر لافتة الحركة الإسلامية لو أنهم عملوا من خلال وتحت لافتة ما يسمى “حزب القائمة الموحدة” فإن هذا سيكون بالنسبة لي أمرًا عاديًا تمامًا مثلما يعمل غيرهم تحت لافتات حزبية أيًا كانت.
إن موقفنا من الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بل إن موقفنا من المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني ليس حالة استفزازية، ولا هي ردة فعل ولا هي خصومة سياسية لأحد أيًا كان، وإنما هو موقف كنا عليه من اليوم الذي لمّح فيه البعض تلميحًا لإمكانية المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني عام1988، فكان موقفي وأخي الشيخ رائد صلاح وآخرين الرفض القاطع، وتكرر الأمر في العام 1992، وتكرر ثالثًا في انتخابات 1996 حتى أن موقفنا من عدم المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني كان من أهم أسباب انقسام الحركة الإسلامية، فاخترنا نحن الحفاظ على هويتنا وأصالة مشروعنا، واختار غيرنا المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني وما يزالون.
مضحك ومثير للسخرية بل للشفقة أن بعض صبيان ومراهقي السياسة والمشاركين في انتخابات الكنيست الصهيوني، فلأنني أنتقد مواقف وسياسات المشاركين في انتخابات الكنيست الصهيوني باسم الحركة الإسلامية فإنهم يتهمونني أنني منحاز للشيوعيين والشبيحة وداعمي الشذوذ، وما عرف هؤلاء المراهقون أنني وقفت وأقف في مواجهة أفكار وسياسات هؤلاء ومشاريعهم من يوم أن كان هؤلاء المراهقون نطفًا في ظهور آبائهم ولم تكن قد ولدتهم أمهاتهم، لا بل إن من يصفق ويطبل لهم هؤلاء كانوا طوال الخمس سنوات الأخيرة بل وقبل ذلك في تحالف وتناغم وقائمة مشتركة مع الشيوعيين والشبيحة وداعمي الشذوذ، وكانوا “إرادة شعب”، فقاتل الله الغباء والجهل حين لا يعرف هؤلاء أن الانحراف السياسي والوطني لا يقلّ خطورة إن لم يكن أخطر من الانحراف الجنسي لأن هذا ضحاياه محدودون ومعدودون، بينما الانحراف الوطني والسياسي والديني فشعبنا كله ضحيته.

نحن حملة رسالة لا تجار بضاعة
وهذه فقرة كتبتها يوم 6/2/2003 كانت بعنوان “رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”، وذلك بعد أشهر من اعتقال الأخوة رهائن الأقصى في أيار 2003 وبعد انتخابات الكنيست الصهيوني في أيار 2003:
“يعلم الجميع أن فتنة المنصب والجاه والاسم اللامع وفتح الأبواب مشرعة أمام وسائل الإعلام والفضائيات هي فتنة عظيمة كذلك، ويعلم الجميع أن وصولنا للكنيست ووجود ممثلين لنا هناك هو أمر يسير جدًا وأنه بمقدورنا أن نكون هناك. وإذا كانت الاعتبارات شخصية أو مصلحية أو رؤيا ضيقة ومحدودة وسطحية، بل ولعل البعض يظن أن ذهابنا وتمثيلنا في الكنيست يمكن أن يحمينا ويبني من حولنا سياجًا يدفع عنا الاعتقال ولسان حال البعض يقول “مستاهلين، لو ذهبوا للانتخابات، ولو دخلوا الكنيست ما صار اللي صار”، ومع علمنا أن جانبًا من جوانب وسببًا من أسباب الاعتقال هو موقفنا من انتخابات الكنيست وعدم المشاركة فيها فإننا كذلك سنصمد أمام هذه الفتنة ونصبر مستعينين بالله ولسان حالنا نقول {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}”.
ما كان صحيحًا وصوابًا في العام 2004 هو ما كان صحيحًا وصوابًا قبله في العام 1996، وما كان أكثر صحة وصوابًا بعده في الانتخابات القريبة 23/3/2021. وإذا كانوا قد قالوا يومها لو كانوا في الكنيست لكانت لهم سياجًا ولما كان اعتقال 2003، فاليوم يقولون لو كانوا في الكنيست لكانت لهم سياجًا، ولما حظرت الحركة الإسلامية يوم 17/11/2015.
نعم إننا أصحاب فكرة وحملة مشروع، ولسنا في بازار نعرض فيه بضاعة رخيصة ونروّج لبضاعة كاسدة. إن فكرتنا ودعوتنا أعز علينا من أنفسنا حتى وإن غلا الثمن والضريبة التي ندفعها دفاعًا عن صفاء وأصالة مشروعنا ودعوتنا.
صمدنا بتوفيق الله أمام فتنة الكرسي، وفتنة الجاه، وفتنة المال والإعلام وسنمضي على هذا الطريق لا يشدنا ولا يبهرنا بريق زائف ولا شعارات خادعة سيدرك من لهث خلفها أنه كان يجري خلف سراب.

وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرّ لكم
في انتخابات 2015 كانت النشوة والهيصة بإدخال خمسة عشر عضوًا في الكنيست الصهيوني تحت لافتة القائمة المشتركة التي ما لبثت أن تفككت وتفرقت، لا أقول بأيدي سبأ بل بأيدي نتنياهو، وأخشى ما أخشاه أنه وبعد انتخابات 2021 أن تكون الهيصة والنشوة بالدخول في تحالف ودعم من قبل القائمة الموحدة لحكومة نتنياهو أو القائمة المشتركة لحكومة بقيادة لبيد كما أعلن ذلك أيمن عودة مع ضعف هذا الاحتمال وهذا الحظ عند لابيد.
وعليه فإن الأيام حبالى وإن المفاجآت كثيرة، وإن ما كان مستهجنًا ومستغربًا يومها فإنه قد يصبح في قادم الأيام أمرًا عاديًا، لأن شعار “الغاية تبرر الوسيلة” أصبح هو شعار المرحلة، و”هو بستغلني وأنا باستغله” أصبحت علامة حنكة سياسية. ويبدو أن من تمرّغ بمستنقع ووحل الكنيست الصهيوني فلن يؤثر فيه ولن يحرجه دعم لحكومة نتنياهو أو لبيد. فما يحبه البعض ويتمناه ويسعى للوصول إليه والحصول عليه وإن كان ظاهره الخير والإنجاز والنصر والفوز إلا أنه الشر الذي ما بعده شر والفتنة ما بعدها فتنة، والانزلاقة التي لن يقوم منها من وقع فيها إلا وهو مثخن الجراح مشوّه الهوية، نسأل الله الثبات أمام هول المفاجآت مما هو آت.
لن أشارك في كرنفال انتخابات الكنيست الصهيوني
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى